رحل الموسيقي الثائر، زوربا اليونان ومناصر فلسطين !
لم يكن يدور في خلدي عندما حضرت فيلم زوربا اليوناني في نهاية الستينات وشاهدت الرقصة الشهيرة التي لحنها ميكيس ثيوذوراكيس وأداها بإبداع الممثل العالمي أنطوني كوين انني سأكمل دراستي الجامعية بعد بضع سنوات في اليونان بلد السحر والجمال ومصدر الهام الفلم وموسيقاه العالمية التي اصبحت بمثابة نشيد يرمز الى اليونان وثقافتها، ولم يتبادر لذهني ان رواية الفلم العالمي زوربا اليوناني لكزانتزاكيس، وأشعار يانيس ريتسوس وموسيقى ميكيس ثيوذوراكيس محظور عرضها وتداولها في اليونان التي كانت ترزخ تحت حكم قمعي ديكتاتوري بعد الإنقلاب الذي قاده جنرالات الجيش عام 1967 ضد الملك واستمر حتى عام 1974 الا بعد ان شاهدت زملائي الطلبة اليونانيين يغلقون النوافذ ويسدلون الستائر عندما كنا نجتمع في الامسيات لنستمع لاغانيه وموسيقاه بصوت منخفض على اشرطة الكاسيت التي كانوا يتداولونها فيما بينهم سراً، كانت موسيقى واغاني ثيوذراكيس تُعتبر رمز المقاومة في اليونان على مر الاجيال، وكانت تُبث خلال انتفاضة طلبة جامعة اثينا وباقي الجامعات من مكبرات الصوت داخل الجامعات ومن محطات الاذاعة التي صنعها الطلبة بأنفسهم قبل اقتحام الدبابات للجامعة وسقوط مئات الطلبة بين قتيل وجريح، وكان ذلك سبباً لامتداد لهيب الانتفاضة إلى مدن وقرى اليونان في مشهد عصيان مدني كفاحي الى ان سقط النظام الديكتاتوري وعاد السياسيون والادباء والشعراء والموسيقيون المنفيون الى وطنهم ليشاركوا بإعادة بناء اقدم ديموقراطية عرفها العالم، زاد اعجابي بهذا الموسيقي الثائر الذي رفض الذل وقاوم الاستعمار وناصر الشعوب المظلومة حول العالم، لوقوفه بصدق وعمق الى جانب ثورة الشعب الفلسطيني والحق العربي بأدبه وفنه وثقافته، شارك في تلحين نشيد فلسطين الوطني وعزفه في بيروت عام 1982 ودأب على الظهور بالكوفية الفلسطينية في كثير من حفلاته رمزاً يعتز به ويفخر امام أي جمهور وعلى أي منبر عالمي، لم تكن الموسيقى بالنسبة اليه متعة او ترفاً بل روح شعب ورسالة مقاومة وحرية، وكان يجهر برأيه ولا يهاب احداً في الوقوف إلى جانب القضايا الانسانية ونضال الشعوب ضد الظلم، عارض الحرب على العراق ووجه انتقادات لاذعة لحكومته التي ساندت الحرب، وقال في وسط إسرائيل "انها أمة صغيرة، هي اساس الشرور في العالم”، التقى جمال عبد الناصر والمقاوم تيتو وعرفات ولا تزال موسيقى فيلم "زوربا اليوناني" الى يومنا هذا تتردد على أسماع العالم كأنه نشيد الإنسانية الذي يُسمع في كل مكان، وكأنه مُلك كل الشعوب الثائرة لأنه يمثلها … وداعاً ايها الثائر الجميل، وداعاً ثيوذراكيس صانع موسيقى الحرية ورائد الفن النضالي، لك المجد ولروحك السلام.
د. عصام الغزاوي.