محاسنة.. كفيف عشريني يخوض غمار الانتخابات البلدية

 أزاح الشاب موسى محاسنة حواجز معيقات وصوله الى سلم أهدافه، وهو يلجُ اليوم معترك الانتخابات البلدية في منطقة "كفر خل" التي يتوسّد فيها محبةً قلّما تجتمع لكثيرين.
محاسنة ابن الثمانية وعشرين عاماً، الكفيف منذ اثني عشر عاما، يتسلح مُذ ذاك، بإرادة فولاذية قادته إلى تحدي المعيقات التي واجهته في غياب التهيئة في البيئة المدرسية والعملية، لكن اللحظة الفارقة بالنسبة له والتي بعثت فيه حياة جديدة، كانت عندما قرر خوض غمار الانتخابات البلدية وبلا تردد.
ومحاسنة، رب لأسرة تضم أربعة أبناء ويعمل في المجال العقاري، متنقلا في أروقة مؤسسات القطاع العام لإتمام المعاملات، ما أكسبه معرفة كبيرة وإلماماً جيداً بالقوانين والإجراءات التنظيمية والإدارية حسبما يوضح، بل وكثيرا ما ينبري لتقديم خبراته واستشاراته للسائلين.
في بلدة "كفرخل"، حيث يقطن، يمتلك محاسنة شبكة علاقات اجتماعية واسعة، ودعما دافئا من المحيط، ويقول إن "فقدان البصر دفعه للانخراط في صفوف الناشطين الحقوقيين المدافعين عن حقوق ذوي الإعاقة".
ويبين انه يركز جُلّ جهوده في المجال التطوعي كلما كان لديه متسع من الوقت، بالتعاون من الجمعيات والمنظمات المعنية. فقد سار محاسنة قدما بخطى غير هيّابة للعمل مع أقرانه، وبإصرار وعزم لخدمة أهل البلدة، فكان ترشحه لخوض الانتخابات، كما يقول، انحيازا للمصلحة العامة.
ويضيف، ان لديه تصورا شاملا للعمل البلدي والتنموي في البلدة التي يحب، ويحدوه الأمل في أن يجد قبولا وتأييدا لدى الناخبين.
الناطق الإعلامي في المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رأفت الزيتاوي، اعتبر في حديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) خطوة الشاب المحاسنة، فرصة مهمة لتمكين الأشخاص ذوي الاعاقة من المشاركة السياسية الفاعلة على أساس من المساواة مع الآخرين، وتقديم التسهيلات لهم وبما يعزز اندماجهم في المجتمع.
ويشير الزيتاوي إلى أن التوجيهات الملكية لإصلاح المنظومة السياسية، جاءت بهدف تعزيز ورفع المشاركة السياسية وتطوير العملية الانتخابية، لتحقيق التمثيل الأفضل لمختلف شرائح المجتمع، ما يتطلب الاستثمار في هذه المرحلة بتمكين ذوي الإعاقة سياسياً وتعزيز مشاركتهم في العملية الانتخابية عبر الترشح والتصويت، والانخراط في وضع السياسات العامة وصنع القرار الإداري والتنموي في مجالات الإدارة المحلية وكذلك العمل النيابي.
ويضيف، ان مشاركة المحاسنة تؤكد الوعي العام بأهمية ضمان الحقوق السياسية، وتطبيق القوانين والوفاء بالالتزامات التي يفرضها الانضمام للاتفاقيات الدولية، مشيرا الى أن هذا يستدعي مزيداً من الإجراءات والجهود التوعوية، وتغيير الصورة النمطية السائدة في المجتمع عن ذوي الاعاقة، تحقيقا لحقهم بالمساواة في انخراطهم ومشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية.
ويقول أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية الدكتور ليث نصراوين، إن القوانين والأنظمة النافذة تعزز الدمج المجتمعي، خاصة وأن قانون الادارة المحلية رقم 22 لسنة 2021، لم يضع أية عراقيل أو قيود على حق الشخص في الترشح، إذ أجاز للأشخاص ذوي الإعاقة ممارسة حقهم ليس في الانتخابات فقط وإنما الترشح لتلك المجالس.
وتنص المادة (29) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2007، والتي صادق عليها الأردن، على كفالة حرية تعبير الأشخاص ذوي الإعاقة عن إرادتهم كناخبين، وأن يتم العمل على نحو فعال من أجل تهيئة بيئة يتسنى فيها للأشخاص ذوي الإعاقة أن يشاركوا مشاركة فعلية وكاملة في تسيير الشؤون العامة، دون تمييز وعلى قدم المساواة مع الآخرين، وأن تشجع مشاركتهم في الشؤون العامة.
ويوضح الناطق الإعلامي في الهيئة المستقلة للانتخاب محمد خير الرواشدة، أن الهيئة توفر كل سبل الترشح بيسر وسهولة بشكل عام، وتقوم بتوفير تسهيلات متعددة للأشخاص ذوي الإعاقة بشكل خاص، لتمكينهم من ممارسة حقوقهم كافة، مضيفا أن الهيئة ملتزمة بتطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات ذات العلاقة.
ويبين في هذا الصدد، أنه رفعا لكفاءة وقدرات الكوادر العاملة في الهيئة في التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف مستويات وإجراءات العملية الانتخابية وتقديم التدابير التيسيرية لهم، فقد تم إلحاق عدد من كوادرها بدورة تدريبية مكثفة بالتعاون مع المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة، وبما يمكّنهم من القيام بمهامهم وفق أعلى درجات الاحترافية وبحسب المعايير الدولية.
ويعتبر رئيس قسم علم النفس في الجامعة الأردنية الدكتور فراس الحبيس، ان اتاحة الفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة للمشاركة في صنع القرار أو بناء المجتمع، أمر في غاية الاهمية من حيث بناء ثقتهم بأنفسهم وتعزيز إمكاناتهم ونظرتهم الإيجابية لأنفسهم، مشيرا الى أن إقدامهم على الترشح يكسر كل موانع التمييز ويرسم الأمل بالانطلاق في الحياة بقوة وعزم.
فيما يشير اختصاصي علم الاجتماع الدكتور عامر العورتاني، إلى أن تحقيق المساواة والمشاركة الفاعلة بين أفراد المجتمع ، تتطلب المزيد من الإجراءات، وفق تشاركية تكاملية بين مؤسسات الدولة وذوي الإعاقة أنفسهم.
وأشار العورتاني الى أهمية التشريعات والقوانين الناظمة لشؤون حياة ذوي الإعاقة والضامنة لمشاركتهم في الحياة البرلمانية والسياسية والإدارية وبما يفسح المجال لإيصال رسالتهم الى أعلى مستويات صنع القرار، ويكفل لهم التمثيل اللائق بين أفراد المجتمع.
-بترا