تفاهمات الصين وأفغانستان للاستقرار الآسيوي
يلينا نيدوغينا
سَبقَت الصين دول العَالم الكُبرى باتصالاتها الدبلوماسية الهادئة مع حركة طالبان، وذلك قبل وقت بعيد من انسحاب القوات الأمريكية من (مَقبرة الامبرطوريات) كما وصَفَهَا الرئيس جو بايدن. الحِراك الصيني يَتَّسِمُ بدبلوماسية رفيعة جدًا، تُعتبر انعكاسًا واضحًا للنهج السياسي والفكري الصيني المتطور والذكي، والساعي إلى السلام الشامل والأمان الكامل والتفاهم الجمَعي الآسيوي والدولي. إضافةً، إلى سَعي بكين لتأكيد ثَبات وسُكُون واستقرار حدودها مع أفغانستان والدول المختلفة. الأهداف الصينية الاِستراتيجية تتضمن إدامة زخم واستقرار (مبادرة الحزام والطريق) الصينية الدولية وتنامي تفعيلاتها، ولحماية مساراتها الآسيوية الطويلة التي تُفضي إلى خارج القارة أيضًا، ولإبعاد هذه المسارات عن الحروب والنزاعات الإقليمية والدولية، ولأجل المزيد من تخليق الوظائف للناس، وتقليص فجوات الفقر على طول امْتداد هذا المشروع الأممي، وضمان ترطيب الأوضاع السياسية وتبريد الاحترار الحاصل في السنوات الأخيرة في صِلات الدول، تطلعًا إلى تجذير أنماط التبادل السلعي – التجاري والاقتصادي الشامل في أجواء السلام، والنأي عن تحقيق المَكاسب السياسية لطرفٍ ما على حساب أطراف أُخرى.
سَبَقَ للمتحدث باسم حركة (طالبان) الأفغانية، محمد سهيل شاهين قوله، بأن الجانب الصيني أبلغ الحركة بالإبقاء على سفارة الصين في العاصمة كابل. كذلك، أعلنت المتحدثة باسم (الخارجية الصينية)، (هوا تشون ينغ)، عن أن بلادها (تُحافظ على اتصال وتواصل مع حركة طالبان الأفغانية)، كما جرت محادثة هاتفية ناجحة أجراها (وو جيانغهاو)؛ مساعد وزير الخارجية الصيني، مع نائب مدير المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة، مولوي عبد السلام حنفي، في الثاني أيلول الجاري، تشتمل على تبادل الجانبين الصيني والطالباني وجهات النظر حول الوضع في أفغانستان، والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وفقًا لتصريحات (وو جيانغهاو) اللافتة جدًا، فإن الوضع في أفغانستان قد شهد تغيّرات جوهرية، وعاد مستقبل ومصير أفغانستان من جديد إلى أيدي الشعب الأفغاني، وشدَّد على أنّ علاقات الصداقة بين الصين وأفغانستان كانت قد تأسست منذ آلاف السنين، إضافة إلى تأكيد المسؤول الصيني على احترام الصين (دائمًا) سيادة واستقلال ووحدة أراضي أفغانستان، وانتهاج بكين المنهاج الودّي نحو الشعب الأفغاني، وتمنى أن تحقق أفغانستان السلام والاستقرار في أسرع وقت ممكن، وإعادة بناء وطن جميل.. واستطرد: يمكن لأفغانستان أن تلعب دورًا هامًا في الأمن والتنمية في المنطقة، كما ستزيد الصين أيضًا من مساعداتها الإنسانية، خاصة لعلاج كوفيد/19.
من جانبه نجد في حديث حنفي الاهتمام المتميز بعلاقات (طالبان) مع الصين، إذ لم يَسبق لها مثيل بين حركة إسلامية والصين. أكد حنفي: (الصين صديق جدير بالثقة لأفغانستان.. حركة طالبان الأفغانية مُستعدة لمواصلة تطوير العلاقات الودية بين أفغانستان والصين، ولن تسمح أبدًا لأي قوة باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد مصالح الصين، وستتخذ إجراءات فعّالة لضمان سلامة المؤسسات والموظفين الصينيين في أفغانستان.. التعاون في إطار مبادرة (الحزام والطريق) التي أطلقتها الصين يُساعد على التنمية والازدهار في أفغانستان والمنطقة بأسرها.. أفغانستان تأمل في مواصلة تقديم الدعم والمشاركة في هذه المبادرة).
في الخطاب الإعلامي الصيني نجد اختيار الصينيين مُفردات دقيقة وإيجابية لافتة جدًا بِمَا يَخص الوضع الأفغاني وعلاقات الجانبين، بعد رحيل القوات الأمريكية عن مطار العاصمة كابل (كابول). فَعَلَى سبيل المِثال، بثّت فضائية (سي. تي. جي. إن.) الرسمية الصينية العنوان التالي المُثير للانتباه: (كابل بعد الانسحاب الأمريكي: المطار لم يَعد فوضويًا، والمواطنون يأملون أن يَحِل السلام). ونقلت هذه الفضائية عن (يار محمد)، وهو تاجر في كابل، قوله: (بعد انسحاب القوات الأمريكية، عاد كل شيء إلى طبيعته.. فَتَحَ المركز التجاري الرئيسي في كابل أبوابه أمام الزبائن بشكل طبيعي، وعاد الازدحام المروري في وسط المدينة). كما أوردت شاشة المُبَاصَرة الصينية عن المواطن (يار محمد): (آمل أن تتمكن حركة طالبان من تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت مُمكِن للوفاء بوعودها، التي تتمثل في تشكيل حكومة واسعة وشاملة، وإنهاء حالة عدم الاستقرار في أفغانستان). وفي ذات السياق، تطلعت ربّة البيت الأفغانية، السيدة رويا سيديك، البالغة من العمر 38 عامًا، إلى (تحقيق الأمل المنشود في سلام دائم في البلاد، وأن يكون إطلاق النار الذي يَحتفل بانسحاب القوات الأمريكية، هو آخر إطلاق للنار في أفغانستان.. لقد غادرت القوات الأمريكية أفغانستان، ولا يوجد سبب في بلادنا للقتال مرة أخرى، وآمل أن تتمكن البلاد من الدخول الى حالة السلام الحقيقي). ونحن إذ نضم صوتنا إلى صوتها، نتمنى نحن أيضًا، السلام الكامل لشعب أفغانستان الشقيق والعَالم أجمع.