عن"المجدرة" المنتظرةوقرار الأمم المتحدة وهويتنا الوطنية
بلال حسن التل
كنت في اجتماع عمل مع مسؤول كبير أحترمه, لثقتي به وأحساسي باخلاصه, وشعوري بأنه مسكون بهموم الوطن, الذي تقل بواكيه يوما بعد يوم ،بينما تتكاثر السكاكين التي تطعنه في أنحاء جسده،ومعها تتكاثر النائحات المستأجرات من أصحاب المواقف والعواطف الكاذبة، لذلك فإن وجود رجل في موقع المسؤولية مثل المسؤول الذي أتحدث عنه يعطينا بصيص أمل ،فهو يواصل كلالة الليل بكلالة لنهار بالعمل متابعاً لكل كبيرة وصغيرة, رغم أنه يستطيع ان يكلف بعض العاملين معه وهم كثر لكي يقوم بالكثير من الأعمال والمهام التي يباشرها بنفسه, ليجلس هو للاستقبالات والابتسامات أمام الكاميرات على عادة معظم كبار المسؤولين الأردنيين, الذين يتعاملون مع مواقعهم بروح الغنيمة,ومن باب التشريف بعيدا عن مهام التكليف، لكن صاحبنا لا يفعل ذلك ابداً وهذا سر ثقتي به.
نعود إلى اجتماع العمل فقد تبين في نهايته ان الوقت لم يكن كافياً لانجاز مابين ايدينا من اعمال, فاقترح على غداء عمل في موعد قريب، فاقترحت ان يكون الغداء الموعود "مجدرة" وقد كنت قاصداً هذا الخيار، لأن جزءاً من الحديث كان حول إثارة البعض للحديث عن هوية الدولة الأردنية, متناسين الكثير من الحقائق التاريخية والسياسية, ومنها أن الأمم المتحدة أعترفت بالأردن عام 1955 كدولة مستقلة معروفة الحدود وأنها دولة أمة تمنح شعبها هويتها, مثلها مثل سائر دول الأمم الأعضاء في الأمم المتحدة, مما يعني أننا دولة وشعب لهما هوية معترف بها عالمياً من واجبنا جميعا أن نحافظ عليها من خلال الحفاظ على مكوناتها, والطعام وكذلك اللباس من اهم مكونات الهوية لأي شعب من الشعوب ،بل أن لثقافة الحلال والحرام علاقة بهوية الشعوب والحضارات والأديان حيث تتميز بتحريم بعضها عن بعضها الآخر بأنواع من المأكولات والمشروبات، كما ان الكثير من الشعوب صارت تُعرف من خلال أنواع معينة من طعامها وتقاليدها مع هذا الطعام، بل إن المؤرخين والعلماء يؤكدون أن الطعام كأن عاملا أساسيا من عوامل إستقرار الشعوب، وكان سببا من أسباب التدافع الحضاري، ومنها الحرب والغزو، وسعي الغزاة لطمس هوية الشعوب التي يحتلون أرضها، من خلال سرقة الكثير من مكونات هذه الهوية ومنها الطعام، والمثال الصارخ على ذلك مايفعله الصهاينة في فلسطين، وسرقة طعامها ونسبته لهم.
كما كان الطعام محركا اساسيا للمغامرين والطامحين ، ويكفي القول إن إكتشاف العالم الجديد كان بسبب البحث عن التوابل التي يعرف به الطعام الهندي، مثلما يعرف الطليان باليتزا والمعكرونات، ولماذا نذهب بعيداً وننسى أن صورة الأردن ترتبط بالمنسف في أذهان الكثير من أبناء الشعوب الأخرى، مما يجعلنا نستغرب غياب الطعام الاردني عن معظم مطاعمنا ،وكذلك عن موائدنا الرسمية ،اما أن هذا جزء من جهود تذويب الهوية الاردنية، فهل عرفتم لماذا طلبت من المسؤول وجبة مجدرة مازلت انتظرها؟
Biala.tall@yahoo.com