طالبان والشريعة الاسلامية
مروان العمد
انتصرت حركة طالبان عام ١٩٩٦ على جميع امراء الحرب في افغانستان ، ودخلت مدينة كابول واقامت امارتها الاسلامية فيها . وقالت انها سوف تلتزم باحكام الشريعة الاسلامية ، واقامت نظاماً دينياً متشدداً . حيث حرّمت كل مظاهر الحضارة الغربية ومنها الموسيقى والاغاني وحيازة التلفزيونات ، وحتى كاسيتات الاغاني التي كانت تهرسها تحت عجلات الدبابات واغلقت اماكن بيعها . وحرمت حلق اللحى واغلقت صالونات الحلاقة ودور السينما وجميع اماكن اللهو . ومنعت ارتداء الملابس الغربية واهتمت في العلوم الشرعية فقط . ونفذت الكثير من عمليات الاعدام وقطع الايدي والارجل باعتبار ذلك من احاكم الشريعة الاسلامية ، واغلقت مدارس الاناث ومنعت تعليم من هن فوق الثماني سنوات . وكانت عقوبة من تقوم بتعليم البنات هو الاعدام . والزمت جميع النساء على ارتداء الشادور ، ونفذت الكثير من احكام الاعدام العلنية بحق النساء . كما انها قامت بتدمير التماثيل البوذية في مدينة باميان عن طريق قصفها بالمدفعية والدبابات عملاً باحكام الشريعة الاسلامية .
وعلى اثر التفجيرات التي حصلت في نيويورك في عام ٢٠٠١ واتهام الولايات المتحدة الاميركية لتنظيم القاعدة والذي كان متحالفاً مع طالبان بالقيام بها ، وعلى اثر مطالبة الولايات المتحدة حكومة طالبان والتي كان يتزعمها الملا عمر بتسليمها بن لادن ، وبناءً على فتوى شرعية بأنه لا يجوز تسليم المسلم لدولة كافرة ، شنت الولايات المتحدة وحلفاؤها هجومهم على افغانستان ، واسقطت نظام طالبان ، واقامت نظاماً موالياً لها دعمته بالقوات والسلاح والتدريب والاموال عشرون عاماً ، استمرت خلالهم حركة طالبان في الاشتباك مع القوات الامريكية المتواجدة في افغانستان ومع قوات الحكومة الافغانية . واستمرت بأعمال التفجير والقتل وخاصة للمدارس التي تعلم البنات ومعلماتهن . واستمر الامر على هذه الحالة حتى منتصف الشهر الحالي عندما اجتاحت حركة طالبان افغانستان من جديد اثر انسحاب القوات الامريكية منها وسيطرت عليها دون قتال خلال ايام ، واصدرت بيانات بلغة اخرى جديدة تختلف عن لغتها في فترة حكمها الاول ، حيث اصدرت عفوها عن جميع الافغان الذين تعاملوا مع الاداراة السابقة وحتى عن افراد الجيش والمتعاونين مع الامريكان والمترجمين . ودعت الجميع للعودة الى اعمالهم . وتعهدت بحماية الاجانب واقامة علاقات مع الدول الغربية . وبنفس الوقت اعلنت انها ستقيم امارتها الاسلامية . واعلنت انها سوف تحترم النساء و حقوقهن وحسب احكام الشريعة الاسلامية ، وعلى شرط التزامهن بالزي الاسلامي .
وهنا يرد سؤال هل المقصود بذلك الشريعة الاسلامية التي طبقتها اثناء فترة حكمها السابق ، ام شريعة اسلامية اخرى ؟ و هل هذا يعني تسليمها ان ما كانت تطبقه سابقاً ليس له علاقة بالشريعة الاسلامية ، وانها منذ الآن سوف تعمل على تطبيق الشريعة الاسلامية الصحيحة ؟ وهل هذا يعني انها كانت تعتنق ديناً معيناً وانها الان قد اعتنقت ديناً جديداً ، وايهما الاسلامي ؟ .
والصحيح ان الامر ليس له علاقة بالشريعة الاسلامية لا سابقاً ولا الآن .
وباختصار اقول ان افغانستان كانت وحتى عام ١٩٧٣ تخضع لحكم الملك ظاهر شاه . وكانت دولة مستقلة ومتقدمة . الا ان ابن عمه محمد داوود خان انقلب عليه وقتله ، واقام حكماً دموياً في البلاد استمر حتى عام ١٩٧٨ ، حيث قام جناح خلق في الحزب الشيوعي الافغاني بانقلاب عسكري وسيطر على الحكم بزعامة نور محمد تراكي وقام بقتل محمد داوود ، والذي ما لبث وان انقلب علية زميله حافظ الله امين وقتله واستلم الحكم بدلاً عنه . الا ان المذكور اتهم من قبل الاتحاد السوفياتي بأنه عميل للولايات المتحدة الاميركية . ولذلك فقد قامت القوات السوفياتية وبنفس العام باقتحام افغانستان واسقاط حكم حافظ الله امين بعد ثلاثة اشهر من استلامه الحكم وقتله . وتم تعين بابراك كارمل رئيساً مكانه ، والذي استمر حكمه حتى عام ١٩٨١ ، حيث تم عزله واستبداله بمحمد نجيب الله . وفي عام ١٩٨٨ انسحب الاتحاد السوفياتي من افغانستان نتيجة الخسائر الهائلة التي تعرض لها ، الا ان حكم محمد نجيب استمر بدعم منه حتى حتى عام ١٩٩٢ عندما دخل القائد الطاجيكي احمد شاه مسعود كابول وانهى الحكم الشيوعي لافغانستان .
اما كيف تم ذلك فله قصة اخرى . فقد رفضت الكثير من القبائل والقوميات والقوى الافغانية الحكم الشيوعي . الامر الذي استغلته الولايات المتحدة الاميركية ، والتي استطاعت مخابراتها التغلغل داخل القوى الافغانية المعادية للشيوعيين من شيوخ قبائل وامراء حرب وزعماء عصابات ومزارعي مخدرات وتجارها . وشكلت منهم تنظيمات مسلحة بهدف اسقاط الحكم الشيوعي . ولتحقيق ذلك صبغت المخابرات الامريكية هذه المجموعات بالصبغة الاسلامية واسمتهم المجاهدين . وفتحت الباب على مصراعية لانضمام المتطوعين والممولين لهذه التنظيمات وخاصة من العرب ومنهم اسامه بن لادن ، الثري السعودي والذي انشاء معسكراً لتدريب المجاهدين العرب في افغانستان .
بعدها تقاطر المتطوعين المسلمين والعرب خاصة على أفغانستان لمحاربة الشيوعيين الكفرة ، وظهر من اطلق عليهم المجاهدين العرب الافغان والذين قلدوا الافغان حتى في لباسهم ، في حين ان هدف الولايات المتحدة الامريكية كان هو القضاء على النفوذ السوفياتي هناك ومنع المد الشيوعي لباقي دول المنطقة لخطورة ذلك عليها وعلى سلطتها ، ولرغبتها بالسيطرة على افغانستان والتي تمثل موقعا اقتصادياً هاماً يتوسط الطريق ما بين الصين وايران والهند . ولكونها ممراً لانابيب الغاز وللثروات الثمينة في باطن الارض . كما قام جهاز الاستخبارات الباكستانية بدعم هذه التنظيمات والتي كان ابرز زعمائها برهان الدين رباني واحمد شاه مسعود الطاجيكي و الملقب باسد بنجشير . والاوزبكي عبد الرشيد دوستم والذي كان سابقاً يدعم الشيوعيين قبل ان ينقلب عليهم ويصبح من المجاهدين . كذلك الزعيم القبلي اسماعيل خان والملقب اسد هرات والذي كانت له السيطرة على الحدود مع ايران . بالاضافة الى البشتوني عبد الرسول سياف والاقرب للاخوان المسلمين والمقرب من السعودية . وقلب الدين حكمتيار والذي كان زميلاً لدوستم قبل ان يختلف معه والذي كان يسيطر على معظم تجارة الحشيش في افغانستان ، و الذي له مقولة شهيرة بأننا نزرع الافيون ونبيعه للولايات المتحدة الاميركية لكي يدمن شعبها عليه ، وبثمنه نشتري اسلحة نحارب فيها الشيوعيين والامريكان. بالاضافة الى الشيعة
الهزارة بمنطقة هرات وكابول بقيادة عبدالله مزاري .
وقد قامت المخابرات الامريكية بتزويدهم بالكثير من الاسلحة الحديثة ومنها صواريخ ستنغر وذلك لاسقاط الطائرات الهيلوكبتر السوفياتية .
وعندما تمكنت هذه التنظيمات من اسقاط نظام حكم محمد نجيب الله وقتله عام ١٩٩٢ ، طالبتهم الولايات المتحدة باعادة الاسلحة التي منحتها لهم وخاصة الصواريخ ، ولما لم يفعلوا ذلك اشعلت بينهم نيران الفتنة والصرع واخذوا يتقاتلون على اماكن النفوذ والسيطرة وعلى تجارة المخدرات . وقام قلب الدين حكمتيار بمحاولة احتلال كابول والقضاء على برهان الدين رباني وقائدة احمد شاه مسعود ، وقام بتحويل المدينة الى انقاض وخرائب نتيجة قصفه المدفعي والصاروخي لها . ولما لم يتم حسم المعارك بين تنظيمات المجاهدين فقد قامت المخابرات الامريكية بمشاركة مع الاستخبارات الباكستانية بتشكيل تنظيم طالبان والذي تم تشكيله من طلبة العلوم الشرعية من الافغان اللاجئين الى الباكستان ، و تم تسليحهم وتدريبهم ودفعهم الى داخل افغانستان ، حيث انتصروا على قوات قلب الدين حكمتيار ، ثم التقدم الى كابول ودخولها بعد ان هزموا احمد شاه مسعود والذي عاد الى معقله الاساسي في وادي بنجشير الحصين . واقاموا امارتهم الاسلامية في افغانستان
وقد قدم تنظيم طالبان فيها اسوء صورة عن الاسلام والمسلمين . واصبحت مكاناً لتجمع المتطرفين والارهابيين من القاعدة وغيرها . وبعد ان تحقق ذلك ارادت المخابرات الامريكية اعادة المجاهدين العرب الى بلادهم ليشكلوا فيها تنظيمات تمارس الارهاب . وحتى يتم لها تحقيق ذلك فقد قامت بعملية اغتيال رجل افغانستان القوي احمد شاه مسعود داخل معقله بواسطة اثنان من الرعايا التونسيين من تنظيم القاعدة ، واللذان ذهبا الى افغانستان على اعتبار انهما صحفيان يريدان اجراء مقابلة معه باللغة الفرنسية حيث انه يجيدها كونه من خريجي الجامعات الفرنسية ، حيث قاما بتفجير الكميره التي يصوران بها اللقاء مما ادى الى اصابته باصابات بليغة ادت الى وفاته . وكان ذلك قبل يومين من انفجارات الحادي عشر من ايلول عام ٢٠٠١والتي اتهمت الولايات المتحدة بها تنظيم القاعدة وزعيمها اسامه بن لادن الحليف المقرب من طالبان وزعيمها الملا عمر ، والتي رفضت تسليمها ابن لادن . وعلى اثر ذلك قامت بغزو افغانستان وهزيمة حركة طالبان في ٧ تشرين الاول عام ٢٠٠١ ، والتي عادت الى قواعدها الاساسية داخل باكستان بعد معارك عنيفة قي جبال تورا بورا . الا ان مقاتلي حركة طالبان وتنظيم القاعدة عادوا لمهاجمة قوات الحكومة الافغانية التي اقامها الامريكان بالاضافة للقوات الامريكية وكل القوات الاجنبية هناك وحتى الاماكن المدنية التي كانت تحت سيطرة الحكومة الافغانية . وتم اختفاء كلاً من بن لادن والملا عمر . وتبين فيما بعد ان ابن لادن كان يقيم في مكان آمن وفي منزل يقع على بعد امتار من قاعدة عسكرية باكستانية ، الى ان قامت القوات الاميركية باقتحام هذا المنزل في الثاني من آذار عام ٢٠١١ وقتل بن لادن والقاء جثته في البحر لانتهاء صلاحيته . اما الملا عمر فلم يغادر افغانستان ، واقام على مقربة من قاعدة عسكرية امريكية الى ان توفي عام ٢٠١٣ ولم يتم الاعلان عن وفاته الا بعد ذلك بعامين .
وبذلك فقد وقعت من حينها افغانستان تحت سيطرة الولايات المتحدة الامريكية وقوات التحالف المشاركة لها من خلال اقامة حكم عميل لها . وبالرغم من انها اقامت جيشاً افغانياً تابعاً لهذه السلطة العميلة مكون من ٣٠٠ الف جندي مجهزين باحدث الاسلحة ومدربين تدريباً جيداً لمواجهة بقايا حركة طالبان .
فيما استخدمت الولايات المتحدة المتطرفين الاسلاميين الذين كانوا في افغانستان وغادروها بعد الاحتلال وخاصة من تنظيم القاعدة للقيام بعدة عمليات ارهابية بالعديد من الدول العربية وخاصة في العراق بعد احتلالها من قبل القوات الامريكية . ومنهم خلقت تنظيم داعش والنصرة وغيرهما من التنظيمات الارهابية وذلك بهدف الإساءة للاسلام ، وتمهيداً لتنفيذ مخططاتها في دول المنطقة ومنها الشرق الاوسط الجديد والربيع العربي المدمر .
وفي نفس الوقت قامت الولايات المتحدة الاميركية باستنزاف ثروات افغانستان لمدة عشرين عاماً ، والتي فاقت ما انفقته عليها من مساعدات واسلحة متطورة .
ولتغير استراتيجية الولايات المتحدة في المنقطعة ، ولتغير خططها في صراعها مع الصين وروسيا وايران ، فقد قررت الانسحاب من افغانستان ولم تجد افضل من تنظيم طالبان لخدمة سياستها الجدية هذه . ولذا فقد عقدت مفاوضات معها في قطر وفي غياب فعلي لممثلي الحكومة الافغانية استمرت عدة سنوات ، وانتهت في عام ٢٠٢٠ بتوقيع اتفاقية بين الطرفين ينظم عملية الانسحاب الامريكي وتواريخه في مدة اقصاها ثمانية عشر شهراً وذلك في ظل ادارة ترامب . وينظم طريقة ادارة طالبان لافغانستان وفق الشريعة الجديدة عندما تتولى الحكم فيها .
وفي منتصف الشهر الحالي وبصورة بدت وكأنها مفاجئة ، وبعد ان نفذت الولايات المتحدة عمليات انسحاب قواتها من افغانستان حسب الاتفاق، باستثناء عدد محدود للقيام بعمليات الاخلاء في الوقت المناسب ، وخلال ايام قليلة اقتحمت قوات طالبان والتي يبلغ عددها ربع عدد قوات الحكومة الافغانية وباسلحة فردية وبدائية كامل الاراضي الافغانية عدا وادي بجشير . وانهارت الدولة الافغانية ومعها جيش المرتزقة الافغاني وامراء الحرب فيها خلال هذه الايام ومن غير قتال . واعادت طالبان سيطرتها على جميع انحاء افغانستان لكي تطبق السيناريوا التي اتفقت به مع الولايات المتحدة الاميركية في قطر . ووقعت جميع الاسلحة الحديثة التي كانت اميركا زودت بها الجيش الافغاني بيدها وذلك لكي تتمكن من قطع طريق الحرير الذي يربط الصين بوسط اوروبا ، ولايجاد قوة سنية الى جوار القوة الشيعية في ابران . وايجاد قوة معارضة لروسيا هناك .
وبالرغم من خطاب اعلان الهزيمة الذي القاة بايدن وعزى به الهزيمة لاتفاقية الانسحاب الموقعة من قبل ادارة ترامب ولانهيار الحكومة والجيش الافغاني ، الا ان الحقيقة ان ما جرى هو تنفيذاً للاتفاقية الدوحة مع طالبان والتي شاركت ادارة اوباما الديمقراطية وادارة تراب الجمهورية بالاعداد لها . وقامت ادارة بايدن الديمقراطية بالتوقيع على الفصل الاخير بكتابة كلمة النهاية .
ولذا فأن الامر منذ البداية لم يكن له علاقة بالدفاع عن الاسلام وحمايته . وان تنظيمات المجاهدين التي حاربت الاتحاد السوفياتي وحكومة افغانستان العميلة له ، ثم حركة طالبان التي حاربت تنظيمات المجاهدين ثم حاربت النظام العميل لاميركا الذي اقيم هناك، لا علاقة لهم بالشريعة الاسلامية ، بل هم في معظمهم ادوات لتنفيذ مخططات خارجية وتجار مخدرات .
ولكن ومن قبيل الاحتياط فقد اعلن ابن احمد شاه مسعود من معقل والده وادي بانشير وهو الوحيد الذي لم يسقط بعد تحت سيطرة طالبان ، رفضه الخضوع لحكمها . وسانده بذلك بعض انصار والده ومنهم نائب رئيس الحكومة الافغانية امرالله صالح و وزير الدفاع الافغاني باسم الله محمدي ، وتعهدوا بمقاومة حكم طالبان وطلبوا مساعدة العالم والافغانيين . بالاضافة لخروج مظاهرات في العديد من الولايات والمدن الافغانية معارضة لحكم طالبان . وقد يكون الهدف من ذلك كتابة الحروف الاولى من مسلسل افغانستان الجديد .
كثيرون اعلنوا عن فرحتهم بهزيمة اميركا وانتصار طالبان ، في حين ان اميركا لم تهزم بعد وطالبان لم تنتصر بعد . وكثيرون فرحوا لاعلان عودة امارة افغانستان الاسلامية دون ان ينتظروا ما سيلي هذا الاعلان واثره بلاد المسلمين . مشكلتنا اننا ولرغبتنا بنصرة الاسلام والمسلمين اصبحنا نهتف لكل من يرفع شعار الاسلام بيده ولو كانت يده الاخرى تحمل سكيناً تنقط منها دماء المسلمين