هيئات مَـنْ .. ولماذا استقلت
م. أحمد عيسى الحياري
طـال الخريــف فـي بلـدي ولا زلنـا ننتظـر المطـر ... وحبـات الخيـر تتراقـص وتغسـل غبـار المكابـدة والألـم ... ونحلـم بربيـعٍ يانـعٍ يُنْسينـا قـوارع الزمـن .
حكومتنـا تعمـل جاهـدة لخدمـة قاطنـي كوكـب المشتـري .. مواطنـي الدرجـة الأولـى (vip) وتسعـى لراحتهـم بكـل عزيمـة وتحقيـق رغباتهـم وقبـل أن ينتابهـم الملـل .
الحكومـة وهيئاتهــا والشعـب المرهـق فـي خدمـة مواطنـي الدرجـة الأولـى ...
نعـــم ..... هنالـك تصنيفـات للمواطنيـن فـي بـلدي .... وهنالـك تقسيمـات أصبحـت مـن المسلمـات .... لا تستطيـع اختراقهـا .. ولا يمكـن ادراك ومعرفـة كوداتهـا وفـك تشفيرهـا .
مواطنـو الدرجـة الأولـى لهـم هيئـات .... وفـي كافـة المجـالات ... والكثيـر مـن المناصـب والمسميـات ... فيهـا تنـوع وتراعـي الهوايـات ... وفيهـا كثيـر مـن الامتيـازات ... العمـل فيهـا مريـح ... رواتبهـا مرتفعـة ... وتعييناتهــا فوريـة .. ولمـن علا شأنـه هنـاك خدمــة التفصيــل .
وبسبـب هشاشـة موجبـات انشـاء الهيئـات وانفصالهـا عـن أصولهـا واستقلاليتهـا... وهـي أسبـاب تنفيعيــة .. فكانـت المخرجـات هيئـات لا تراعـي صلــة رحــم ... ولا حـق جــوار ... ولا تترحــم علـى ميــت ....
وانبـلاج هيئــات تجسـد الابـن العـاق لوالديـه , الذي بـرع فـي استنزافهـم وكبـر وسمـن علـى نكوصهـم ونحـول أجسادهـم .. ولـم يخـدم الوطـن ولا والديـه ولـو حتـى بشربـة مـاء .
ألـم تخبـرك التجـارب يـا حكومـة أن عقــوق الأب نحـو أبناءه والتفرقـة بينهـم وسـوء التربيـة , غالبـًا تكـون نتيجتـه عقــوق الأبنـاء وخاصـة الابـن المدلـل .. الذي يقابـل والديـه والجميـع بالجحـود والنكـران وحـب الذات .
هـذه الهيئـات جـل مـا تبـرع بـه زراعـة الاحبـاط لـدى موظفـي القطـاع العـام , وتدميـر مـا تبقـى مـن آمـال وأحـلام بناتنـا وأبنائنـا فـي جحافـل العاطليـن عـن العمـل ... وزيـادة الشعـور بالتفرقـة وثنائيـة المعاملـة وفقـدان العــدل ... وأن مـا نخشـاه النيـل مـن دوافـع الانتمـاء وتـرك التضحيـات للمتكسبيـن .
يـا حكومــــة .... هنالـك إجابـات مفقـودة .. هـذه الهيئـات ... هيئـات مــن ... ولمـاذا استقلــت ...... وهـل هنالـك جـدوى مـن استمراريتهـا ... أمـا آن لهـا أن تترجــل ...
أليـس مـن الواضـح فشـل إنجازاتهـا , وأن تبخـر الأمـوال علـى مشاريـع وهميـة تنقسـم مـا بيـن مشاريـع غيـر مرئيـة ومشاريـع هدريـة .... وهـي الخنجـر الذي يمعـن فـي أحشـاء الاقتصـاد الوطنـي ......
وكنـا نتمنـى لـو أن الوضـع الاقتصـادي يسمـح بتحويـل جميـع القطـاع العـام إلـى هيئـات مـع كافـة الامتيـازات ... ولكـن هيهـات هيهـات .
يـا حكومـــة ... مـا زال الاقتصـاد الوطنـي فـي غرفـة الانعـاش وداخـل الزجاجـة كمـا قيـل .... وإن طائـر العنقـاء يقـف علـى الشبـاك ويحـوم بانتظـار إعـلان الوفـاة للتغـذي علـى الجثـث والجِّيَـف دون أي اعتبـار .
وهيئاتنــا لـم تساهـم فـي نهـوض الاقتصـاد بـل علـى العكـس ... أصبحـت كمتعهـدي دفـن الموتـى , تبحـث عـن مكاسـب شخصيـة فـي كـل الظـروف .
أكثـر مـا ساءنـي فـي الأيـام القليلـة الماضيـة هـو انشـاء هيئـات مستقلـة جديـدة كهيئـة تنشيـط السياحـة ... ونسمـع عـن ترتيبـات لإنشـاء هيئـات كالتعليـم العالـي وتنظيـم الميـاه وغيرهـا ...
وهـذه دعـوة للحكومـة لمراجعـة ملـف وجـدوى وجــود واستقلاليـة الهيئـات ... والتفكيـر بجديـة لإعادتهـا إلـى أصولهـا ..... وتوكيـل الوزارات بالقيـام بالواجبـات الجليلـة للهيئـات ... واستغـلال فروق الرواتـب والمصاريـف الإداريـة للإرتقـاء بالاقتصـاد أو حتـى زيـادة أعـداد الموظفيـن وتقليـص البطالـة , والتخفيـف مـن معانـاة الباطليـن عـن العمـل وبنفـس النفقـات ....
وكذلـك لعــلَّ توكيـل واجبـات الهيئـات للوزارات مـع وجـود روتيـن العمـل البيروقراطـي ورتابـة اللجـان يكـون لهـا أثـر فاعـل فـي الحـد مـن الاندفـاع نحـو المشاريـع الغيـر ذات جـدوى وتساعـد علـى ضبـط النفقـات والمصاريـف ... وتتحـول الرتابـة فـي ذهنيتنـا إلـى حسنـات تساهـم فـي مكافحـة الفسـاد .
يـا حكومــــة ... إذا لـم تشرعِ بوقـف النـزف والهـدر لإنقـاذ الاقتصـاد .. فإنـه يقتضـي عليـك المباشـرة بترتيبـات وتجهيـز بيـت العـزاء .
لقـد أكرمنـا الله يـا حكومـة .. ومَـنَّ علينـا بالأمـن والأمـان .. وجنبنـا كـل الشـرور ... وتعلمنـا مـن دول الجـوار دروسـًا ثمينـة مفادهـا أن غيـاب العـدل يـؤدي إلـى الخـراب ...
وأنتـم يـا نـواب الأمـــة .... مـاذا فعلتـــم ...... وكيــــــف تمنحــون الثقــة ...
عندمـا تغـردون فـرادى .... بيـن الأقربـاء والأصدقـاء .... ومـن خـلال اللقـاءات التلفزيونيـة فإن أصواتكـم تجلجـل ونسمـع منكـم العجـاب ..
وعندمـا تجتمعـون للتصويـت ... فإن الهمـس واللفتـات والصمـت الرهيـب ... والثقـــة ... والتدافــع للمباركــة .
ألــم يراودكـم التكفيـر عـن أعبـاء وجودكـم لثلاثـة عقـود مضـت .... لا نطالبكـم سـوى ربـط منـح الثقـــة بإلغـاء الهيئـات المستقلـة وإعادتهـا إلـى أصولهـــا .... فقـــط .
يـا حكومـــة ويـا حكومــات .... يـا نــواب الأمــة ويــا أعيــان ....
أليـــس بينكــم رجــل رشيــــد ...