هل سيستمر الاتجاه الصاعد لأسواق الأسهم العالمية؟
شهد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مكاسب قوية منذ بداية هذا العام حتى الآن، حيث سجل ارتفاعًا بنحو 25% على أساس سنوي، ونحو 32% عن العام الماضي، تأتي تلك الارتفاعات القوية في وقت تميز بإغلاق الحكومات للاقتصاد والأضرار التي ألحقت بالاقتصاد العالمي بسبب جائحة كوفيد 19، الأمر الذي أثار التساؤل حول وجود المؤشر عند مستويات القياسية الأعلى على الإطلاق.
كشفت تقارير أن الشركات في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تتجه نحو تسجيل هوامش أرباح قياسية، على الرغم من مستويات التضخم المتصاعدة،ومع ذلك، فإن اللهجة المتشددة التي يمضي البنك الاحتياطي الفيدرالي فيها تهدد الارتفاعات القياسية للسوق المالية.
ارتفاعات قياسية جديدة
خلال الأسابيع القليلة الماضية زادت تصريحات العديد من مسؤولي البنك الاحتياطي نحو مزيد من التشديد النقدي، ومدي ضرورة تسريع البنك لتقليص برنامجه التحفيزي من أجل عودة التضخم لمستوياته الطبيعة، حيث أن الافراط في مستويات التضخم قد يضر بالتعافي الاقتصادي.
وعلى الرغم من تلك التصريحات المتشددة، إلا أن سوق تداول مؤشرات الأسهم تجاهلها وعلى رأسه مؤشر ستاندرد آند بورز 500 وسط تقارير أرباح فصلية لشركات التجزئة والتكنولوجيا متفائلة، وقد وصل المؤشر إلى مستويات إغلاق قياسية يوم الخميس (18 نوفمبر).
ولكن تراجع المؤشر بعد المخاوف التي تصاعدت من جراء تجدد انتشار الموجة الرابعة لكوفيد 19 والذي أجبر بعض الحكومات لاتخاذ بعض اجراءات الاغلاق، في 22 نوفمبر أعلنت النمسا عن حالة كاملة من الإغلاق الوطني،كما جعلت البلاد التطعيمات مطلب قانونياعتبارًا من فبراير 2022.
إذا نظرنا إلى الرسوم البيانية اليومية نجد أن المؤشر يشهد ارتفاع ثابت على مدار عام 2021، ما عدا في شهر أكتوبر الذي شهد عمليات بيع رئيسية واحدة،وكانت البيع مدفوعة بالابتعاد عن أسهم التكنولوجيا استجابةً لارتفاع عوائد الخزانة.
تمتلك أسهم التكنولوجيا تقييمات عالية بناءً على النمو المستقبلي المتوقع، كما أن أسعار الفائدة المرتفعة تضعف آفاق النمو، كما تسببت التوترات الجديدة بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان في حدوث توتر في السوق.
وعند النظرة على السنوات الخمس الماضية، يمكننا أن نجد أن المؤشر كان في اتجاه صعودي ثابت حتى عمليات البيع التي شهدها في فبراير ومارس من عام 2020 مع بداية تفشي كوفيد 19.
محركات الأسعار الرئيسية S&P 500
لقد نظرنا في بعض العوامل التي تسببت في عمليات بيع على مدار هذا العام، فيما يلي سوف نلقي نظرة على العوامل الرئيسية التي كانت وراء التقدم الملحوظ لمؤشر ستاندرد آند بورز 500:
1 .السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي: كان ارتفاع الذي شهده السوق منذ الأزمة المالية خلال عام 2008 مدفوعًا إلى حد كبير بالاحتمالات بأن سعر الفائدة ستبقي متراجعة، وخلال أزمة جائحة فيروس كورونا كان البنك الاحتياطي الفيدرالي سخيًا للغاية، كما أنه طمأن الأسواق باستخدام كافة الوسائل المتاحة له لدعم الاقتصاد، وبالفعل في شهر مارس 2020 قام البنك بالتعهدبشراء سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية وذات العائد المرتفع.
2 .السياسة المالية للحكومة: لم يكن البنك الاحتياطي فقط سخيًا لدعم الأسواق، بل كانت الحكومة أيضًا، فقامت بضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي من خلال فواتير إغاثة متعددة، حيث قامت الحكومة الفيدرالية بتخصيص ما يقرب من 5 تريليون دولار للإغاثة من أضرار فيروس كورونا، التي تشمل فحوصات التحفيز وإعانات البطالة.
3 .انتعاش الأسهم التقنية بقوة: شهدت الأسهم التقنية ارتفاعات قوية، حيث كانت من أكبر المحركين لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 خلال جائحة كوفيد 19، وفقًا للإحصاءات، أظهر أن أكبر خمس شركات للتقنية والتي تضم شركة جوجل وشركة آبل وشركة فيسبوك (المعروفة حاليًا باسم ميتا) وشركة أمازون وشركة ميكروسوفت سيطروا على المؤشر بقوة.
4 .عوائد السندات: منذ عام 2009 كانت عوائد السندات منخفضة بشكل عام، أجبرت عوائد السندات المنخفضة المستثمرين على البحث عن أماكن أخرى لاستثمار أموالهم، وكانت الأسهم هي الخيار الأكثر وضوحًا.
آفاق مؤشر ستاندرد آند بورز 500 المستقبلية
في الاجتماع الأخير للبنك الاحتياطي الفيدرالي الذي عقد في شهر نوفمبر، أقر البنك تقليص تخفيض برنامجه التحفيزي للحد من معدلات التضخم المتزايدة، ولكن كيف سيكون لهذا القرار تأثير على الأسهم خلال الأشهر القادمة، خاصة وأن البنك الاحتياطي سيستمر في تقليص سياسته النقدية بوتيرة تدريجية.
يقول أحد محللي السوق أنه من المتوقع أن يواصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 طريقه الصعودي حتى نهاية هذا العام، يمكن لقرارات البنك الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه المقبل الذي سيعقد في شهر ديسمبر الجاري أن يخلق فرصة "شراء الانخفاض"، وذلك من خلال اشارته إلى تسريع وتيرة تقليص برنامجه التحفيزي، مما سيزيد من التوقعات برفع سعر الفائدة خلال العام المقبل مرتين على الأقل.
ومع ذلك، إذا تراجعت الأسواق بشكل كبير، فمن المؤكد أن البنك المركزي سيتدخل وسيمنع حدوث نوبة غضب شديدة،حيث يمكن للبنك أن يستشهد بحالات انتشار عالية لكوفيد 19 أو الاشارة إلى الوصول إلى ذروة التضخم، وذلك بهدفالتراجع عن هذه السياسة المتشددة، بشكل عام، يعتبراستمرار النمو للاقتصاد الأمريكي واستمرار البنك الاحتياطي في سياسته النقدية التيسيريةعاملًا مؤثرًا في انتعاش الأسواق.
فيما يري آخرين أن عام 2022 سينقسم إلى نصفين، النصف الأول سيشهد نمو اقتصادي مرتفع ومن المتوقع أن يكون في حدود 4% إلى 5% وتضخم مرتفع أيضًا، ولكن في النصف الثاني من المحتمل أن تعود الأمور إلى طبيعتها لهذا من المرجح أن يكون أقل نموًاولكنه لا يزال يتمتع بصحة جيدة ويتجاوز الاتجاه العام، وارتفاع محدود للتضخم، لذلك نعتقد في هذه البيئة أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 يمكن أن تصل إلى 5000 بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى يونيو من العام المقبل 2022.
وتعليقًا على توقعات ستاندرد آند بورز 500 السابقة، بالفعل لقد كان 2021 عامًا رائعًا لأسواق الأسهم، حيث ارتفع المؤشر بحوالي 25%وسجل أعلى مستوياته على الإطلاق في نوفمبر.
من المؤكد أن المستثمرين أصبحوا قلقين أكثر من التضخم في الربع الرابع من عام 2021، خاصة وأن التضخم يسجل مستويات قياسية هي الأعلى في عدة عقود، ويبدو أن ذلك سيكون مشكلة أكثر بكثير مما تم اعتقاده من قبل البنوك المركزية في البداية، ومع ذلك، لا تزال الأسهم قوية، والدليل على ذلك، أن مؤشر ستاندرد آند بورز شهد تراجعًا كبيرًا خلال سبتمبر، لكنه تجاهل ذلك منذ ذلك الحين ودفع إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في نوفمبر، لقد تضاعف المؤشر منذ أدنى مستوى له في مارس 2020 حيث بدأت جائحة فيروس كورونا في الانتشار على مستوى العالم.
قد يعتقد البعض أن زيادة قيمة سوق الأوراق المالية إلى ضعف المبلغ الذي كان عليه في ذلك الوقت في فترة تزيد قليلاً عن 18 شهرًا يعد أمرًا سخيفًا للغاية، في حين أن هذا قد يكون وجهة نظر صحيحة، فمن الصعب للغاية المجادلة مع قوة ومرونة هذا السوق ولن يكون من المفاجئ أن نرى ارتفاعات جديدة على الإطلاق تصل مرة أخرى هذا العام.