عطروز حكاية عصور تحتاج لترميم واستكشاف
في قرية "عطروز" جنوب محافظة مادبا، يطالب مواطنون باستكمال أعمال مشروع التنقيب الأثري في القرية التي مرت بها عدة عصور منها العصر الحديدي الثاني، الهلنستية، والايوبي المملوكي والمؤابي، وترميمها لتصبح متحفاً ومعلماً أثريا يهدف الى تعريف الزوار بالحقبة التاريخية للمنطقة.
وتقع خربة عطروز على بعد نحو 25 كيلومترا جنوب غربي محافظة مادبا، ونحو 65 كيلومترا عن العاصمة عمان، ضمن قضاء العريض الذي يتبع إداريا للواء ذيبان، وعلى الطريق المؤدية إلى قلعة مكاور، وتشرف من الغرب على وادي زرقاء ماعين والبحر الميت، ومن الشرق على وادي الهيدان، حيث ترتفع عن مستوى سطح البحر حوالي 746 مترا. ويقول المؤرخ حنا القنصل في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، ان قرية "عطروز" تعد من أهم المدن المؤابية، التي ورد ذكرها في مسلة ميشع، وتحتضن معالم تؤهلها للجذب السياحي والأثري، لما توفره من معالم اثرية مميزة، ومظاهر طبيعية خلابة تنفرد بها المنطقة وتغري الكثيرين بزيارتها، ولكنها لا تزال مجهولة من قبل الكثيرين.
ويؤكد القنصل ضرورة استكمال مشروع التنقيب وساتمرار كشف ملامح الموقع وتوثيقه، وإبراز الدور الحضاري للمملكة على مدى العصور الزمنية والفترات التاريخية.
محمد عايد، احد سكان المنطقة يقول، ان القرية تضم أعدادا كبيرة من المغر على شكل بيوت الحجرية القديمة، وفيها عشرات المنازل، إلا أنها اندثرت بسبب الإهمال. ويؤكد عايد أن المنطقة كان ينمو في بطون أوديتها ومجارى سيولها "شجر الرتم"، التي يصل طولها إلى مترين أو ثلاثة، مبينا بان الجبال ساهمت في تكوين معالم جغرافية أخرى للمنطقة المطلة على البحر الميت وفلسطين، الا أن فتح عدم وجود طرق على الجهة الغربية منها يقف عائقا أمام الزوار للاستمتاع بجمال طبيعتها. ويوضح عوض الفقهاء (من اهالي المنطقة)، إن أراضي قرية عطروز صخرية وعرة، وتحتوي على مختلف معالم التنوع الحيوي، وفيها أشجار تمتد جذورها لآلاف السنين، مثل التين والزيتون، ويحيط عطروز العديد من الخرب الأثرية المهجورة، والمنتشرة بالقرب منها، مؤكدا أن المنطقة تشتهر بحجارة البازلت، خصوصا وادي الحمى، الذي يصلح في تشكيل البناء الخرساني.
بدوره، يقول مدير مديرية الآثار في محافظة مادبا خالد الهواورة لـ (بترا)، إن بعثة اميركية بإدارة الدكتور شانغ هوجي أجرت عام 1998 أعمال مسح أثري في منطقة ذيبان، وبناءً على هذا المسح تم اختيار موقع عطروز للموسم الأول من أعمال التنقيب عام 2000 وتركزت في منطقة "الأكروبولس"، مشيرا الى أن أعمال التنقيب هذه أسفرت عن اكتشاف معبد مؤابي، يعود إلى فترة العصر الحديدي الثاني المبكر، بالإضافة إلى حمام روماني في الجهة الشرقية من الموقع. ويشير إلى أن الحفريات في الموقع دلت على أن هناك ثلاث مراحل استيطان مرت على قرية عطروز، هي العصر الحديدي الثاني، والفترة الهلنستية، والعصر الايوبي المملوكي، حيث عثر في الموقع على مجسم للموقع مصنوع من الفخار، يتكون من طابقين، الاول مزين بحارسين للمعبد، والثاني على شكل مبخرة ومزين بشكل ثور، لافتا الى العثور على العديد من القطع النادرة التي يعتقد انها تعود لاستخدامات المعبد مثل الاسرجة المحمولة والقطع النذرية.
واظهرت الحفريات، بحسب الهواورة أن الموقع هجر من السكان بعد احتلال ملك مؤاب له وحتى العصر الهلنستي، وذلك لفترة امتدت حوالي 800 سنة، إذ اكدت نتائج الحفريات ما ذكر في حجر ميشع عن احتلال ملك مؤاب لعطروز، وهدمه للمعبد حيث وجدت القطع الاثرية، مبينا أن اعمال الحفريات في قرية عطروز لم تنته بعد حيث تم انجاز حوالي 70 بالمئة منها، وسيتم انجاز ما تبقى في الفترة المقبلة.
وتفيد الدراسات والابحاث حسب الهواورة، بأن تسمية عطروز يرتبط بالإله النبطي "عطار جاتس"، فيما يقول باحثون آخرون ان التسمية مرتبطة بقصة في الميثولوجيا الشعبية، يتداولها السكان المحليون بأن مملكة الجن موجودة في هذه المنطقة نسبة إلى "عطا" ملك الجن و"روز" ملكة الجن. يذكر ان لواء ذيبان يضم مواقع اثرية فريدة، منها تل ذيبان الاثري، ضريح ذيبان الروماني، خربة إسكندر، وادي الوالة، وادي الهيدان، مقام الصحابي أبو ذر الغفاري، مطل الموجب السياحي، قلعة مكاور، موقع عطروز، موقع دليلة الحمايدة الاثري، خربة إسكندر، مدينة العصر البرونزي، ومطل السحيلة، وهي مجاورة لقضاء أم الرصاص احد مسارات الحج المسيحي وموقع اللاهون.