كلام في المحظور / 5 اللجنة الملكية وقانون الاحزاب وقانون الانتخاب
مروان العمد
خلال اكثر من عقدين من الزمن ، وجلالة الملك يكلف الحكومات الاردنية وبكل مناسبة بتحقيق اصلاحات على المنظومة السياسية . وكما انه كان يحث مجلس النواب على القيام بواجبه في هذا المجال ، ولكن ذلك دون جدوى ، لا من هذا ولا من ذاك، رغم اصداره اوراقه النقاشية السبعة لتكون منارة على طريق الاصلاح . ولذا وجد انه لابد من ان يقوم بقيادة سفينة الاصلاح بنفسه ، وذلك من خلال تشكيل لجنة تضم العديد من الشخصيات التي تمثل قسماً من مكونات الشعب الاردني باحزابه ونقاباته وناشطيه ، وان لم تشمل جميع المكونات لاستحالة ذلك . وعهد جلالته برئاستها الى دولة السيد سمير الرفاعي . وعهد اليها اعداد بعض مشاريع القوانين التي تؤدي الى تحديث المنظومة السياسية . وانا هنا لست في وارد الحكم على اعضاء هذه اللجنة ورئيسها وفيما اذا كانوا يصلحون لهذه المهمة او لا يصلحون ، لاني لا اعرف الكثيرون منهم ، ولاني اعرف انه لو اختلفت الاسماء بعضها او جميعها فسوف تلاقي نفس موقف الرفض من قبل البعض . ولو قام جلالته بتغيير اللجنة كاملة عده مرات ، فأنها سوف تلاقي وفي كل مرة نفس ما لاقته لجنة دولة السيد سمير الرفاعي من رفض . وهذا يعود الى اننا لا نستمد مواقفنا من خلال منظومات حزبية او فكرية او حتى عشائرية تمثل خطأ معيناً يحمل فكراً واهدافاً محددة من الممكن ان يلتقي عليها اغلبية الشعب الاردني . بل هي مجرد افكاراً فردية ، وما اطرحه انا يعارضه آخرون ، وما يطرحه الآخرون اعارضه انا . وهذا يبدوا واضحاً من خلال مناقشاتنا مع بعضنا على وسائل التواصل الاجتماعي .
ولما كان اكثر شكوانا كشعب اردني على النهج الذي يتم به تشكيل الحكومات ، والذي يعتمد على تكليف جلالة الملك لاحد الشخصيات بتشكيلها ، والذي يقوم بتشكيلها من اصدقائه الشخصيين ، او من اشخاص لا يعرفهم ولكن رشحهم له اشخاص آخرين ، مع مراعاة المحاصصة المناطقية والعشائرية في هذه التشكيله ، والتي تكون حصيلتها تشكيلة لا يجمع بينها فكر موحد ولا خطة عمل مسبقة ولا برامج عمل تعمل على تنفيذها. وكما لا تعتمد على الخبرة والتخصص في توزيع المناصب الوزارية بينهم . ولهذا ومن الطبيعي سرعة ظهور عدم الانسجام بهذه التشكيلة الوزارية ، وظهور عجز بعضهم عن القيام بعملهم . ولذا سرعان ما يقوم دولة الرئيس باجراء التعديل تلو التعديل على وزارته لكي يحقق الانسجام فيها او يعيد الحياة اليها ، ولكن دائماً دون فائدة . مما كان يترتب عليه ان يقوم جلالته بتغيير الحكومة كلها ، وتشكيل غيرها ولكن على نفس النهج ، ليتكرر نفس المشهد . ويكون الضحية دائما هو المواطن الاردني الذي عليه ان يتحمل نتائج القرارات الخاطئة لهذه الحكومات ، ناهيك عن قضايا الفساد وربما الرشوة وتحقيق المصالح الشخصية من قبل بعضهم .
وكنا دائما نقول انه يجب تغيير النهج في تشكيل الحكومات الاردنية . و ان تغيير هذا النهج لا بد وان يتم من خلال حكومات سياسية وبرامجية ، وانه لا يمكن تحقيق ذلك الا من خلال حكومات حزبية ، وقانون احزاب يساعد على ذلك . وكان هذ طلب ورغبة الكثير من المواطنين . ولكن لامر الذي كان يعيق ذلك هو عدم توفر احزاباً قادرة على ان تقوم بذلك رغم كثرتها وتعددها . حتى ان معظم هذه الاحزاب ان لم يكن كلها لا يوجد لديها لا برامج سياسية ولا اقتصادية ولا اجتماعية ، وانما هي مجرد مكاتب ويافطات ، وامناء عامون ، ومخصصات مالية من قبل وزارة الداخلية . وعدم وجود قانون احزاب يساعد على تحقيق هذه الغاية .
وقد تحدث جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال مراراً وتكراراً عن ذلك ، وطالب الاحزاب العاملة بالتجمع والاندماج مع بعضها البعض ، وان تتوافق على سياسات وبرامج معينة ، قد تكون يسارية او يمينية او تمثل الوسط ، او دينية او مدنية . ولكن وللاسف لم يكن هناك من مجيب . و بعد ان انتقل جلالته الى الرفيق الاعلى، وعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين العرش ، كرر نفس هذا الطلب المرة تلو المرة ، ولكن دون فائدة ايضا ، محتجين احزاباً ومواطنين بأن الحكومات لا تشجع العمل الحزبي ، ولا ترغب بتشكيل احزاب كبيرة وقوية ، متجاهلين ان تحقيق ذلك لايحتاج الى قرار حكومي ، وانما الى مبادرات من هذه الاحزاب . ولعل عدم قيامها بذلك نابع من رغبتها بأن تبقى موجودة كما هي ، ومن اجل حصولها على الدعم المالي الحكومي .
وبما ان الحكومة ومجلس النواب قد فشلا بوضع قانون للاحزاب يحقق هذه النتيجة ، فقد كان هذا القانون البند الاول في كتاب جلالة الملك لهذه اللجنة لتقوم بوضع مشروع قانون له يمهد لظهور الحكومات الحزبية ، مع منح اللجنة صلاحية اقتراح التعديلات الدستورية التي يتطلبها اصدار مثل هذا القانون .
ومنذ اعادة الحياة الديمقراطية الى الاردن عام 1989 بعد توقف طويل نتيجة كارثة عام 1967 واحتلال كامل الضفة الغربية ، لم تتوقف المطالبات باصدار قانون انتخاب عصري وحديث يمكن من انتخاب مجلس نواب قوي ويمثل الشعب الاردني تمثيلاً حقيقياً وعادلاً . وخاصة بعد الغاء القانون الذي جرت بظله انتخابات المجلس الحادي عشر عام 1989 والذي كان يعتمد تعدد الاصوات ، بحيث ينتخب كل مواطن عدداً من النواب يساوي العدد المخصص لدائرته الانتخابية ، لأن هذا القانون من وجهة نظر الحكومة كان يخدم جهة معينة دون سواها ، وانه لا يحقق العدالة بين المواطنين . وقد صدر اثر ذلك قانون الصوت الواحد لكل مواطن بغض النظر عن عدد نواب دائرته الانتخابية . الا ان هذا القانون لم يحز على رضى الكثير من المواطنين ، مما جعل معظمهم يحجم عن الترشح للانتخابات والمشاركة بها ، مما انتج مجلس نواب ضعيف جداً ولا يمثل كل المواطنين . وقد جرى بعد ذلك تعديل هذا القانون عدة مرات ، ولكن كانت النتيجة دائماً زيادة ضعف هذا المجلس ، حيث اصبح الترشح للانتخابات يعتمد على القدرة المالية او العشائرية للمرشح . واصبح الانتخاب بمقدار ما يستطيع المرشح من تقديم خدمات شخصية لابناء دائرة الانتخابية ، او بمقدار ما يدفع للحصول على اصوات الناخبين ، مما ترتب عليه زيادة ضعف الاقبال على الترشح والانتخاب ، وزيادة ضعف هذه المجالس . وان كان هذا القول لا يشمل جميع نواب هذه المجالس . فقد كان من بينهم نواباً اثبتوا مقدرة وقوة ، وانهم هم نواب وطن ويعملون لصالح جميع المواطنين ، وهم كانوا من جانب المعارضة احياناً ، ومن جانب الموالاة احياناً اخرى والذين يدركون ان موالاتهم ليست في التوقيع على بياض على ما تريده الحكومة ، بل ان يكونوا عين رقابة عليها لتعمل بما فيه خدمة المواطنين . ولكن هذه الفئة ظلت قلة في ظل قوانين الانتخاب السابقة . ولذا كان البند الثاني الذي وضعه جلالة الملك هو تكليف هذه اللجنة بوضع قانون انتخاب عصري وحديث .
وان كانت وجهة نظري ولا زالت بأن العيب ليس في قانون الانتخاب . وان اي قانون انتخاب يمكن ان يؤدي الى انتخاب مجلس نواب قوي اذا توفرت له عده عناصر ، اولها أجراء انتخابات نزيهة ومن غير تدخلات ، وثانيها ان يشارك المواطنين بشكل كثيف بالترشح والانتخاب وعلى نطاق واسع ، وثالثها ان نعرف نحن كمواطنين كيف ننتخب ومن ننتخب .