مروان سوداح يكتب :-"الرؤيَة الإستراتيجيَّة" تَجتَمِع فِي المَمْلكَة العَربِيَّة السَّعودِيَّة
سُرِرت كثيرًا لاستضافة المَملَكَة العربية السعودية الشقيقة اجتماع "مجموعة الرؤية الإستراتيجية: روسيا -العَالَم الإسلامي"، إذ إن العلاقات السعودية الروسية عميقة ومتجذرة في تاريخ الدولتين، وهنالك تفاهم كبير بينهما، وكذلك الترابط في مختلف الفضاءات، والود والاتفاقات الاقتصادية والتجارية والتنسيق السياسي، وليس أخيرًا الروابط في المجال الإسلامي حيث يَلعب مُسلمو روسيا أدوارًا كبيرة في وطنهم الروسي الشاسع، فهؤُلاَءِ هُمُ مَن يديرون جمهوريات عديدة تدخل ضمن قِوام الفيديرالية الروسية، ويتمتعون بمراكز حكومية وسياسية واقتصادية وازنة، تؤهلهم لديمومة لعبهم أدوارًا لا غنى عنها على المستوى الدولي ومع البلدان الإسلامية التي تتصادق مع روسيا، فموسكو تفتح ذراعيها للجميع لتعزيز الصِّلات في مختلف ميادينها.
كان افتتاح اجتماع "مجموعة الرؤية الإستراتيجية: روسيا - العَالَم الإسلامي" تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بمناسبة مرور 95 عاماً على إقامة العلاقات السعودية الروسية، ولهذا لمِسنا العديد من رُدود الأفعال الإيجابية في العَالَمين العربي والإسلامي، إذ إنها المرة الأولى التي تلتئم خلالها مثل هذه الفعاليَّة الدوليَّة على أرضِ المَملكة التي تؤكد الأهمية الإستراتيجية والتاريخية والحضارية لهذا اللقاء، كونه يُضاعف من منسوب الصداقة والترابط والتعاهد والثقة المتبادلة القائمة بين روسيا والعَالَمين العربي والإسلامي.
افتَتَحَ هذه الاحتفائية التي عُقِدت هذا العام في محافَظة جدَّة، تحت شعار الحوار وآفاق التعاون، صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مُستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المُكرَّمَة، بحضور الرئيس رستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان ورئيس "مجموعة الرؤية الإستراتيجية"، ومشاركة المسؤولين والعُلماء والمُفكِّرين من روسيا الاتحادية ودول العَالَم الإسلامي.
وقد وجَّهَ خادم الحرمين الشريفين خطابًا للمجتمعين ألقاه بالنيابة عنه سمو الأمير خالد الفيصل، وجاء فيه أن المَملَكَة العربيَّة السعوديَّة تؤكد أهمية هذا الاجتماع الإستراتيجي بين العَالَم الإسلامي وروسيا الاتحادية في تدعيم الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتكثيف سُبل الحوار بين أتباع الأديان والحضارات، وزيادة التعامل الجماعي في مكافحة التطرف والإرهاب، واستعرض الدور المُشرِّف للمَملَكَة في تبنِّي مبادئ الاعتدال والتعايش المُشترك، حيث قدَّمَت العديد من المبادرات في هذا الشأن، أبرزها اعتماد وثيقة مكة، ودعم مكتب تحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، والتزام المَملَكَة بدعم أي جهود مستقبلية تهدف لخدمة هذه المبادئ، إيماناً منها أن الاختلاف لا يَعني الخلاف، وأن التسامح يَدعو للتسامي.
وفي الروابط السعودية الروسية جاء في كلمة خادم الحرمين الشريفين بأنها وطيدة وتاريخية، وقد تجاوزت عامها الـ95، وقد شهدت قفزات نوعية، وتوّجت بزيارات عالية المستوى بين البلدين، أسفرت عن التوقيع على العديد من الاتفاقيات الثنائيَّة في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والدفاعية، ومَهَّدت الطريق لتطوير هذه العلاقات وترسيخ مستوى الثقة بين البلدين، وتعقد المَملَكَة الأمل على أن تُسْهِم "مجموعة الرؤية الإستراتيجية" في توطيد الوئام بين أتباع الأديان، وتطوير الحوار بين الحضارات والثقافات، وحماية القِيَم التقليدية والروحية والعائلية التي تعصف بها اليوم رياح التغيير.
وتَطرَّقَت رسالة فلاديمير بوتين، رئيس روسيا الاتحادية، وألقاها نيابة عنه رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف، إلى جدول أعمال الاجتماع، ووصفه بأنه ثريّ ومكثّف ويُنَاقِش سُبل التعَاضد في مجال تسوية النزاعات والصراعات الإقليمية ومخاطر الإرهاب والتطرف الدوليين، ويَتَطرَّق إلى مَلفات التطبيقات التجارية والاقتِصادية والعِلمية والإنسانيَّة.
بعدها، تحدث رئيس جمهورية تتارستان رستم مينيخانوف رئيس مجموعة الرؤية الإستراتيجية، مُبَيِّنًا الأهمية العظيمة التي يُبْديِهَا الرئيس بوتين للتشاركية مع البلدان الإسلامية، وكشف عن أن كل المحاولات لفرض نظام عالمي جديد قائم على قطب واحد قد فشلت، وأكد ضرورة مضاعفة الأنشطة الجماعية لمكافحة الإرهاب والدفاع عن القِيَم الأخلاقية التقليدية، وحماية المُحتاجين إلى الرعاية بما فيها الأقليات القومية والدينية، وشدَّدَ على لزوم مكافحة المخاطر الخاصة بتغيُّر المناخ، والقيام بتفعيل التبادلات في شتى المجالات، وأن روسيا مستعدة لمساعدة الدول الأخرى، وتسعى لأن تشكّل علاقات روسيا بالعالم الإسلامي قُدوة لجميع البلدان. وفي هذا الإتجاه تعود أهميَّة قصوى للمناطق الروسية ذات الأغلبية المسلمة، وإحداها هي جمهورية تتارستان، التي هي واحدة من الأكثر تطوراً لروسيا الاتحادية وتتمتع بقدرات اقتصادية وثقافية ضخمة.
لفتت انتباهي برقية وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي رأى في هذا الاجتماع الأهمية والمَعزى الكبير، كونه يُعقَد على أرض مهبط الوحي، ولاحظ بروز تقارب كبير للمواقف الإسلامية الدولية، وبَيَّن تطلّعه لحالة متطورة من الوفاق الشامل في الشؤون المشتركة لروسيا مع العالم الإسلامي، ومناقشة المبادرات الرامية لتصليب الشَّراكَة الإنسانية والثقافية وتطوير الحِوار بين أصحاب الديانات، وتلافي وقوع الأزمات والخلافات في البلدان الإسلامية، وأهمية التلاحم بشكلٍ فعَّال مع الدول الإفريقية، لافتاً إلى أن روسيا قدَّمت دعماً كبيراً لحركات التحرير الوطنية في مختلف البلدان، ومبينُا أن روسيا تَعتَبر أعضاء منظمة التعاون الإسلامي أصدقاء وشُركاء اقتصاديين يُعتمد عليهم. وشهد الاجتماع توقيع اتفاقيات التفاهم، ضمنها الإعلامية بين وكالة أنباء "سبوتنيك والراديو الروسية" واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي.
*ناشط في مجموعة الرئيس فلاديمير بوتين للرؤية الإستراتيجية.