الأكاديمي مروان سوداح يكتب :- ذكرى حيدر علييف وطنيَّة وأمميَّة

في 12 ديسمبر من كل عام، تُحيي جمهورية أذربيجان رئيسًا ودولةً وشعبًا ذكرى رحيل حِيدر علييف، الزعيم القومي ومؤسس دولة أذربيجان الحديثة، والرئيس الثالث لها بعد تحقيق استقلالها الناجز عن اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، وأحد أعظم قادة دول الاتحاد السوفييتي السابق. إحياء ذكرى حيدر علييف إنما يؤكد تواصل مشاعر المحبة والانتماء والولاء لهذه الشخصية الكبيرة مكانةُ وطنيَّةً وقفقازيَّة وعالميَّةً وإنسانيَّة. المرحوم علييف استطاع في حقبة زمنية قصيرة تثبيت أركان أذربيجان الجديدة، وضمان استمرارها، وإعلاء نجوميتها في جوارها الجيوسياسي والمَعمورة، ضمنها العَالَم العربي الشقيق لأذربيجان والذي يتقاسم معها كل شيء في السَرَّاء والضرَّاء.  
 فُجِعَ شعب أذربيجان بوفاة رئيسه المخلص في عام 2003، كذلك كان أمر أشقاء أذربيجان العرب، والدول الإسلامية، والبلدان الصديقة التي أحبته كقائد عالمي يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْبَنَانِ في كل مناسبة وحدث كبير على مستوى آسيا والكرة الأرضية، إذ وقفت كل هذه الجهات والقوى جنبًا إلى جنب مع القيادة الأذربيجانية الجديدة والشعب الأذربيجاني بكافة أطيافه وشرائحه لتعزيتهما بمصابهم الجَلل، إذ عرفت الدنيا في الفقيد الكبير سَعَة معارفه، وحذاقته في إدارته دَفَّة الحُكم وشؤون الأُمة، وعُمق ثقافته السياسية والفكرية وفي شواغل وقضايا أخرى كثيرة لفتت إليه انتباه كل مَن سَمِعَ به وعرفه وقرأ له. 
 استذكار الشعب الأذربيجاني قائده الاستقلالي ومؤسس جمهورية أذربيجان العصرية، يُشير إلى ولاء شعبي مطلق لقيادته السياسية والفكرية ولنجاحاته في حماية القومية الأذرية والانتصار لها، والارتقاء بمنزلتها وتأثيرها ودورها الأممي، واعترافًا شعبيًا بدور الزعيم علييف في تحقيق غايات الدولة والأمة برغم المصاعب الكبيرة والخطيرة التي واجهتها البلاد، إذ تمكَّن المرحوم علييف من المحافظة على وجود الدولة والشعب وحماية تميزها التاريخي والثقافي والعِرقي، في خضم مواجهات عاتية مع الأعداء والاستعماريين في الإقليم القفقازي وخارجه، وتضامن أنصار وأصدقاء أذربيجان أصحاب الألسن المختلفة معها، فأضحت باكو متألقة بنجاحاتها اللافتة في العلوم والثقافة والاختراعات والاكتشافات، لتحتل أذربيجان مرتبةً عليّةً على خريطة الدنيا، وها هي تشتهر بديمقراطيتها المِثال، وتعدديتها السياسية والقومية واللغوية وحرياتها الدينية.
 شخصيًا، أنا كنت أتابع بشغف كبير نشاطات حيدرعلييف في مختلف الحقول، وما أزال وسأبقى مُعجبًا كملايين البشر بشخصيته القيادية الجذابة والقوية والصلبة والخلاّقة والمُولِّدَة لنجاحات متواصلة على أرض الواقع اليومي، فقد نقل حيدر علييف اسم بلاده للمسكونة كلها، وعمل على توثيق ملموس لم يسبق له مثيل لعلاقات أذربيجان بالدول العربية، وشرع على وجه الدقة والخصوصية بإقامة وتعزيز علاقات باكو مع دول آسيا العربية والأردن، وبالتالي عَمَّقَ وأصَّلَ وَوَثَّقَ روابط أذربيجان بالعواصم العربية، وحقق مجدًا عالميًا لوطنه بزمن قياسي، وكان رحمه الله يردِّد دومًا أن أذربيجان هي "الجِسر الرابط بين آسيا وأوروبا"، وهذا يعني أنها كذلك بالنسبة للحضارتين الشرقية والغربية، لإنجاز التفاهم المنشود والواعي والمشترك بين هذين العالمين المختلفين، وهو ما أفضى لتأسيس قواعد صَلدة في أذربيجان، حازت على تعاون وازن مع شتى عواصم الأرض. حيدر علييف كان يرى ضرورة بناء هيكل تنموي مِثالي لبلده، وتطلع إلى درجة عليا متقدمة لأذربيجان في مسيرة التقدم المُعَاصر وتحويلها بمواردها الغنية جدًا الكامنة في جوف أرضها كالنفط والغاز والأحجار والمعادن الكريمة، زد عليها ثقافة وحضارة شعبها العريق، إلى الدولة الصناعية والتكنولوجية الأكثر تطورًا وغِنى، وها هي تسير اليوم صوب هذه الحالة بجهود الرئيس إلهام علييف، ذلك أنها تُعتَبر وتُسمّى "دولة خام المَعَادِن والمواد الصناعية والطبيعية الغنية" التي تُوطِّن في أرضها العلوم والمَعَارِف لتغدو المِثال المركزي لأقليمها والمَعمورة وأهلها.
 في 15 يونيو حزيران 1993 تم انتخاب حيدر علييف رئيسا لبرلمان أذربيجان، وفي 24 من نفس الشهر وبقرار من البرلمان بدأ الرئيس علييف بممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، وفي أكتوبر تشرين الأول من نفس العام تم انتخابه رئيسا للجمهورية بالاستفتاء شعبي عام. وقد تم إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية الثانية التي جرت في 11 أكتوبر عام 1998 لفترة رئاسية جديدة ليصبح رئيسًا لخمس سنوات أخرى. عمل الرئيس حيدر علييف طوال فترة حياته على تعزيز سيادة واستقلال وَوَحدة أراضي جمهورية أذربيجان، وقد مَثَّلَ عهده بحق فترة التغيرات والتحولات الجذرية على طريق بناء الدولة الحديثة وما تم فيها من أحداث جذرية في السياستين الداخلية والخارجية ضمن أسس واضحة ومحددة، وبذلك دخلت أذربيجان بقيادة حيدر علييف مرحلة جديدة من تاريخها المعاصرالكوني دولةً فاعلةً في المجتمع الأُممي، لفتت أنظار العالم إلى هذه الدولة الصاعدة في منطقة القوقاز والمطلة على بحر قزوين.
 لقد بذل الرئيس حيدر علييف جهودًا جبارة للفت أنظار المجتمع الدولي إلى قضية إقليم "قره باغ الجبلي" العادلة وعدم تصديق التلفيق والأكاذيب بشأنها لكونها مجرد ضلالات بحق قضية ما يُسمِّيه الاستعمار الأرميني من طرف واحد "نزاع" على هذا الإقليم. حيدر علييف جَهد لحل الصراع مع أرمينيا بالطرق السلمية، المَبنيَّة على تجذير أسلوب الحوار وتطبيق القانون الدولي، وهو ما أكد لزعماء مختلف الدول التزام باكو بقرارات الأمم المتحدة والقانون الإنساني والوساطات الأممية ذات النوايا الحسنة.
*متخصص في شؤون أذربيجان.
/././