"هجرة" الاستثمار والمستثمرين .. الاسباب والحلول
د. مخامرة: "هروب كبير” من المستثمرين للدول المجاورة بسبب المعيقات
د. عياش: تسهيلات الدول الاخرى تفوق التي يقدمها الاردن وهجرة الاستثمارات بظل هذه الظروف طبيعي
الأنباط - نور حتاملة
يعتبر الاردن ذو مناخ استثماري جذاب، لعدة عوامل وأسباب من حيث الموقع الاستراتيجي والبيئة السياسية المستقرة واحتوائه على الموارد البشرية المؤهلة والمنافسة، إضافة الى اقتصاده الموجه نحو السوق الحر الذي يملك امكانية الوصول الى الأسواق العالمية.
الا ان الاستثمار في الاونة الاخيرة يواجه تحديات كبيرة في الصمود داخل حدود المملكة، كما بات لافتا ان الاستثمار المحلي والأجنبي اصبح احيانا يتجه الى الخارج من دول الجوار.لاسباب عديدة
وفي هذا الشأن تحدث "محمد جمال" وهو مستثمر سابق من دولة عربية شقيقة عن تجربته بالاستثمار في الاردن، وقال انه جاء للأردن بسبب الظروف السياسية في بلده وبدأ بالاستثمار في قطاعي الصناعة والتجارة عام ٢٠١٥، الا انه بسبب التحفظات على جنسيته وجد صعوبات بالغة في امور عديدة وواجه تعقيدات كثيرة في الإجراءات عدا عن أنها غير ثابتة وغير واضحة.
وأضاف ان حياة المستثمر الاجنبي في الاردن أشبه بأن تكون زائرا لا تستطيع التملك بشكل سهل، ولا مستقبل لأبناءك دون بطاقة الاستثمار الخاصة بك حتى لإخراج رخصة قيادة وليس لتملك السيارة نفسها، اضافة الى المبالغ الطائلة لإكمال دراستهم الجامعية. مستنكرا الوضع لإن من يستثمر في بلد لنفعها يجب أن تعود عليه بالمنفعة، مؤكدا أن التسهيلات غير مريحة بالنسبة لهم.
وأوضح ان البيئة الاستثمارية في الاردن جيدة من نواح عديدة، ولكن لازالت بحاجة لتعديلات تصب في مصلحة المستثمرين ومستقبلهم، موضحا انه بسبب هذه الظروف اجبر على سحب استثماراته والخروج بها إلى بلد آخر يعطي المزيد من التسهيلات والميزات له كمستثمر، مشيرا الى ان اي شخص في وضعه لا يربطه شيء في اي بلد بعد خروجه من وطنه يستطيع التخلي عن استثماراته والبدء في اي مكان آخر يعطيه ما يضمن له راحته ومستقبله هو واولاده.
ما تحدث به "جمال" ينطبق على كثير من المستثمرين الاردنيين والاجانب الذين قرروا "الهجرة" باستثماراتهم وشركاتهم الى بلدان اخرى نتيجة لمعيقات وبيروقراطية وعدم وجود التسهيلات المناسبة واسباب اخرى تتمثل بالميزات التي توفرها بعض دول المنطقة.
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي الدكتور وجدي مخامرة، ان تدني نسبة الاستثمار يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة كما أن الحكومة تفقد جزءًا من الإيرادات الضريبية من المشروع من جهة ومن المواطنين من جهة أخرى، فالاستثمار يخلق فرص عمل جديدة وعند غياب الاستثمار تقل فرص توظيف المواطنين، وبالتالي تنخفض قدرتهم على الإنفاق وتقل الإيرادات الحكومية، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع نسب النمو.
وأشار في حديثه مع "الأنباط"، ان أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين في المملكة تتمثل بعدم وجود استراتيجية للاستثمار على المستوى الوطني، وارتباك السياسات الاقتصادية لدى الحكومات، وارتفاع الرسوم والضرائب وأسعار الطاقة، وزيادة النفقات الرأسمالية بسبب ارتفاع الأسعار في الأردن، بالإضافة إلى تأثر الاستثمار بالأزمات الإقليمية.
وأوضح ان هناك ضعف الترويج والتسويق الاستثماري الذي يهدف إلى عكس صورة إيجابية عن الأردن تفيد بأنه بيئة استثمارية واعدة، مضيفا ان غياب دور السفارات الأردنية في التسويق للاستثمار بالأردن أدى إلى تراجع كبير في الاستثمارات مقارنة بالدول الأخرى، مشددا على ضرورة إعداد برنامج تدريبي لتفعيل دور السفارات الأردنية حول العالم وترسيخ نهج التسويق لبيئة الاستثمار في المملكة.
وأضاف ان موضوع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لا زال متراجعا للغاية، فليس هناك شراكة متجذرة، مشيرا إلى وجود "شَخصنة” في مجال الاستثمار، وهناك بعض الأشخاص في مؤسسات الدولة يقبلون الاستثمارات ويرفضونها وفقا لمصالحهم الشخصية.
وعلى مستوى ضعف التواجد الاستثماري في المحافظات، قال مخامرة يوجد عقبات تتعلق بأنظمة النقل والخدمات اللوجستية وضعف الشبكات في مجالات الاتصالات والأسواق المالية وتكنولوجيا المعلومات، وأن هناك "منافسة غير شريفة بين اللاعبين الرئيسيين في السوق تعمل على خنق الاستثمار في البلد”.
وفيما يتعلق بالحلول والاجراءات، دعا الى إنشاء ما يُسمى بـ”مظلة واحدة” لجميع الإجراءات واللوائح التي تحكم الاستثمار في الأردن كما هي عليه الدول المنافسة، والعمل على استعادة الثقة بالبيئة الاستثمارية المحلية بالنسبة لرجال الأعمال الأردنيين في الخارج ومحاولة استقطابهم، لا سيما وأن هناك "هروبا كبيرا” من المستثمرين الأردنيين إلى الدول المجاورة بسبب معيقات الاستثمار داخل الأردن.
وأكد انه لا بد من رفع مستوى الأداء الحكومي فيما يتعلق بآلية الاستثمار وإجراءاته، وذلك من خلال توحيد صنع القرار وتشجيع الاستثمار في الجهاز الحكومي، والابتعاد عن العقلية البيروقراطية المتجذرة في موضوع الاستثمار وإجراءاته وما يتبعها من تعدد الموافقات والمرجعيات، والتأخير الكبير في إعطاء الاستثمار حق الشروع بالعمل، والافتقار للتسهيلات الحكومية للمستثمرين.
وشدد على ضرورة أن تعطي الحكومة الأولوية للاستثمار في الوقت الحالي، وتعمل على استقطاب استثمارات في قطاعات واعدة ثبتت فعاليتها خلال الجائحة؛ مثل القطاعات الطبية، الكيماويات، الزراعة، والسياحة وذلك بهدف تحفيز النمو الاقتصادي وتشغيل أيد عاملة جديدة.
من جهته، قال الخبير والمحلل الاقتصادي الدكتور حسام عياش، لا يوجد تقدير دقيق لحجم الاستثمارات الأردنية في الخارج فهناك من يقدرها بحوالي 10 مليار دولار وهنالك من يتحدث عن 15 مليار، والاردنيون من ثالث اكثر المستثمرين في دبي وثاني المستثمرين العرب وحتى الأجانب في قطاع العقار في تركيا، وبالتالي هم يستثمرون بشكل او بآخرفي دول اخرى ويشعرون بالعائد، وانتقالهم للاستثمار في الخارج اسبابه الأوضاع الاقتصادية الصعبة في الاردن والنمو الاقتصادي الضعيف الذي لا يؤدي الى التوسع، والضرائب المرتفعة قياسا الى العائد الذي يمكن ان يتحقق من اي استثمار، اضافة الى الإجراءات البيروقراطية الغاية في التعقيد ومحاولتها "عكننة" اي عملية استثمارية. وأوضح ان هناك مفهوم سائد يرى المستثمرين او معظمهم على الاقل أنهم "يستهدفون الاردن ويحاولون الاستيلاء على خيراته"، ولذلك هناك نظرة سلبية سواء من بعض العاملين في الجهات المعنية بالاستثمار مباشرة او حتى من بعض البيئات المحلية الحاضنة لهذه الاستثمارات.
وأضاف ان الفرص الاستثمارية بالاردن تكاد تكون قليلة جدا بدليل ان المنحة الخليجية التي وصلت الاردن في عام 2012 بقيمة 5 مليار دولار، لم يتم الاعداد سلفا للاستفادة منها وللان لم تنفق على مشاريع يستفيد منها الاردنيون، وانتقال الاردنيين للاستثمار في الخارج أثبت جدواه بمعنى انهم استعادوا نشاطهم الاقتصادي واستطاعوا تعويض الخسائر التي لحقت بهم في الاردن وهناك ترحيب مستمر بهذه الاستثمارات.
وأشار ان القضية الاساسية كثرة الحديث عن البيئة الاستثمارية وقانون الاستثمار العصري، الا ان المشكلة كيف ينظر المستثمرون الى هذا القانون ويتعاملون معه وما العوائق التي تقف في طريقهم عندما يبدأون بالاستثمار، اضافة الى ان القوانين والأنظمة والتشريعات الحاضنة لأي عملية اقتصادية او استثمارية تتغير باستمرار ليس لإن هناك حاجة اقتصادية لها وانما الحاجة الحكومية لمزيد من الإيرادات ولان تقلل مما تكون قد منحته لهؤلاء المستثمرين في أوقات سابقة، ولذلك يصعب التخطيط للمشروع والتنبؤ بمستقبل اي مشاريع استثمارية ويصعب تقدير النفقات ومن ثم الايرادات وبالتالي الارباح التي يمكن ان يجنيها المستثمرين، لهذا يجدون في الاردن بيئة طاردة للاستثمارات والدليل تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية الواردة للاردن منذ عام 2017 الى هذا العام. مشيرا الى ان هذا يعكس شكل الاجراءات وطبيعة الموظفين ونوعية المؤسسات الموجودة التي تتعامل مع هؤلاء المستثمرين والطريقة التي تدير بها الحكومة المؤسسات المعنية بالمستثمرين من هيئة الاستثمار وغيرها، وبالتالي يغادر المستثمرون الاردن. والأمر المهم ان المنافسة على المستثمرين شديدة في الاقليم سواء العرب او الاجانب والاردنيون جزء من هذه المنافسة، حيث تعرض الدول الاخرى تسهيلات للاستثمار تفوق التسهيلات التي يقدمها الاردن حتى للاردنيين انفسهم وهجرة الاستثمارات في ظل هذه الظروف امر طبيعي.
ودعى عياش الى اعادة هيكلة مؤسسة الاستثمار حيث يفترض للمستثمرين الاستثمار مباشرة دون عوائق او تعقيدات، بعد ان تبين ان هيئة الاستثمار ذات نشاط مسيس او ان الوزراء الذي يتعاقبون على الاشراف عليها لديهم وجهات نظر تختلف حتى عن الحكومات فيما يتعلق بالاستثمار، او ان الحكومات لا تعرف ما المقصود بوجود هيئة الاستثمار لذلك وجدنا استقالات مستمرة من هذه الهيئة اضافة انها لم تكن قادرة على تحقيق ما هو مطلوب منها، لذلك اما ان تعاد هيكلتها ويعاد تطبيق قانون الاستثمار بشكل حقيقي وليس تجميلي والا يتراجع الوضع باستمرار.