السياحة العلاجية .. كيف نعيد الانتعاش لهذا القطاع؟

نور حتاملة

تعتبر السياحة العلاجية أحد أبرز مقاصد السياح للأردن، وتعد أهم ركائز ودعائم الاقتصاد الأردني، حيث تشكل عائداتها نحو ثلثي عائدات قطاع السياحة كاملا، كما تدعم الاستثمار المحلي وتزيد من نسبة الاستهلاك، بالإضافة إلى مساهمتها في توفير فرص عمل للمواطنين وارتفاع دخلهم ودعم الموارد الاقتصادية ورفع إنتاجيتها من خلال المشاريع السياحية المختلفة.
وحقق الاردن في السنوات الاخيرة شهرة واسعة في مجال السياحة العلاجية إقليميا وعالميا لما يتمتع به من تكوين جغرافي وطبيعة تتوفر فيها كافة مقومات العلاج الطبيعي، وأشهر هذه المقاصد البحر الميت وحمامات ماعين وحمامات عفرا والحمة الاردنية، التي تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم للعلاج الجسدي والنفسي على حد سواء. 
كما يعتبر الأردن أحد أهم الدول الرائدة في مجال الاستشفاء العلاجي الذي يقصده المرضى للحصول على الرعاية الصحية تحت أيدي أمهر الأطباء والخبراء، حيث يمتلك مستشفيات حديثة ومراكز طبية متخصصة وتوليفة كبيرة من النخبة في مختلف التخصصات الطبية سواء في القطاع الصحي الخاص او العام، مما جعلها وجهة سياحية وعلاجية مناسبة للجميع.
وحول ذلك، قال رئيس مجلس إدارة جمعية المستشفيات الخاصة الدكتور فوزي الحموري، استطاع الأردن أن يتبوأ المرتبة الاولى كمركز جاذب للسياحة العلاجية على مستوى الاقليم "الشرق الأوسط وشمال افريقيا"، وأضاف ان هناك أمثلة كثيرة جعلت الأردن يتميز في هذا المجال، كما أنه رائد في علاج أمراض القلب والشرايين، فأول عملية قلب مفتوح في الوطن العربي تمت عام 1970 في المدينة الطبية، وتمت أول عملية زراعة كلى في الوطن العربي عام 1972 في المدينة الطبية أيضا، وولد أول طفل أنابيب في الوطن العربي في مستشفى فرح على يد الدكتور زيد الكيلاني عام 1986، لهذا حقق الأردن شهرة واسعة في عمليات كان الأفراد يسافرون الى الغرب للخضوع لها، وعلى اثرها كبرت المستشفيات وتوسعت التخصصات والاستثمارات.
وقال لـ"الأنباط"، كان الأردن يستقبل 250 ألف مريض في السنة، وتنافست الجمعية عن الأردن عام 2014 على جائزة "أفضل مقصد للسياحة العلاجية" في منتدى السياحة العلاجية الدولي في الامارات مع خمس دول كبيرة من ضمنها تركيا وألمانيا وفازت بهذه الجائزة من خلال الملف الذي قدمته الجمعية. 
وأشار الى أنه تم انتخابه عام 2015 ممثلا عن الأردن لرئاسة المجلس العالمي للسياحة العلاجية، وعليه ترأس الأردن المجلس عامي 2015 و2017، ولهذا استضاف الأردن عام 2017 المنتدى العالمي للسياحة العلاجية في الأردن برعاية جلالة الملك ما يؤكد أهمية الأردن عالميا كمقصد للسياحة العلاجية ما قبل تداعيات كورونا.
وعن التحديات والعقبات التي واجهت السياحة العلاجية، لخصها الحموري بأنها تمثلت في تداعيات الجائحة، الجنسيات المقيدة، ارتفاع الأسعار والضرائب والرسوم على القطاع، تغيير التشريعات المتكرر وهجرة الكفاءات. وأوضح أنه خلال آيار العام الماضي، تقدم باقتراح من خلال عضويته في مجلس السياسات الاقتصادية الذي يترأسه رئيس الوزراء، لفتح السياحة العلاجية في منتصف تداعيات الجائحة حيث لم تكن أعداد الحالات مرتفعة في الأردن خلافا للدول التي تحيط به، وبسبب عدم قدرة المرضى العرب على العلاج في بلادهم ولإن الأردن مقصدهم المفضل كانوا على تواصل مستمر للقدوم للعلاج، وعليه تم اطلاق منصة "سلامتك" في تموز ذات العام لاستقبال مرضى السياحة العلاجية، ومن خلالها لم يتجاوز عدد المرضى 60 ألف ذاك العام، مشيرا الى انه لم يتم احصاء عام 2021 لعدم انتهاءه، لكن المؤشرات أصبحت أكثر ايجابية بعد حزيران ولاحظنا زيادة كبيرة في أعداد المرضى الذين يأتون للعلاج في الأردن وخاصة من دول الخليج العربي، لأن الدخول للأردن بعد الجائحة أصبح أسهل، كما أن الدول المجاورة سمحت لرعاياها بالسفر.
وتابع، ان السبب الأول لقصد دول أخرى للعلاج هو تقييد الجنسية، ففي 1/1/2016 أصدر رئيس الحكومة آنذاك عبدالله النسور قرارا يسمى بالجنسيات المقيدة، صعبت عليهم القدوم للأردن دون الحصول على تأشيرة سفر، إضافة الى أنه لم يكن للأردن سفارات في هذه الدول مثل اليمن وليبيا والعراق وسوريا، وبالتالي لم يكن بمقدورهم الحصول على التأشيرة والقدوم للعلاج في الأردن مما اضطرهم للعلاج في دول أخرى والسفر الى دول بعيدة أقل تكلفة من الأردن، أو الى تركيا التي ليست أقل تكلفة لكنها سياحية يستطيع المريض فيها العلاج والاستجمام مع عائلته وهو أمر موجود في الأردن على مستوى محدود، لهذا كانت المستشفيات تقدم معاملة التأشيرة في وزارة الداخلية للمرضى عندما يتقدمون بطلب للعلاج ويرسلون الأوراق اللازمة، كما يقومون على مسؤوليتهم بكفالة المريض لقدومه للعلاج والعودة لبلده. وهناك أسباب أخرى مثل المنافسة، فتركيا تسوق لنفسها في هذا المجال حيث قامت الخطوط الجوية التركية بإعلان خصومات 50% على سعر التذكرة، كما أن سعر الأدوية أقل بكثير.
وذكر الحموري أنه للتسهيل أيضا على الجنسيات المقيدة من الدول المجاورة، تم مخاطبة وزير الداخلية والاجتماع مع لجنة في جميع الأجهزة المعنية وتم الاتفاق على احداث تسهيلات، صدرت منذ شهرين وتنص على أن المرضى فوق عمر الخمسين وأقل من الخامسة عشر والنساء من جميع الأعمار ومن سبق له أن تعالج في الأردن ويريد العودة من هذه الدول المقيدة يستطيعون القدوم للأردن دون تأشيرة والحصول عليها  من المطار،أما المرضى من جنسيات مقيدة الذين يعيشون في دول غير مقيدة فيستطيعون القدوم دون أي ضوابط مقيدة، موضحا أن هذه التسهيلات جيدة وهناك طموح للمزيد من التسهيلات. 
وأضاف، من التحديات التي واجهت المستشفيات الخاصة في الآونة الأخيرة من سحب وزارة الصحة للكوادرالطبية وتعيينهم في القطاع العام لعلاج مرضى كورونا مع أن "الخاصة" عالجت خلال الجائحة 15500 مريض أي تقريبا ثلث مرضى كورونا، حيث أخذت الوزارة نحو 2500 ممرض ودول الخليج أخذت نحو 1500 ممرض.
وفي رده على ما يتعلق بشكاوى البعض من المعاملة والأسلوب قال، المشكلة في الذي يشكو صوته يعلو، وحدثت ممارسات فردية تسيء الى المرضى على نطاق محدود لكن عددها قليل، وهناك مديرية للسياحة العلاجية لدى وزارة الصحة لمتابعة المرضى والتأكد من رضاهم عن الخدمة والأسعار والشكاوى تكون محدودة.
ونحن دوما نقول أن الأردن مقصد أول للسياحة العلاجية فيجب ان تكون هناك طريقة للتعامل مع الأحداث التي تقع في القطاع الطبي بحجمها الطبيعي وعدم المبالغة بها، فمثلا، حديث الساحة اليوم عن الأحداث التي حصلت في الفترة الأخيرة بسبب الأخطاء الطبية، والتي ستؤثر بلا شك على السياحة العلاجية لإن الضجة الاعلامية التي غطت هذه الحادثة كبيرة جدا واثرها سلبي، وأشار الى أنه في لقاء له مع جلالة الملك تحدث عن مقدار الضرر الواقع على سمعة الأردن في مجال الطب بسبب الحملة الاعلامية السلبية على القطاع الصحي، مؤكدا أن الأخبار تنتشر على نحو عالمي.
واكد أن الأخطاء الطبية غير مبررة لكن الأطباء بشر ولا أحد معصوم عن الخطأ ويجب عدم تضخيم الموضوع ونشر اشاعات بأن قطاعنا الصحي مدمر وهو بخير، كما لا يجب التشهير في بلدنا وتدمير ما أنجزناه على مدى سنين لنحافظ على السمعة التي كسبناها، متسائلا لماذا لم يعلم احد ولا يتم الحديث عن أعداد المرضى والأطفال الكبير الذين تم علاجهم وانقاذهم.
وقال أن تنشيط السياحة العلاجية بكافة الطرق هي أولويتهم، ولهذا هنالك تعاون بين جمعية المستشفيات الخاصة مع هيئة تنشيط السياحة، والبدء بحملة تسويقية كبيرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وستعود الجمعية للمشاركة بالمؤتمرات والمعارض التي توقفت بسبب الجائحة، واستقبال الوفود للترويج للأردن في مجال السياحة العلاجية والاستشفائية أيضا.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عايش، تلعب السياحة العلاجية دور فهي جزء من منظومة السياحة والصحة، ويساهم الدورالمزدوج بتطوير الأنشطة الاقتصادية في هذه القطاعات بشكل رئيسي والقطاعات الاخرى المساندة لها، وتؤثر السياحة بشكل عام والسياحة العلاجية خاصة على الأوضاع الإقتصادية، فهي تساهم بزيادة الإيرادات للأردن وللقطاع الطبي والسياحي، كما تساهم بتطوير المنشآت السياحية والطبية والعلاجية، وتسمح بتقديم الأردن باعتباره بلدا متطورا بقطاع الخدمات من خلال القدرات والإمكانيات والمهارات البشرية رفيعة المستوى.
وأضاف لـ "الأنباط"، ان السياحة العلاجية مصطلح بحاجة الى اعادة التسمية ليعكس طبيعة الهدف منه وهو الحصول على الطبابة، الا انه لعب بهذا المعنى دورا مهما حيث وصل حجم الايرادات قبل 4 سنوات الى حوالي مليار دينار وهو حجم كبير قياسا بالإيرادات من القطاع السياحي في ذلك الوقت، شكلت نسبة وصلت الى أكثر من 40% من إجمالي الإيرادات السياحية في ذلك العام. وتأثر القطاع السياحي مباشرة بجائحة كورونا وانخفض العائد السياحي ما يقارب 67 - 80% مما كان عليه 2019، وبالتالي كان الانخفاض مماثلا فيما يتعلق بعائدات السياحة العلاجية في التواجه المستمر مع تداعيات الجائحة العام الماضي. 
مشيرا الى أن قطاع السياحة العلاجية يوفر متسعا لمزيد من الأيدي العاملة وفرص العمل المتنوعة، وبالتالي فان العناية بهذا القطاع وتطوير أدواته وتغيير العقليات التي بدأت تتسلل إلى العاملين فيه، والذين ينشدون أحيانا العائد المالي أكثر من العلمي والمعرفي والصحي والطبي. لإن أي انخفاض في وتيرة الخدمات المقدمة أو ارتفاع في الكلف فإن المنافسين يقفون على الأبواب وهم مستعدون لتقديم كلف أقل وأيضا منافسة سياحية على مستوى المكان والمهارات والمعارف التي تطورت طبيا في الدول المجاورة للأردن.
وأوضح عدم إمكانية التعامل مع هذا القطاع من خلال امتلاك الأدوات والإمكانيات فقط لكي نستقطب المرضى والذين يرغبون بالحصول على الطبابة الأردنية، فهناك منافسين في الإقليم بدأوا يؤثرون على حصة الأردن من هذه السياحة العلاجية وبدأ القادمون الى الأردن يشهدون بعض التراجع في التعامل مع الحالات المرضية أو بالكيفية التي يتعاملون بها مع المرضى، او أن الهم قد أصبح للبعض هو الحصول على المال أكثر من تقديم الخدمة العلاجية للمرضى. موضحا أن إيرادات السياحة تنخفض اذا ما تراجعت الخدمة المقدمة في مجال السياحة العلاجية، لإنها واحدة من الأدوات المهمة للدخول للسياحة الأردنية بشكل عام، سياحة الأماكن، سياحة التاريخ، السياحة الدينية، السياحة الصيفية أو الشتوية في مناطق الأردن، فكلها تتأثر مباشرة بالسياحة العلاجية.
وأوصى عايش بأهمية تطوير المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز العناية، وأن تكون العناية بجميع المرافقين للمريض كأن تعد برامج مرافقة خاصة بهم وأن تقوم المستشفيات والمراكز بالإشراف على تقديم وجبات متنوعة لهم، وأن يكون للمريض أماكن يذهب اليها في حالات الشفاء ليشعر بمزيد من الصحة والعافية، مؤكدا على أن القطاع واسع جدا للتطوير وايجاد الجديد وزيادة وتيرة الأداء ثم الاقتصادي بشكل عام.
من جهته، أشار رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة، أن الأردن حقق نجاحات واسعة في مجال السياحة العلاجية، وتقديم الخدمات الطبية، والصحيّة، نظرا لتوفّر الكوادر الطبية المختصة والمتميّزة في مجالات جراحة القلب والجراحات الدقيقة، وانخفاض تكاليفها نسبياً مقارنةً بدول العالم.
وقال، لا تقتصرالسياحة العلاجية على المستشفيات الحديثة والمعدات الطبية المتقدمة بل تشمل أيضا استقطاب الاستثمارات التي تهدف إلى تطوير المناطق المؤهلة لإقامة المنشآت السياحية التي تخدم السياحة العلاجية التأهيلية القائمة على استغلال المياه المعدنية الساخنة المتدفقة من باطن الارض، والتي تستخدم في علاج الحالات المستعصية مثل الروماتيزم والإعاقات الناتجة عن الإصابة بالجلطات والسكتات الدماغية والأمراض الجلدية المتنوعة. 
وأضاف لـ"الأنباط"، أن قطاع السياحة العلاجية كان من الأكثر تضرراً بتداعيات الجائحة، فهو يشغل عشرات الآلاف في فرص عمل القطاع نفسه ووظائفه المتنوعة من الطبية والصحية وخدماته وكذلك في القطاعات والخدمات والمهن المساندة له كالنقل والفنادق وغيرها، إلى التقنية والإدارية، والحرفية وغيرها. وقد تعرضت فرص العمل فيه لصعوبات أثرت على دخل الأسر، وانخفضت الأجور على نطاق واسع، وفقدت الآلاف من الوظائف نتيجة للإغلاق الذي شمل جميع الأنشطة السياحية على مدار أشهر.
وبين أن الفرصة الان تعتبر سانحة، لإعادة الإنتعاش لهذا القطاع ودعم مؤسساته وتوفير التسهيلات والإعفاءات لها لتتمكن من استعادة قدرتها على أداء أعمالها والحفاظ على موظفيها، وتمكينها أيضا من استحداث فرص عمل جديدة في ظل إعادة فتح مختلف القطاعات وإلغاء القيود على أعمالها، وتسويق خدماتها في الخارج لإعادة قدرة القطاع على استقطاب السياح بصورة أكثر مرونة