الشرفات يكتب: الإخوان .. عندما تضحي المراجعة ضرورة!

العين د.طلال طلب الشرفات


لا يحق لأحدٍ أن يستكثر على الإخوان المسلمين أن تكون لهم رؤيتهم الخاصة في كثير من الملفات الوطنية، ولا أريد أن أستل سيف النقد الجارح للجماعة في ظل ركون شعبويتها للدَّعة، واتكاء حضورها السياسي على بيانات النقد، وجلد الدولة ومؤسساتها، ومعارضة الجميل والقبيح مما يعترض الشأن العام، ولعل الجماعة قد خانها إدراك بأن الواقعية السياسية، والمراجعة الذاتية هي السبيل الوحيد وطوق النجاة من عوامل التآكل الذاتي، وحصار القوى السياسية الأخرى؛ تمهيداً لشيطنتها في لحظة ما، واستبعادها من المشهد العام إلى أمد بعيد.

الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها ليس لها مصلحة في استبعاد أحد من المشهد العام، ولكنها تضطّر بحكم واجبها الدستوري إلى مراقبة تناغم وانسجام السلوك السياسي للقوى، وقواعد السلم الأهلي والإستقرار الوطني، والجماعة تعرف تماماً القوى التي تختلف معها في النهج والمنهج، وتسعى إلى ضعفها وإضعافها، وتتمنى لها الزوال والنكوص عن المشهد السياسي سواء أكان ذلك في إطار الأمنيات أو من خلال استدعاء مضامين خطابات الجماعة الخلافية في الملفات التي تستدعي أصلاً ألفة وطنية، وواقعية في قراءة مضامين المصلحة الوطنية بعيداً عن رفض الآخر ومواقف الدولة دون طرح بديل.

ليس للجماعة مصلحة في مقاطعة انتخابات المجالس البلدية والمحافظات، ولا يحق لها أو يليق بها الهروب من مسؤولياتها الخدمية تجاه المواطنين أو مناصريها على الأقل، وأن تتخذ موقفاً عاقلاً ليس كذاك الذي كان في أزمة المعلمين قبل سنتين بسلوك اتخذ وقتها الحيادية السلبية التي لم تنطلي على أحد، وأدت بعد تنامي مظاهر الاستقواء على الدولة، والاعتداء على هيبتها إلى خسارة مكتسبات نقابية مهمة حذرنا حينها مراراً من مغبة تهديد السلم الأهلي، وهيبة الدولة، ومصالح الطلبة، وسيادة القانون للحفاظ على تلك المكتسبات آنذاك.

لا يعيب جماعة الإخوان مراجعة خطابها السياسي بعمق، وأدبيات سلوكها بموضوعية وتعلن ذلك للملأ، وفي مقدمة تلك الأدبيات قبول الآخر فعلاً لا قولاً، والتراجع عن سلوك احتكار الحقيقة في الفهم والإفهام الديني، وضوابط المصلحة العليا للدولة، واستلهام التجارب المعقولة للسلوك السياسي الواقعي المرن للجماعات الإسلامية في دول المغرب العربي بما يمكنّها من استحضار مصطلحات جديدة ديمقراطية لتحديد صيغة خطاب مقبول مع الدولة والأفراد والقوى الأخرى، وكل هذا يصب في مصلحة الاستقرار السياسي، ومصلحتها في المقام الأول.

من جهتنا لا نريد لأي حزب سياسي يؤمن بالثوابت الوطنية وقواعد الدستور في سلوكه السياسي، وتربيته الحزبية أن يأفل حضوره من المشهد العام؛ لأن ساحات العمل الوطني تتسع لكل الأردنيين، وعلى خدمة الوطن، وشعبه الأصيل فليتنافس المتنافسون، سيّما وأن القطيعة والمقاطعة هي النقيض المرّ للحوار الديمقراطي الهادف البنّاء الذي تسعى إليه كل الشعوب الحيَّة، وقواها الفاعلة المؤمنة بوطنها، والحريصة على هويتها الوطنية، والبعيدة كل البعد عن الأفكار المستوردة، والمرجعيات الخارجية، والمصالح العابرة للحدود.

أتمنى على جماعة الإخوان أن تشرع فوراً في خلوة بمراجعة شاملة فعلية لخطابها وسلوكها السياسي، وأن تنهي حالة الزاوج الدائم بين الحزب والجماعة، وتعيد ضبط إيقاعها الوطني، وبوصلة توجهاتها القادمة؛ لأن البديل هو حتماً ما لا نتمناه لجماعة لها ما لها بما لا يُنكر، وعليها ما عليها أضحى واجباً أن يتغير.