العتوم يكتب: عودة حتمية للأردن لخيار الطاقة النووية السلمية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه
تسعى جميع الدول لتحقيق أمنها وامانها في الطاقة والمياه من خلال بناء
استراتيجيات وطنية تهدف الى تنويع مصادر الطاقة وزيادة مساهمة المحلية منها
ومواجهة تحديات التغير المناخي والوصول الى الاكتفاء الذاتي بنسبة 100%،
سعياً منها لتغطية الطلب المستمر والمتزايد على الطاقة ومواكبة التطور
الاقتصادي والتنموي، الداعمين للاستقرار الاجتماعي والسياسي وسيادة الدولة
وحرية ارادتها ومواقفها. ولقد أثبتت التجارب العالمية أن خيار الطاقة
النووية السلمية خيار استراتيجي لتحقيق أمن التزود والتنوع بالطاقة
النظيفة. ومن هنا تظهر الحاجة لإدخال مصادر جديدة غير تقليدية لمواجهة
التحديات وترسيخ امن الطاقة حيث تتسابق العديد من دول العالم والدول
العربية لإدخال الطاقة النووية السلمية وتطبيقاتها في استراتيجياتها لتوليد
الطاقة.
هناك 32 دولة حول العالم حاليا تقوم بتشغيل 442 مفاعلاً
نووياً لتوليد الكهرباء إضافة الى 51 محطة نووية جديدة قيد الإنشاء، وتشكل
الطاقة النووية أكثر من نصف إجمالي إنتاج الكهرباء في فرنسا وهنغاريا
وسلوفاكيا وأوكرانيا. وقد خطت بعض دول الجوار الاقليمي للأردن خطوات ملموسة
بإنشاء محطات الطاقة النووية لانتاج الكهرباء حيث أن التجربة الإماراتية
تعتبر رائدة في هذا التوجه، وستلحق بها تباعا كل من تركيا ومصر خلال العقد
الحالي. وهناك توجهات حثيثة لكل من السعودية والعراق وليبيا من أجل تشييد
محطات الطاقة النووية السلمية بما يعزز السيادة ويحقق التنوع المحلي لديهم
بمصادر الطاقة على الرغم من وفرة مصادر الوقود التقليدية لدى هذه الدول ضمن
خليط الطاقة فيها.
الطاقة النووية السلمية تولد طاقة حرارية بكميات
كبيرة حسب الحاجة يمكن استغلالها في الأغراض السلمية وقد تطورت تكنولوجيات
محطات الطاقة النووية السلمية نتيجة الخبرة التراكمية التشغيلية المكتسبة
والممتدة لأكثر من نصف قرن حيث أصبحت محطات الجيل الثالث المتطور والرابع
الحديث التي تعمل بمفاعلات الوحدات الصغيرة المدمجة (SMRs) تتميز بالعديد
من السّمات مقارنة بمحطات الطاقة النووية التقليدية مما حدا بهيئة الطاقة
الذرية الأردنية ان تضعها نصب عينيها خلال السنوات الخمس الأخيرة. ومن أبرز
سماتها توافقيتها مع شبكة الكهرباء الوطنية كحمل أساسي نظرا لملائمة السعة
التوليدية لكل وحدة نووية، وسهولة وسرعة إنشائها في مواقع ذات مساحات
صغيرة نسبيا نظراً لإمكانية التصنيع التسلسلي لأغلب مكونات الوحدة النووية
ودمجها بوحدة متكاملة في معامل تصنيع مُتخصَّصة ومن ثَمَّ نقل الوحدة
النووية بمحتوياتها إلى المواقع المخصصة مع إمكانية إضافة وحدات نووية
إضافية في نفس الموقع لمواكبة الطلب المتنامي على الطاقة مستقبلا وهذا يؤدي
إلى تنافسية بسعر الطاقة المنتجة عند انتشار هذه المفاعلات عالميا.
كما
أن هذه المفاعلات تتضمن أحدثَ أنظمة ومتطلبات الامن والأمان النووي
العالمية وذات خصائص أمان متلازمة وبأنظمة ذاتية التفعيل حيث أن تصميمها
يأخذ بالاعتبار أي سيناريو مماثل أو أكثر شدة من حادثة فوكوشيما في اليابان
(علما بان تلك المحطة بتكنولوجيا قديمة جدا من عام 1968). بالإضافة إلى أن
عمرها التشغيلي يمتد لستين عاماً قابلة للتمديد مما يجعلها مصدرا طويل
الأمد إن لم يكن الأطول عمرا مقارنة مع كل مصادر توليد الطاقة الحالية. ومن
أهم ميزاتها خاصية التوليد المشترك للطاقة المتمثلة باستخدامها في تطبيقات
إضافية عدا عن الطاقة الكهربائية وأهمها تحلية المياه لغايات الشرب وكلها
تطبيقات ذات أهمية وطنية قصوى على المدى القريب.
تعتبر مسألة
المياه في الأردن من اخطر وأكثر المسائل الحيوية أهمية بالإضافة إلى أنها
من أكثرها إثارة للجدل والاختلاف. فإلى جانب كونها مسألة سيادية واقتصادية
واجتماعية وقانونية وفنية، فهي مسألة أمنية وإستراتيجية في الوقت ذاته،
وذلك لأنها تتعلق بحياة دول المنطقة وشعوبها في ظل المتغيرات السياسية
المتسارعة في الإقليم بشكل عام والأردن بشكل خاص، حيث يعتبر الأمن المائي
التحدي الأكبر الذي يواجه الأردن. وقـد تفاقـم هـذا الوضـع وسيتفاقم اكثر
واكثر بسـبب الزيـادة السـكانية التـي تضاعفـت خلال العقديــن الماضيين
جراء النمــو السكاني والهجرات القسرية مــن الــدول المجاورة بالإضافة إلى
التغيـر المناخـي الـذي يؤثـر علـى التزويـد المائـي للمياه السطحية
والجوفية والتي تعد المصدر الرئيس للتزويد المائي في الأردن.
ويعتبر
الأردن مـن الـدول التـي تتسـم بشـح الميـاه الكبيـر ويصنّف الأردن من
المناطق الجافة وشبه الجافة، ويعدّ مائيّاً بين أفقر اربعة دول في العالم .
لا
شك ان مسالة ومشكلة المياه بالنسبة للاردن ستلعب دورا هاما في رسم الخارطة
السياسية في المنطقة مرة أخرى خلال العقدين القادمين، كما سبق وأن لعب
النفط هذا الدور خلال القرن الماضي، لذا تسعى الدول إلى توفير مصادر للمياه
لتحقيق ما يسمى بحالة الأمن المائي.
ولهذا برز موضوع الأمن المائي
في الأردن كواحد من المعوقات المحددة لعجلة التنمية الاقتصادية لا بل
ومعطلا لها في كثير من الأحيان، وقد اقتصرت جهود القائمين على الشأن المائي
في حدود تأمين السكان للاحتياجات الضرورية للمياه في القطاع المنزلي ومن
ثم القطاع الزراعي والصناعي.
ان عدم توفر مصادر كافية للمياه في
الأردن مع ازدياد الطلب دفع بالأردن للبحث عن بدائل کي يلبي احتياجاته
المائية ومن هذه البدائل محاولة تحلية مياه البحر وإقامة المشاريع المائية
وبناء السدود وغيرها من الأمور.
قامت وزارة المياه والري مؤخرا بإطلاق مشروع الناقل الوطني لمواجهـة هـذه التحديـات.
ويتضمن
المشروع محطة لتحلية المياه والتي سيتم اقامتها على خليج العقبة وخطا
ناقلا بطول 450 كيلو متر لنقل 300 مليون متر مكعب سنوياً من المياه المحلاة
الى جميع محافظات المملكة. ومن أبرز التحديات التي يواجهها مشروع الناقل
الوطني توفير الطاقة اللازمة لضخ المياه وتحليتها حيث تشكل الركن الأساسي
لنجاح المشروع.
وتزامنا مع ما سبق ومن خلال خطط هيئة الطاقة الذرية
الأردنية لإدخال الطاقة النووية السلمية ضمن خليط الطاقة في الاردن
واستغلال تطبيقاتها المتعددة، تقوم هيئة الطاقة الذرية الاردنية بعمل
دراسات حول استخدام الطاقة النووية لاغراض تحلية المياه وكداعم ومساند
لمشاريع الدولة الساعية لتوفير المياه وتعويض النقص الحاصل لتحقيق الامن
المائي بعيد المدى.
وعلى إثره قامت هيئة الطاقة الذرية الأردنية
بحساب كميات الطاقة اللازمة لمشروع الناقل الوطني لإختيار التكنولوجيا
النووية المناسبة ورفد المشروع بطاقة نظيفة ومستدامة. حيث تعد تحلية المياه
من أهم تطبيقات الطاقة النووية السلمية للمفاعلات الصغيرة المدمجة في هذا
العصر.
وتجدر الاشارة ان التكلفة في انشاء المحطات النووية السلمية
محطورة فقط في انشاؤها ومن بعدها تصبح عملية انتاج الطاقة بتكاليف جدا
منخفضة علما بان تحلية مياه البحر تحتاج الى كميات طاقة غير بسيطة ومن غير
المجدي حسابيا انتاج تلك الطاقة بالطرق التقليدية كالنفط والغاز لان كلفة
تحلية وانتاج المياه ستكون بالطرق التقليدية عالية جدا وومساوية تقريبا
لسعر شراء المياه جاهزة هذا عدا عن التلوث البيئي الناتج عن استخدام النفط
والغاز والتغير المناخي .
وان عملية انتاج الطاقة السلمية منظمة من
قبل هيئات ومؤسسات عالمية ومنها هيئة الامم المتحدة و هيئة الطاقة الذرية
الدولية و بمعاير وضوابط دولية.
وهنا لابد من الاشارة الى الانجازات
الهائلة والكبيرة لهيئة الطاقة النووية الاردنية التي تمكنت وبامكانيات
محدودة من تحقيق الكثير من الانجازات في تطوير في برنامج الطاقة النووية
الاردني السلمي ومنها على سبيل المثال لا الحصر المفاعل النووي الاردني
للبحوث والتدريب ذات الاهمية الكبير الذي يعمل على انتاج النظائر الطبية
المشعة والمستخدمة في علاج الاورام السرطانية بالاضافة الى التطبيقات
الطبية والصناعية الاخرى .
اضافة الى ان ذلك المفاعل البحثي هو حجر
الاساس للبحوث التدريب في العلوم والتكنولوجيا النووية في الاردن حيث يوفر
منصة قوية للتدريب والبحث العلمي لطلاب الهندسة النووية والعلوم النووية في
الجامعات الاردنية والمهندسين والفنيين كما قامت الهيئة الاردنية انشاء
مركز السنكترون وهو معلم علمي وبحثي فريد في منطقة الشرف الاوسط والعالم
الاسلامي ويعتبر نقلة نوعية اردنية اخرى مكملة لما يقدمه المفاعل النووي
الاردني للبحوث والتدريب.
يضاف الى ماسبق فقد قدمت وعملت هيئة
الطاقة النووية على توفير المنح والبعثات الدراسية المتخصصة في العلوم
والتكنولوجيا النووية لغاية الان لاكثر من 150 اردني من المهندسين
والفزيائيين والكيمائيين في مختلف التخصصات الى ارقى جامعات العالم
لتاهيلهم لخدمة مشاريع البرنامج النووي الاردني حاضرا ومستقبلا.
اعتقد
انه بات لازما التغيير في نمطية التفكير وان لا نستهين بقدراتنا وكفائاتنا
ومؤسساتنا وعلماؤنا ورجالنا وامكانياتنا وامننا ومستقبل ابنائنا وان نبتعد
عن التفكير دائما بنظرية المؤامرة وان نبني ونؤسس افكارنا وارائنا
وقراراتنا على اسس علمية وواقعية وليس بناء على مشاعرنا وارائنا الشخصية
بدلا من اعادة اخضاعنا لاتفاقيات مذلة ومهينة مع العدو الصهيوني كما حصل في
اتفاقية الغاز........والله من وراء القصد.