الأردن وأذربيجان والعلاقات الثقافيَّة والتعليميَّة
الأكاديمي مروان سوداح قرأت على موقع "وزارة الخارجية وشؤون المغتربين" بأن العلاقات السياسية التي تربط بين المَملكة الأردنيَّة الهاشميَّة وجمهورية أذربيجان قويَّة ومبنيَّة على الصداقة المتينة بين قيادتَي البلدين، ويتجلّى ذلك في الزيارات الرسمية المتبادلة، وتوقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، وتنفيذ البرامج المشتركة في مجالات عدة من بينها: التعاون الدولي، والتعليم، والثقافة، والشباب، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتشجيع الاستثمارات وحمايتها، كما يتقاسم البلدَان الدعمَ في المحافل الدولية، فقد "نشأت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في 28 كانون الأول 1991م، وافتُتحت السفارة الأردنية في باكو بتاريخ 1 أيار 2007م، ولجمهورية أذربيجان سفير معتمَد ومقيم في عمّان. خلال مطالعتي هذا الخبر القصير والغني في مضمونه في ذات الوقت عن علاقات بلدينا الشقيقين الأردن وأذربيجان، تذكرت فوراً المدير الأول الشهير للمركز الثقافي السوفييتي في عمَّان، والذي ما يزال يذكرهُ مدراء هذا المركز حتى هذه اللحظة. المدير هو المرحوم "عادل قربانوف" الذي قاد المركز والنجاحات الكبيرة لهذا المركز خلال عدة سنوات تميزت بالنجاح الملحوظ في تطوير العلاقات الثقافية والتعليمية، وزيادة عديد الطلبة الأُردنيين الذين درسوا في تلك البلاد وبخاصة في جامعات باكو، وتبادل الزيارات والأعمال في مختلف المجالات، وقد كان رحمه الله حريصاً كل الحرص في عمله بإعطائه دفقاً ملموساً ومتواصلاً، ولهذا السبب وظَّفني استاذي المرحوم "عادل قربانوف" عندما كنت طالباً في "الكلية التحضيرية لجامعة موسكو الحكومية "م. لومونوسوف"، كاتباً في جريدة "أنباء موسكو" الأسبوعية الشهيرة التي صدرت بالعربية في موسكو، وترأس هو آنذاك رئاسة تحريرها في السبعينيات من القرن المُنطوي، لأكتب أيضاً عن مشتركات شعبينا الأردني والأذري، وتطوير الصِّلات المختلفة الفاعلة بينهما، وتسليط الأضواء على كل ذلك بالكلمة الطيبة والنوايا الحسنة والأخوية التي يتفرد بها البلدان والأمتان. أذكر كيف كنَّا في عمّان نستقبل الوفود الثقافية والإعلامية من باكو، حيث كانت تقام لها حفلات استقبال ومحاضرات وندوات في المركز الثقافي السوفييتي وجمعية الصداقة الأردنيَّة السوفييتية، وفي غيرهما من المؤسسات المحلية، أضف إليها لقاءات مع مختلف الهيئات الأردنية ذات الصِّلة. كانت الوفود الأذرية تَلقى احتفاءات واسعة في العاصمة من لدن مختلف الجهات والشخصيات المحلية، تماماً كما في أيامنا هذه التي نرحب فيها بجميع الوفود من أذربيجان الشقيقة، وبكل فعالية ثقافيَّة وعلميَّة وسياحيَّة وغيرها، وسعداء بافتتاح خط الطيران المباشر بين العاصمتين والذي من شأن تطويره رسمياً ورفده بدفق بشري أن يوسِّع من مساحة العلاقات الأردنية - الأذرية في الفضاءات الثقافيَّة والعلميَّة والتعليميَّة، بل والتجاريَّة والاقتصاديَّة والسياحيَّة أيضاً، فأذربيجان ما انفكت تسكن في قلوبنا وماثلة في عقولنا اليوم وكل يوم. بين حين وحين أقرأ عن فعاليات السيد إيلدار سليموف، سفير جمهورية أذربيجان الهُمَام والكريم لدى المَملكة الأردنيَّة الهاشميَّة، وبالذات عن الأنشطة التي يبادر إليها لخدمة علاقات بلدينا وتعظيم المردود منها. واحدة من هذه كانت الاحتفالية المشهودة في رِحاب الجامعة الأردنية التي كُرِّسَت للذكرى الـ880 لميلاد العلامة والمُفكِر والشاعر الكبير نظامي الكنجوي، وعكست اهتمام المثقفين وأصحاب القلم المحليين والعرب بهذه المناسبة، التي شارك فيها عدد كبير من المتخصصين في الإرث العظيم لنظامي الكنجوي من أذربيجان وبلدان الضاد، وهو ما يشهد على ضرورة تكرار هكذا فعاليات ثقافية تهدف إلى التقريب الأخوي المتواصل بين شعبينا من بعضهما البعض، من خلال الكلمة، والمشاعر الأخوية، والتفاهم الثنائي، والتزاوج والزيارات بين بلدينا والتي يمكن تعظيمها بجهود مركزين ثقافيين أردني في باكو، وأذربيجاني في عمَّان، وإلى جانب ذلك تفعيل التعاون الجامعي على يد المتخصصين من الأردنيين والأذريين عبر مزيدٍ من بناء الجسور المُجَسِّرة لتقدم اللغة العربية في أذربيجان؛ وانتشار اللغة الأذرية في الأردن، تماماً "كالكثير" من اللغات الأخرى التي يتم تدريسها في الجامعات الأردنية وفي طليعتها الجامعة الأردنية "أم الجامعات" المحلية؛ إذ نلمس أن الأذرية تتقاطع في مفرداتها المُستخدمة يومياً مع اللغة العربية، وهو ما يُسهِّل التلاقي الإنساني وغيره من صور العلاقات المشتركة، ويَتبَّدى ذلك لنا في سياقات متابعاتنا لبرامج محطات التلفزة الأذربيجانية على قمر "هوت بيرد"، ما يُمكِّننا من إحراز نجاحات كُبرى في هذا المِضمار الإنساني، بل وفي ذلِكُم الحقل الذي يجمع بحنوٍ الأشقاء في الدين، واللغة، والعادات والتقاليد والتطلعات والمشتركات بيننا والتي لا نهاية لها. *متخصص في شؤون أذربيجان.