مروان سوداح يكتب :-"عمليَّة المَسلخ الأسود" لبيريسترويكا غورباتشوف الفاشي (1-2)

ارتكب أَزْلام الـ"بيريسترويكا" و الـ"غلاسنوست" المقبورتين وفي مقدمة صفوفهم "القُرصان المُتمرس" ميخائيل غورباتشوف، وإلى جانبه بوريس التسين، مَجزرة بحق شعب أذربيجان يَنْدَى لَهَا جَبِينُ الإنسانية، وتستنكرها البشرية النبيلة، وستبقى صور دماء الشهداء المُمَثّل بأجسادهم ملازِمَةً للإنسانية جمعاء في كل الدهور، كونها وصْمَة عارٍ يَصطَبِغ بها جميع قُطّاع الطُرق أنصار الشيطان، الذين إستحدثوا هذه العملية العدوانية التي أصابت كل شريف. أدعى القتلة مزوِّرين الحقائق، بأن عمليتهم إنَّمَا هي في صالح الشعوب والقوميات السوفييتية(!)، لكنهم في الواقع أرادوها مَذبحة وجب محاكمتهم دولياً لارتكابها بحق جميع الـ130 قومية سوفييتية بالتدمِّي المُمَنهج، وبالقتل والسَحل والذبح والتمثيل بجثثِ الأسرى والشهداء والموتى حتى، ناهيك عن عمليات الإعدام الجماعيَّة عن سابق إصرار وترصد، وأنهار الدماء والإفقار القهري للأذريين.
قبل العشرين من يناير 1990 الذي شهد بدء المجزرة التاريخية بحق الأّذربيجانيين، صوَّت "مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية أرمينيا"، في 9 يناير 1990،على إدراج منطقة "قرة باغ الجبلية" الأذربيجانية في ميزانيته، وبالتالي ضمنها تحت سيادة أرمينيا، وطالب ساكنيها بالتصويت في الانتخابات الأرمينية(!)، متجاهلًا بذلك القانون الدولي، وحقوق أذربيجان الدستورية والدهرية في المنطقة، والصلاحية القضائية لأذربيجان، ما أشعل بالتالي غضبًا شعبياً عارماً في كل أذربيجان، ما أدَّى إلى مظاهرات واستنكارات مَشرُوَعَة، وغضباَ في مختلف أنحاء المَعمورة أيضاً.
في العشرين من يناير الحالي تمر الذكرى الـ32 سنة على "عمليَّة المَسلخ" الذي ابتدعته الزمرة "البيريسترويكية" "السوفييتية" وأرمينيا نافخة في بوقها، بحق شعب أذربيجان الشقيق الذي عاني من ذبح القادة السوفييت الجُدد الذين إغتصبوا السلطة وفي مقدمتهم "غوربي" – الهمجي والمتوحش الفاشي الذي أمر بتصويب النار ليس ضد عدو خارجي تربص بروسيا والسوفييت آنذاك، بل ضد شعوب صغيرة عاشوا معها وإلى جانبها ردحاً طويلاً من الزمن، وإدعوا بأنها شقيقة، لكن ها هم قد أوغلوا فيها ذبحاً وسلخاً وحرقاً وإجلاءاً عن بيوتات قومياتها وأراضيها، وقد تكشفت في بيريسترويكا "غوربي – التسين" تلكم السوداوية التي اصطبغوا بها لكأنهم أشقاء الشيطان في "جِي هِنوّم" الأبدية.
يُعتبر تاريخ الـ20 من يناير عام 1990 يوم الحِداد العام الذي رَسَخَ في ذاكرة الشعب الأذربيجاني الشقيق، وما أزال أنا شخصياً أذكر تلك النقلات الإجرامية للقادة "السوفييت" الجُدد الذين تأمروا حينها على كل البشر وعلى بلادهم أيضاً، فقد كتبت عن ذلك في أحدى الصحف اليومية التي كنت أعمل فيها وأشرفت خلالها على عمود يومي عن الأحداث والتطورات السوفييتية، ومواد إعلامية أخرى تتحدث عَمَّا كان يجري آنذاك في الاتحاد السوفييتي المُنهار.. ذاكرتي أبقت على صور العسف حين شرع الإستبداد المسلح بقتل العُزَّل من بسطاء الناس في باكو وفي غيرها من الأصقاع، الذين عافوا هذا الجشع السلطوي، فانتفضوا عليه ليعلنوا تأسيس جمهورية أذربيجان المستقلة في إشارة على رغبتهم التمتع بالحرية والانعتاق من النازية التي جسَّدتها دكتاتورية غورباتشوف الأحمق، رداً على شلالات الدماء الأذرية الزكية التي سالت في كل بقعة، لا لشيء إلا لشوفينيَّة غورباتشوف المقيتة ومَن لف لفه بحق "الأخرين!" الذين كانوا أيامها يطالبون، ولهم الحق بذلك، بالعدالة والحقوق والتمتع بالكرامة.
لم يتورع حُرَّاس جهنم عن شن العدوان على عاصمة أذربيجان، مدينة باكو، وغيرها من المدن وارتكاب انتهاكات حقوق الأنسان. حينها استخدم القتلة أحدث الأسلحة المتطورة التي أزهقت أرواح المئات من المدنيين الأبرياء والعزل ضمنهم الأطفال والنساء والشيوخ. وفي التفاصيل، فقد هبَّت القيادة السوفييتية إلى حرب شعواء على شعوبها بالذات، فأصدرت الأوامر لنحو 30 ألفًا من جنودها المدججين بالأسلحة الثقيلة باقتحام باكو؛ استهدافاً للشعب ولقمعه رداً على تصميمه على استقلاله؛ وهو ما أدّى إلى تراجيديا شاملة، نتج عنها في البداية قتل 137 أذربيجانياً، وإصابة أكثر من744 آخرين بجراح استشهد عدد كبير منهم فيما بعد، كما تمّ اعتقال نحو 841 مدنيّاً بشكل غير شرعي ومنافٍ لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وبعد إعلان الحالات الطارئة في ليلة الـ19 من يناير عام 1990، تم قتل 21 شخصاً "فقط!"، وفي المناطق التي لم تُعلن الحالة الطارئة فيها، تم الإجهاز على 26 مدنيّاً أذرياً.
في سياق "عملية المَسلخ" الغوباتشوفي السوفييتي لسلخ جلود الأذربيجانيين وسَحْلَهم، أدرك الشعب الأذربيجاني من خلال تجاربه التاريخية، بأنه في نضاله العادل سيحتاج إلى زعيم حكيم وحقيقي، وتمثّل ذلك في القائد حيدر علييف، الذي كان حينذاك تحت مراقبة السلطات السوفييتيّة "الخاصّة" في موسكو، حيث توجّه برفقة نجله إلهام علييف (الرئيس الأذربيجاني الحالي) إلى البعثة الأذربيجانيّة الدائمة في موسكو وأعلن من هناك بياناً عالميّاً، عَبَّرَ فيه عن اعتراضه على العدوان المذكور، واتَّهم منفّذي المأساة والرئيس السوفييتي السابق غورباتشوف شخصياً بارتكاب جريمة تُثير التَّقَزُّزَ واِشْمِئْزاز الإنسانية، وطالب بسحب الجيش من العاصمة باكو فوراً، ولا شكّ في أن إعلان هذا البيان وانتقاد رئيس الدولة رسميّاً في عهد الحُكم السوفييتي في موسكو كان آنَذَاك يتطلب شجاعة كبيرة تمثلت في شخصية الزعيم حيدر علييف.
في خضم تِلكم الإِنْحِطَاط، والجاهليَّةٌ، والهَمَجِيَّةٌ والوحشيَّة، طلب الشعب الأذري من الزعيم التاريخي والوطني للشعب الأذربيجاني حيدر علييف، بانقاذ شعبه من الإجرام الذي تلاحق ضده بالموت وتدمير البلاد والنيل من روحها، وإلى جانب ذلك التصدي لحملة العداء الأرمينية سياسياً وعسكرياً الموجهة ضد مواطني الشعب الأذربيجاني الذي طروده من أرمينيا، ومن وطنه في "قراباغ الجبلية"، إذ حينها اتحَد القادة السوفييت الخونة للشعب السوفييتي برّمته، والعُملاء للأجنبي، ليوجِّهوا حِرابهم صوب صدور شعب أذربيجان، وبذلك اصطفوا في صفٍ واحد مع عدوانية الكولونياليَّة الاستيطانيَّة الأرمينية. ولهذا، شهدت أذربيجان عدداً ضخماً من التظاهرات والاجتماعات التي شكَّلت النواة للحركة التحرريَّة للشعب الأذربيجاني، التي عارضت حركة القمع السوفييتية - الأرمينيَّة للشعب الأذري، ونهضت بالدولة المحاصَرة لتستقل، ولتعلن سيادتها وموقعها المتقدم في المجتمع الدولي. وللحديث بقية.
*متخصص في شؤون أذربيجان.
@