حبسُ المدين بين التَّردّد والتَّودّد..


هاشم ايمن خصاونه...
بينَ تردّد الحكومة وتخبطِها، بخصوص أوامر الدفاع؛ تحديدًا في الإجراءات التي سبقت أمر الدفاع رقم (٢٨) لعام ٢٠٢١م، وملخص هذا الأمر أنَّه ألغى حبس المدين إذا ما كان مجموع الدين لا يزيد عن ١٠٠ ألف دينار، ويسري هذا إلى نهاية العام الذي صدر فيه القانون، ربما خَبَت الأنظار، ولم تلتفت إلى مصير هذا الأمر، وانصرفت إلى مشروع قانون التنفيذ المزمع إصداره عمّا قريب..
في نهاية سنة ٢٠٢١م، نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، خصوصا أنه يستحيل إصدار قانون التنفيذ الجديد بهذه السرعة، لذا فالخيار الأول هو إصدار أمر دفاع جديد، أو العودة إلى قانون التنفيذ القديم رقم (٢٥) لسنة ٢٠٠٧م. 
وبين تردّد الحكومة وتودّد البعض-ولا أقصد أحدًا بعينه-، بعدم جدوى حبس المدين، لغايةٍ في نفس يعقوب! ربما علينا مناقشة فكرة حبس المدين من ناحية شرعية كبادئة نبدأ بها؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" لَيُّ الواجدِ يُحل عِرضَه وعقوبته "، من هذا الحديث الشريف يستنبط العلماء على جواز حبس المدين المُماطل، وفي هذا أيضا يستدلون بالحديث النبوي الشريف؛" مَطلُ الغنيّ ظلم "، ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن الحنابلة يرون الوجوب في حبس المدين المماطل، فيما يرى آخرون أن لا مكان لحبس المدين في الشريعة الإسلامية، مستدلين بأن مجلة الأحكام العدلية العثمانية، لم تأتي على شيء من هذا القبيل...
إن فكرة اللجوء لحبس المدين موجودة في عديد من البلدان؛ أذكر منها المملكة العربية السعودية، -على سبيل الذكر لا الحصر-، ومن شروط الحبس العديدة أذكر ما أراه أهم الشروط؛ طلب الدائن حبس المدين، وأن يكون الدين حالا غير مؤجل، وأن يكون المدين مماطلًا في دينه.
التَّودّد يتأتى دومًا لكسب الشارع العام، لكن؛ إذا ما نظرنا إلى فكرة عدم حبس المدين، فَكيف للحقوق أن تُحصّل، دون رادع الحبس! هنا يجد الدائن نفسه محصلًا حقه بنفسهِ، إذْ ما حكَّ جلدك مثل ظفرك، وليست دعوةَ للعنف، بل هي قراءة لما قد يحدث،-لا سمح الله-.
إِنني وبرأيي أرى، أن القانون الحالي للتنفيذ جيد نسبيًا، لكن؛ دون أوامر دفاع! فهو يكفل حق الدائن، ويحمي المدين، وسواءً اتفق الأغلب، أو البعض على أي رأي، فإن إرضاء الجميع مما يستحيل فعله..
ويرى المحامي والباحث القانوني  معتصم سلطان الشايب:
"إن موضوع حبس المدين، يجب أخذه بمعنى وسطي، عدم التوسع في حبس المدين، أو التضييق في استعمال حبس المدين، لأن عدم حبس المدين سيؤدي إلى استفياء الحق بالذات، وانتشار جرائم أخرى، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى انتشار أكبر في الجرائم، وزيادة الحبس لكن؛ بطريقة أخرى!
إنني مع الوسطية والاعتدال في موضوع حبس المدين، بمفهوم منسجمٍ مع الحداثة والتطور، مع أخذ رأي الشريعة الإسلامية، كمفهوم نظرة الميسرة، حبس المدين ربما سيكون مجديًا، إذا ما وضعنا تعريف واضح لكل من الغارم والغارمة والمتعثر، وإيجاد حلول قانونية أوسع في قانون التنفيذ نفسه!".
ربما أتفق مع أغلب ما جاء به الأستاذ الحقوقي معتصم الشايّب، وأقول تعقيبًا على مقالي، إن المستهدف بعبارة حبس المدين هو المماطل، لا المدين المفلس، أو كل من كان حسنَ النية، فالنسبة القليلة وبكل أسف، امتهنت الدين مهنةً وجعلت أموال الغير مرتعًا تلهو به، كيف شاءت!
أحلم ببلدٍ لا غارمين فيها، ولا غارمات، ولا متعثرين ولا متعثرات، وطنٌ يكون فيه قانون الاستمثار، أهمَّ بكثير من قانون التنفيذ، عند الشارع العام، والله المستعان!