الأردن والإمارات.. حراكٌ دبلوماسي يَقرأ من ذات الصفحة
د. خلف الطاهات
الطريق بين أبو ظبي وعمان كان ولا يزال معبدا بثقة عميقة ورؤى مشتركة ومصالح قومية استراتيجية تخدم الأمتين العربية والإسلامية، فقيادة البلدين لا تألوا جهدا في استمرار رعاية تألق وتميز هذه العلاقة الاستثنائية التي رسخ ثوابتها الراحلان المغفور لهما بإذن الله الملك الحسين والشيخ زايد طيب الله ثراهما، وتوراث ابنائهما من بعديهما التحليق عاليا في رعاية العلاقات الاردنية الإماراتية ودفعها ان تكون نموذجا يحتذى به في العلاقات الدولية.
ولم تترك قيادة البلدين فرصة خلال السنوات الماضية للتواصل واللقاء لاستمرار التنسيق في كل ما يحتاج بحثه عربيا ودوليا، وتزداد اللقاءات والمقابلات بمستويات مختلفة وبوتيرة اسرع كلما استدعت الحاجة ذلك. وبالرغم من جائحة كورونا التي قطعت اوصال البلاد والعباد وتركت ما تركت من اثار وحالت دون اللقاءات والاجتماعات واكتفى العالم بالتواصل الافتراضي وعن بعد، إلا ان سجل العلاقات التاريخيه بين الأردن والإمارات لا يعترف بأزمات ولا تقييده محددات أكانت وبائية او غيرها، فالقلوب مفتوحة على بعضها البعض، والأبواب والنوافذ وكل ما من شأنه يخدم البلدين والشعبين مفتوح على وسع بتوجيهات سامية من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وأخيه سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظهما الرحمن.
أربع محطات تاريخية واستثنائية في العلاقة ما بين البلدين تم رصدها خلال الشهور الخمس الماضية تؤشر بوضوح ان حجم التنسيق اردنيا واماراتيا تُشعرالمتابع بان البلدين يعملان في غرفة عمليات واحدة وباتجاه واحد وبعقل واحد. وهي محطات تشكل تحركا نوعيا لافتاً يدلل ان الدبلوماسية الإماراتية والأردنية تقرأ من ذات الصفحة إشارةً الى حجم التنسيق والتطابق والانسجام في الموقف والتحرك والهدف النهائي.
هذه المحطات رسمت مسارات التحرك العربي والتحول النوعي في كافة ملفات المنطقة والتي بدأت تشهد انفراجا كبيرا خاصة بعد لقاء الملك عبدالله الثاني مع الإدارة الأمريكية الجديدة بداية هذا العام، وبتنسيق وتشاور مع الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان ولي عهد ابوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والشيخ محمد بن زايد معروف عنه انه قائد محنك وعسكري من طراز رفيع، ورجل المواقف ووارث الحكمة ومعلوم جدا بين شعبه ومن يقيم على ارضها انه واثق الخطوة واذا "قالَ فَعَل"، ويستذكره الجميع باعتزاز بداية ازمة كورونا في رسالة طمأنة لشعبه بجملته المعروفه "لا تشّلون هَم" والتي تعكس نجاح الاستراتيجية الإماراتية وخططها في الانتصار على كورونا، وحوّل بن زايد بذكاء مدروس التحديات الى فرص كبيرة وجعل ومعه سمو الشيخ محمد بن راشد الامارات نقطة ارتكاز عالمي في الحضور والتأثير والتقدير، واكسبو دبي 2020 واستضافة مؤتمر المناخ العالمي ما هو إلا غيض من فيض لتلك النجاحات.
فقد شهدت زخما غير مسبوقا العلاقات الاردنية الاماراتية بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد نهاية شهر أيار الماضي لعمان ومباحثاته هناك، والتي دشنت لاحقا مسارات متعددة الأطراف في النواحي الامنية والدبلوماسية والاقتصادية من خلال زيارة الشيخ طحنون بن زايد مستشار الامن الوطني بالامارات للأردن في شهر آب الماضي، وقبل أيام قليلة حراك دبلوماسي استثنائي وتاريخي قاده الشيخ عبدالله بن زايد، وانتهاءً بلقاء سمو الشيخ محمد بن راشد قبل يومين رئيس الوزراء بشر الخصاونة في الجناح الأردني باكسبو دبي، والذي اعرب سموه عن اعتزازه بالأردن تاريخا وثقافة وشعبا واختصر مشهد العلاقة الاردنية الإماراتية ب "الأخوية المستمرة".
استقرار المنطقة، مكافحة الإرهاب، التقارب العربي العربي، صناعة السلام، التنمية الشاملة والمستدامة، التعاون الدولي واحترام الثقافات، كلها ملفات تتطابق فيها حد التماهي الدبلوماسية الأردنية والإماراتية، وتشكلان نواة لحراك دبلوماسي عربي يتوسع حضوره، ويتفرع منه نتائج غير مسبوقة على صعيد "لحلحة" ما هو شائك منها وتحديدا في الملف السوري الاكثر تعقيدا وتأزيما منذ سنوات خلت.
يبقى التأكيد ان العلاقات الأردنية الإماراتية ليست وليدة اللحظة ولا تحتاج لأي هزات او أزمات لتُختبر صلابتها وعمقها، فقد وُلِدت صلبةً منيعةً، وكَبُرت راسخةً ثابتةً، واستمرت قويةً متينةً ضاربة في خدمة المصالح العليا للدولتين، وهما اليوم أمل المنطقة لتشكيل نواة تحرك دبلوماسي من شأنه إعادة الهدوء والسلام والاستقرار في اقليم ملتهب وإطفاء ما اشتعل به من حرائق كلفت ما كلفت من دمار وتخريب وضياع.