باليه أوبرا القاهرة ترتقي بالذائقة الفنية بأدائها المبهر على المسرح الشمالي في جرش
ارتقت فرقة أوبرا القاهرة بالذائقة الفنية لدى الجمهور الكبير الذي تواجد مساء امس الثلاثاء على المسرح الشمالي في مدينة جرش الاثرية، بألوان من الحرفية الفنية العالية والاداء المبهر بالاستعراض الذي استحضرت فيه الزمان والمكان، وذلك ضمن فعاليات مهرجان جرش للثقافة والفنون بدورته الـ35، الذي يعقد وفقا لشروط البروتوكول الصحي والتباعد الجسدي.
فعلى خشبة المسرح الشمالي الذي غالبا ما يحتضن الفنانين والفرق الفنية المحلية والعربية والعالمية الذين يقدمون محمولات فنية بمضامين ترقى إلى أذواق النخب من الجمهور التواق إلى الاستمتاع بما يرتقي بها إلى فضاءات لا حدود لها من الابداع والتميز، قدمت فرقة باليه أوبرا القاهرة استعراضا فنيا نهل من فنون البالية الحديثة الممتزجة بالوان من فنون الرقص التعبيري وبمحاكاة للموسيقا الشرقية تمثل بنحو 11 مشهدا اشتملت على لوحات فنية راقصة كشفت عن الرشاقة والبراعة الفنية التي يتمتع بها اعضاء الفرقة المكونة من 23 شابا وفتاة وعن رؤية اخراجية مميزة للقائمين على الاستعراض.
واستهلت الفرقة مشهدياتها بصعود 15 شابة وفتاة من اعضاء الفرقة بأزيائهم التي تحاكي وتستحضر الحقبة التاريخية الفرعونية في اصطفافات هندسية الشكل وأداء حركي تعبيري يستعيد المراسم الملكية الفرعونية في الوقت الذي تتموضع فيه احدى راقصات الفرقة بعباءتها الصفراء الذهبية في المنتصف ما تلبث ان تقوم بأداء حركي راقص مزج بين فنون الباليه والرقص التعبيري الحديث لتحمل على الاكف عاليا من قبل راقصي الفرقة الذين في ذات الوقت قدموا جملة من الرقصات والاداء الرفيع لفنون الباليه الممتزجة بالرقص الحديث وبتشكيلات هندسية متسقة ومصاحبة لموسيقا تنسجم مع السياق في لوحة المشهدية الاولى، لتحمل لوحة رفع الفتاة مضامين تعبر عن مكانتها الرفيعة التي تستحضر فيها ملكات مصر الفرعونية ذوات الصيت والشهرة التاريخية من امثال نفرتيتي وكليوبترا.
وفي اللوحة الثانية من ذات المشهدية قدمت الفرقة لوحتين متتاليتين بأسلوبية الباليه الحديث تميز فيها اعضاء الفرقة من الشباب والفتيات بالبراعة الفنية والليونة الطاغية ورشاقة الحركة وخفتها في النقلات الفنية دون ان يختل التكوين البصري العام للتشكيل والذي حافظ على انضباطه وتزامن الحركة والاداء وتبادلهما فيه.
وفي المشهدية الثانية قدم شاب وفتاة من اعضاء الفرقة لوحة تقترب من الزمن المعاصر وبأزياء الباليه المعروفة متكئة على توزيع حديث لموسيقا ذات قوالب شرقية مزجت بأسلوبية غربية لتتسق مع الحالة الفنية العصرية رغم تعدد الاصوات والآلات الموسيقية التي قادتها آلة العود تكريسا لشرقية الفعل الفني رغم كونه من فنون الباليه.
اما المشهدية الاستعراضية الثالثة التي تقدمتها 6 فتيات راقصات و5 راقصين من الفرقة ليقدموا لوحات فنية راقصة من فنون الباليه بمصاحبة توزيع جديد لموسيقا من كلاسيكيات الموسيقا المصرية ممتزجة بأسلوبية غربية، كانت الالة القائدة فيه آلة الكمان بما يتسق وينسجم مع اسلوبية فن الباليه وموسيقاه، لتتنوع اللوحات الفنية في هذه المشهدية من أداء ثنائي يضم شابا وفتاة ومن ثم الانتقال السلس الرشيق الى اداء جماعي بشكل ازواج ويعود لأداء ثنائي دون الاخلال بالتكوينات الحركية والبصرية التي تتشكل على الخشبة بدقة واتقان بوصفها نصا بصريا تعبيريا.
ويصعد في المشهدية الرابعة راقصان في أداء حركي راقص يحملان العصي وبأزياء من الموروث الشعبي لمناطق الصعيد المصري (الجلباب الواسع) ليتبعهما فتاة برداء احمر تحمل هي الاخرى عصا وليقدموا ثلاثتهم أداء فنيا حركيا راقصا ينهل من الفلكلور الشعبي في تلك المناطق ما يلبث ان ينضم اليهم 6 شباب من اعضاء الفرقة بأزيائهم المتعددة الالوان الأحمر والاخضر، وبأداء حركي راقص ورشيق تتلوهم بسلاسة 7 فتيات بأزيائهن السوداء وعلى ايقاع متوسط مرتفع موسيقي غنائي من الموروث الشعبي الصعيدي "متى ازورك وانا قلبي وياك" لتشكل لوحة فنية مكتملة التراكيب والتشكيلات البصرية ببراعة وحرفية عالية المستوى لتتبعها لوحة اخرى من ذات المشهدية تصاحبها الاغنية التراثية "البنت بيضا" تعيد انتاج الموروث بشكل عصري وفق فهم وادراك حديثين لمتطلبات ذلك.
اما المشهدية الخامسة التي يدخل فيها من عمق الكواليس الى الخشبة 6 شباب بأزياء البحر التي تستحضر الاسكندرية وبور سعيد، وفي أداء حركي متسق يتشكل بعد انضمام 6 فتيات من الفرقة بأزيائهن زاهية الالوان اليهم، لتقدم المجموعة وبمصاحبة موسيقا شرقية، لوحات من موروث الفنون الراقصة للمدن الساحلية المصرية، فيما تأتي المشهدية السادسة بحضور 6 فتيات من راقصات الفرقة بأزيائهن الخضراء والحمراء الموشحة باللون الاصفر الذهبي مستحضرات التاريخ في لوحات فنية راقصة تستعيد الموروث الشعبي المصري الذي يسترجعن فيه، لفنون في الحقب العربية الاسلامية في اجمل تجلياته على وقع اغنية الموشح الاندلسي "عجبا لغزال عجبا" الذي كتبه في منتصف القرن الماضي الشاعر والموسيقي والمطرب المصري فؤاد عبدالمجيد معيدا انتاج الموشح بعد قرون من الزمان.
اما المشهدية السابعة التي يستهلها دخول 6 راقصين بطرابيشهم الحمراء القصيرة وازيائهم المميزة ذات اللونين الاحمر والاسود ترافقهم راقصة بزيها الذي تراكبت على قطعه الوان الزهر والاخضر والاصفر، مستحضرين موروث المناطق الغربية من مصر ليقدموا اداءً راقصا تعبيريا بمصاحبة موسيقا ذات ايقاع سريع ومرتفع على وقع اغنية "عشقنا عيونك وعيونك جارحة وقتالة".
وتُستهل المشهدية الثامنة بدخول 5 فتيات بأزيائهن الزرقاء والذهبية العصرية على وقع اغنية الفنانة العالمية داليدا "سلمى يا سلامة" يحلقن برشاقة الاداء كالفراشات ليصاحبهن شاب بسرواله الاسود وقميصه الازرق في اداء حركي راقص يمزج بين فنون الباليه وفنون الرقص الحديث.
وتأتي المشهدية التاسعة على وقع تقاسيم منفردة لالة العود ما تلبث ان تتلوها تقاسيم منفردة لالة القانون لتعلن عن دخول فتاة بزيها الشعبي المصري بألوانه الاحمر الفاتح والاحمر القاني المتشح بالمذهبات لتؤدي لوحات راقصة من فنون الرقص الشرقي تشاركها لاحقا خمس فتيات لتتلوهن اربع فتيات اخريات بالزي الشعبي المصري الذي اتخذ اللون البنفسجي عنوانا له وعلى وقع اغنية من الموروث الشعبي المصري "حلاوة شمسنا وخفة ظلنا" تقدم المجموعة لوحات فنية راقصة في اسلوبية التبادل بين مجموعتي الفتيات بوصفه حوارا فنيا تعبيريا راقصا.
وتختتم الفرقة استعراضها المميز وسط تفاعل كبير من الجمهور الكبير، بالمشهديتين العاشرة والحادية عشرة، بحيث الاولى تستحضر فيها مناطق النوبة بأزيائها البيضاء للرجال والحمراء للنساء وفنون غنائها وتشكيلاتها الحركية الراقصة، فيما المشهدية الاخيرة تستهل على وقع الحان وبوح الناي الشجية وموسيقاه الشرقية التي تبحر في المناجاة لتقدم الفرقة لوحات فنية من الاداء الراقص التعبيري مزج بين الصوفية للرجال وجلسات "الزار" التي تشارك فيها النساء، ليودعها الجمهور العريض بترديد عبارات "بص شوف المصري بيعمل إيه" وسط إعجاب شديد وتصفيق متواصل بما قدمت الفرقة من الوان الفنون بشكل احترافي مميز.