خدمات الكترونية وربط الكتروني .
مروان العمد
على مدار السنوات العشرين الماضية وجلالة الملك المعظم ينادي بتحقيق الربط الالكتروني بين مختلف اجهزة الدولة ، وذلك تسهيلا على المواطنين ولسرعة انجاز معاملاتهم ومواكبة لروح العصر . ولكن الذي كان يحصل في مختلف اجهزة الدولة هو تقديم خدمات الكترونية لا ترقى الى مستوى الربط الالكتروني ولا تكون فاعلة في الكثير من الاحيان .
عندما عينت مديراً عاماً لدائرة الاحوال المدنية والجوازات العامة بتاريخ 2 / 5 / 2005 اعلمني معالي وزير الداخلية في ذلك الوقت ، ان هناك مشروعاً لعمل ربط الكتروني ما بين دائرة الاحوال المدنية والجوازات ودائرة المتابعة والتفتيش ، وبهدف ان يتم انجاز معاملات المواطنين الذين تتطلب معاملاتهم مراجعة هذه الدائرة من قبل موظفي الاحوال المدنية والجوازات من خلال هذا الربط مباشرة ، لما لذلك من توفير جهد ووقت ومعاناة على المواطنين والسرعة في انجاز معاملاتهم ، كما طلب مني ان انسق بهذا المجال مع معالي وزير الدولة لتطوير القطاع العام .
وفعلاً قمت بالتنسيق مع معاليه ومتابعة العمل في انجاز هذا الربط من خلال ادارة الحاسب الآلي وادارة التطوير الاداري والتخطيط في الدائرة . وكان يتم اعلامي بأن العمل جار على تحقيق هذا الربط وكما هو مخطط له . وكان الكثير من الاخوة والاخوات الاعلاميين يراجعونني ويسألونني متى سوف يتم هذا الربط . وبعد عدة اشهر تم اعلامي ان عملية الربط قد تمت بنجاح ، وقمت انا بالتصريح لوسائل الاعلام عن تحقيق هذا الانجاز ، وانه لن يتم بعد اليوم تحويل المواطنين للمتابعة والتفتيش .
ولم تمضي سوى عدة ايام حتى وقعت بين يدي معاملة مشروحاً عليها لمراجعة المتابعة والتفتيش . وعندما استفسرت عن ذلك ، علمت ان عملية الربط قد تمت ، الا انه تبين ان المعلومات التي كان يتم تحويل المواطنين للمتابعة والتفتيش من اجلها ، وهي التي تتعلق بمن يحمل بطاقة جسور صفراء ، ومن يحمل بطاقة جسور خضراء . والتي على ضوئها يحدد من يستحق جواز سفر دائم او جواز سفر مؤقت حسب تعليمات قرار فك الارتباط ، موجودة لدى ادارة امن الجسور ، والتي تتواجد على الجسور ولها مكاتب في المتابعة والتفتيش . وان المعلومات لدى هذه الإدارة ورقية وغير مأرشفة في ارشيف المتابعة والتفتيش الالكتروني . ولا ادري كيف غابت هذه الحقيقة عن اعين من كانوا يعملون على هذا اربط من الدائرتين ، ولا اخلي نفسي من المسؤولية وان كان ذلك لم يكن من الممكن ان يخطر في بالي وانا المعين جديداً بهذا المنصب ، وان العمل على هذا المشروع كان قد بدء فيه قبل تعيني .
وبذلك نكون قد حققنا المطلوب وهو الربط الالكتروني ، ولم نحقق الغاية منه . وبقيت الامور كما هي عليه من حيث الطلب من المواطنين مراجعة المتابعة والتفتيش .
وقبل ان اتم السنة مديراً لهذه الدائرة احلت على التقاعد من جديد في ظروف سكتُ عنها طويلاً ، وربما افصح عن بعض جوانبها في وقت قريب . ولا اعرف بعدها في ما اذا تم تحقيق هذا الربط الالكتروني ام لا .
ومن ناحية اخرى وفي وقت سابق بكثير ، كان قد تم نوع من الربط الالكتروني ما بين دائرة الاحوال المدنية والجوازات والعديد من الجهات الحكومية ، حيث اصبح بامكان هذه الجهات الاطلاع على بطاقة القيد المدني لاي مواطن ومطابقتها بمعلومات هوية الاحوال المدنية التي يحملها ، للتأكد من صحة وسلامة الهوية اذا لزم الامر . الا انه ورغم ذلك وعندما كانت مديريات دائرة الاراضي تريد اضافة الرقم الوطني الى سند التسجيل للمواطنين كانت تطلب منهم احضار كتاب من دائرة الاحوال المدنية والجوازات بأن فلان هو فلان وانه يحمل الرقم الوطني رقم كذا ، دون الرجوع الى بطاقة القيد المدني للمواطن الموجودة لديهم والتي يصدر كتاب الاحوال المدنية بناءاً عليها ، الا لمن لديهم واسطة . وهذا كان يشير الى عدم ثقتنا باستخدام الربط الالكتروني وعدم الاستعداد لتحمل المسؤولية الا من خلال كتب رسمية تحفظ في الملفات .
قبل فترة بسيطة اعلنت دائرة الاراضي والمساحة انها سوف تحول خدماتها الى خدمات الكترونية . وقبل تطبيق هذه الخدمات باسبوع كنت في احدى مديريات دائرة الاراضي والمساحة من اجل استخلاص سند تسجيل لارض موجودة في محافظة اخرى . ولعدم وجود ربط الكتروني بين مديريات الدائرة حتى الآن ، ولمعرفة كيفية مآل قطعة الارض وفيما اذا كان عليها استحقاقات مالية معينة ، فقد تم مخاطبة المديرية المعنية بواسطة الايميل واستخراج السند بعد ورود الاجابة . واستغرق هذا الامر حوالي الساعتين .
وبعدها باسبوع وبعد الاعلان عن تطبيق الخدمات الالكترونية في دائرة الاراضي ومديريات التسجيل التابعة لها ، ذهبت لاستخراج سند تسجيل لنفس الغاية وبنفس الطريقة . وبفضل تطبيق الخدمات الالكترونية استغرقت المعاملة خمس ساعات حتى اكتملت .
وقد كتبت يومها مقالاً عن ذلك ، وعلى اثره اتصل بي مشكورا مدير الحاسب الالي في دائرة الاراضي والمساحة ، مستفسراً مني عما حصل ومحاولاً اقناعي باهمية الخدمات الالكترونية وحسب توجيهات جلالة الملك ، وان في ذلك خدمة للمواطن الذي سوف يستطيع ان يقوم بمعظم معاملاته من غير ان يقوم بمراجعة مديريات التسجيل . ولما شرحت له عما حصل معي دعاني لزيارته في مكتبه ليقدم لي المزيد من الشرح والتوضيح وقد وعدته بأن افعل ذلك في وقت قريب الا ان ظروفي لم تسمح بذلك .
كما انه وبعد هذه المقالة بايام قلية قام دولة رئيس الوزراء بزيارة لدائرة الاراضي والمساحة ، واكاد اجزم ان مقالي كان مطروحاً في هذه الزيارة او كان من اسبابها .
وبعدها بعدة اسابيع كانت لي معاملة في احدى مديريات التسجيل ، وبالرغم من انني كلفت احدهم ممن يعرفون دهاليز هذه المديريات والعاملين فيها لانجاز هذه المهمة ، الا انني لاحظت ان نفس السيناريو قد تكرر . حيث تم التقدم أولاً بطلب سند تسجيل ، ثم التحويل الى امين الصندوق لاخذ مستند منه يحولنا لشركة خاصة يتواجد موظفيها داخل المديرية لدفع الرسوم لديها . وبعد مراجعة موظفي هذه الشركة ودفع الرسوم والعمولة والحصول على مستند منها بذلك يجب العودة لامين الصندوق للحصول على مستند منه بان الرسوم مدفوعة . ثم عليك مراجعة مكتب الربط الالكتروني الذي يأخذ منك جميع الاوراق التي معك ويطلب رقم هاتفك ، ليخبرك بعد ذلك انه ارسل لك الرقم الالكتروني لمعاملتك على هاتفك ، ومن غير ان تعرف كيف يمكنك ان تقوم بذلك . وعندما تخرج من مكاتب دوائر التسجيل يلتقطك شخص يجلس في مكتب او في سيارة ومعه جهاز لاب توب ، ما ان تعطيه الرقم الالكتروني للمعاملة حتى يباشر عمله عليه مقابل ان تدفع له اجور هذه الخدمة . وحيث انه كان برفقتي من يتابع المعاملة ، فقد غادرت انا المكان وتركته ينجز بقية الإجراءات والذي ابلغني في وقت لاحق انها تمت .
وهنا اود ان اطرح بعض التساؤلات مثل ، ماذا لو لم يكن هاتف المراجع ذكي ؟ وماذا لو لم يكن معه هاتف اصلاً ؟ وكيف سيحصل على سند التسجيل والتعليمات تمنع ذلك الا من خلال الرقم الالكتروني ؟ وماذا لو كان المراجع يملك هاتف ذكي ولكنه لا يعرف كيف يتابع معاملته بواسطة الهاتف ؟ ولماذا عليه ان يراجع المكاتب العقارية او المكتبات او مخلصي المعاملات ويدفع لهم مقابل ذلك للحصول على سند تسجيل كان من الممكن الحصول عليه من الموظف بكبسة زر .
كنت قبل ذلك اراجع اي مديرية تسجيل واحصل على السند بمدة لا تتجاوز الربع ساعة ، وادفع ديناراً ونصف الدينار رسوماً عليه ، والذي اصبح الآن يكلف عشرة دنانير ما بين رسوم للدولة وعمولة للشركة التي تحصل الرسوم واتعاب للمكتب العقاري الذي يستكمل عملية استخراج السند . بل انه وفي بعض البلديات التي بها مكتب تابع لدائرة الاراضي ، فأنه كان بالإمكان الحصول على سند التسجيل خلال خمس دقائق فقط ، ومن شباك واحد تطلب منه الخدمة التي تريدها ، وهي اما سند تسجيل او مخطط اراضي . حيث يقوم الموظف نفسه بتحصيل الرسوم منك واستخراج السند او المخطط وربما يقوم ايضاً بتعبئة نموذج طلب الخدمة بدلاً منك .
فهل الخدمات الالكترونية الهدف منها خدمة المواطن وتسريع معاملته ، ام زيادة معاناته وتكليفه اكثر من خمسة اضعاف المبلغ الذي كان يدفعه سابقاً ؟ وهل الهدف من الخدمات الالكترونية هو تنفيع بعض الشركات وبعض المكاتب ؟ .
الخدمات الالكترونية الحكومية كما هو مفروض وكما افهمها تتم بطريقتين ، اما عن طريق الهاتف لمن يستطيع ان يقوم بذلك وحيث هذه الخدمة متوفرة . او عن طريق النافذة الواحدة بحيث يتعامل المواطن مع موظف واحد فقط ينجز له كل المعاملة بما فيها دفع الرسوم ، بدلاً من ان التنقل من شباك الى شباك ومن طابور الى طابور . واذا كانت المعاملة تتطلب الحصول على معلومة او التأكد من وثيقة موجودة لدي جهة حكومية اخرى ، فأن هذا الموظف بامكانه ومن خلال الربط الالكتروني الذي يفترض ان يكون متحققاً ، الحصول عليها واستكمال المعاملة لنهايتها .
عند الاعلان عن توفر خدمات الدفع الهاتفي لبعض الخدمات من خلال شركة معينه رحبت انا بذلك رغم الحملة الشرسة التي شنت عليها . لانها كانت تتيح لي ان ادفع فواتير المياه والكهرباء وضريبة المثقفات والمعارف من خلال هاتفي وانا في البيت ومقابل عمولتهم ، لان ذلك يختصر علي الكثير من الوقت والجهد والنفقات للوصول الى مكان الدفع . ولكن هذا يتطلب ان يكون للشخص حساب بنكي وامكانية الدفع الالكتروني من خلاله ، فهل كل المواطنين يملكون ذلك ؟ واذا ذهب من لا يملكون ذلك الى الجهة الحكومية المعنية للدفع او لانجاز اي معاملة لهم ، هل من المعقول ان يجد مندوب هذه الشركة متواجداً هناك لتحصيل الرسوم والمبالغ المطلوبة منه بالرغم من وجود امين صندوق فيها اصبح دوره ينحصر في تحويل المراجعين لمندوب هذه الشركة ، هذه ليست خدمات الكترونية وليست ربط الكتروني ، ولكن ربط معاملات المواطنين بهذه الشركة وما قضية الخدمات الالكترونية الا غطاءاً لذلك .