همسة بالحمام تقود مليارديراً لسجن مدى الحياة

يتردد غالبا في الروايات البوليسية أنه لا توجد جريمة كاملة، وأن خيطا رفيعا أو أثرا تافها تركه الجاني، يمكن أن يفك طلاسم الجريمة، ويفضي به إلى حبل المشنقة او إلى السجن على أقل تقدير.

 

وهذا بالضبط ما حدث لأحد كبار رجال الأعمال في الولايات المتحدة ويدعى روبرت دورست، حيث أدت زلة لسانه إلى الحكم عليه بالسجن المؤبد، إلى أن قضى نحبه في زنزانته.

فذات يوم دخل قطب الأعمال دورست إلى دورة مياه الرجال بعد أن فرغ من مقابلة إعلامية، وهمس لنفسه "ما الذي فعلته؟. قتلتهم جميعا بالطبع".

هذه أشهر جملة تفوه بها دورست، ولم يكن يقصد على الإطلاق أن تصل إلى أذن أي شخص آخر غيره.

وعندما تفوه دورست بهذه الكلمات لنفسه داخل الحمام بعد المقابلة الإعلامية، نسي أن سماعة الميكروفون التي تستخدم لسماع كلمات ضيوف المقابلة كانت لا تزال مثبتة في سترته.

وفي خصوصية دورة المياه المخصصة للرجال، قال دورست لنفسه "الآن أصبح الوقت مناسبا، إنهم توصلوا اليك يا لها من كارثة".

وكان دورست قد أجرى مقابلة إعلامية لصالح المسلسل الوثائقي القصير الذي أذاعته شبكة (إتش.بي.أو) التليفزيونية الأمريكية لعام 2015، وهو بعنوان "النحس : حياة وأموات روبرت دورست"، وكانت الكلمات التي تفوه بها مسموعة برغم تداخل أصوات المياه والورق.

وظلت الشبهات تحوم لعدة عقود حول دورست، وهو وريث لأسرة تعمل في مجال العقارات، بارتكابه سلسلة من عمليات القتل، ولكن بعد تبرئته من ارتكاب جريمة منها، لم يواجه أية إجراءات قانونية أخرى، إلى أن قدمت كلماته التي اعتقد أن أحدا لم يسمعها، دفعة جديدة للتحقيقات.

وتم في وقت لاحق توقيع عقوبة السجن مدى الحياة بحقه بدون إمكانية العفو عنه، بعد إدانته بقتل صديقة له منذ 20 عاما، وسرعان ما تم اتهامه بعد ذلك بقتل زوجته وذلك بعد مرور 40 عاما على اختفائها.

ومن يتأمل بداية حياة ربورت دورست الذي ولد عام 1943، يعتقد أنه من المقدر له أن يعيش حياة كلها ترف ورفاهية، باعتباره الابن الأكبر لرجل من عائلة تعمل في مجال العقارات.

غير أنه كان يعاني من اضطرابات نفسية عميقة، فقد توفيت أمه وهو في السابعة من عمره، وظل في مشاحنات مستمرة مع أخيه، وهو صراع تفاقم عندما أوضح أبوه أنه يفضل الابن الأصغر دوجلاس عليه.
وكان من المفترض أن يخلف روبرت أبيه في إدارة الشركة، وأن يقود إمبراطورية العائلة غير أنه قرر أن يدير متجرا للأطعمة الصحية بدلا من ذلك، وتم إقناعه في النهاية بأن يتولى إدارة أعمال العائلة، ولكن حل محله بعد ذلك شقيقه الأصغر.

ولم تخف حدة العداء بين الشقيقين، وقال دوجلاس دورست فيما بعد لصحيفة نيويورك تايمز، إنه كان متأكدا على الدوام من أن أخيه روبرت هو الذي ارتكب جرائم القتل، وأنه يخشاه، وأضاف "ليس لدي أي شك، في أنه إذا أتيحت له الفرصة ليقتلني سيفعل ذلك".

وبشكل عام تم ربط روبرت دورست بثلاث جرائم، في عام 1982 اختفت زوجته كاثلين ماكورماك في ولاية فيرمونت دون أن تترك وراءها أي أثر، وكانت تبلغ من العمر وقتها 29 عاما ، وجرى الاعتقاد بأنها توفيت على الرغم من أن الشرطة لم تعثر على جثتها.

وفي عام 2002 تم العثور على جثة سوزان برمان، الصديقة المقربة لروبرت دورست، مقتولة بمنزلها بكاليفورنيا.

وبعد ذلك بعام، تم العثور على رفات موريس بلاك وهو جار لدورست في تكساس في ذلك الوقت.

وفي جميع الجرائم الثلاث، كانت أصابع الاشتباه تشير إلى روبرت، وعلى الرغم من إجراء تحقيق مطول معه، مرت عقود قبل أن تتم إدانته.

وجرت محاكمته بتهمة قتل جاره بلاك ولكن تم تبرئته، واعترف دورست بعد ذلك بقتل جاره وفصل أجزاء جسمه، ووفقا للإدعاء كان دورست يريد سرقة هوية الرجل، للهروب من التحقيقات بشأن اختفاء زوجته.

ولكن برغم تقطيع أوصال بلاك، قبلت المحكمة إدعاء دورست بأن عملية القتل كانت دفاعا عن النفس.

ثم لاذ دورست بالفرار، محاولا مرارا وتكرارا الهروب من المحققين، وهرب دورست عبر مناطق الولايات المتحدة، ونزل في عدة فنادق بأسماء مستعارة، بل تردد أنه تخفى على شكل امرأة صماء.

وترددت قصصا كثيرة وغريبة عن تصرفاته، من بينها أنه تم ضبطه وهو يسرق شطيرة ليتناولها بينما كان قادرا على دفع ثمنها، ومنها اتهام أخيه له بأنه قتل عدة كلاب ليتدرب على قتل زوجته.

وأخيرا في عام 2021، أدين بإطلاق الرصاص على سوزان برمان في مزلها بمنطقة بيفرلي هيلز، في وقت احتفالات الكريسماس عام 2000.

ولم تكن الإدانة تستند على العبارات التي تفوه بها دورست لنفسه، في دورة مياه الرجال وقتذاك، على الرغم من أنها أدت إلى إحالته إلى المحاكمة.

وذكرت تقارير إعلامية أنه تبين للمحكمة، أن تفريغ التسجيلات الصوتية تم تحريرها وإعادة ترتيبها وربطها معا، من أجل العرض التليفزيوني.

ومع ذلك لم تتم إدانة دورست على الإطلاق بتهمة قتل زوجته، حيث توفي في السجن في أوائل عام 2022، وكام قد مثل أمام المحكمة وهو جالس على مقعد متحرك، وهو يبلغ من العمر 78 عاما، وكانت صحته متدهورة حيث عانى من سرطان المثانة وأمراض أخرى.