هل غادرت حركة طالبان كهوفها وهي تخطط للعودة لها ثانية
اللواء الركن المتقاعد هلال الخوالدة
رغم الصدمة التي يعيشها المجتمع الدولي من سرعة انهيار كافة جهودة وضياع مليارات الدولارات التي انفقت في افغانستان على البنية التحتية وتدريب وبناء الجيش والاجهزة الامنية الافغانية المختلفة للوقوف في وجه الطالبان وحماية الدولة ، الا انه تجاهل ان اهم سمة من سمات المجتمع الافغاني انه لا يقبل الغريب بينه مهما ضحى لاجلة او وقف معه بسبب التجارب التي شكلت ثقافة هذا الشعب العنيد ، إضافة الى حالة الاحباط وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي وانتشار الفقر والجوع والبطالة وانغماس الشعب اكثر واكثر في تجارة التهريب والمخدرات وانعدام الامن والاستقرار وتراجع دول التحالف عن الكثير من التزاماتها وتوجهها للخروج من الازمه الافغانية وتسليم الملف للافغان انفسهم ، وسوء تقدير لقوة الطالبان وحجم الرضى في الاونة الاخيرة بين فئات المجتمع ، مما ساعد في سرعة الانهيار والبحث عن البديل حتى لو كان طالبان وان كانوا يحملون الكثير من الظلم وتحّمل الشعب الكثير من الويلات بسببهم ، الا ان الهدف البعيد الذي يسعون الى تحقيقه لعله التخلص من الغريب وبناء وطن افغاني مستقل ،وتحقيق العيش الكريم ، وكنت قد وضعت سيناريو هو الارجح للحدوث في ما كتبت في اليوم الثالث لانهيار افغانستانفي مقالتي الاولى في شأن هذه الازمه وها انا اعود ثانية وبعد حوالي اسبوع من سيطرت الحركة على كابول لطرح هذا السيناريو مرة اخرى(استمرار حركة طالبان في ادارة البلاد في الوضع القائم حاليا ومحاولة حشد الدعم العالمي لها واظهار حسن النواياوالوعد بتقاسم السلطة لاحقا تحت ضغط الولايات المتحدة الامريكية التي تريد ان ترمم ما حصل والدول الغربية والدول الفاعلة في الاقليم والمجتمع الافغاني بكافة اطيافة وبمشاركة من السلطة الحاكمة السابقة بشكل ضعيف وغير مؤثر). ورغم استمرار التظاهرات ضد الطالبان وانتشارها في ولايات متعدده فأن المجتمع الدولي لم يعد مستعدا للانغماس في اتون افغانستان مرة ثانية مهما كانت النتيجة وسيقنع نفسه وسيعالج آثار الهزيمة التي تعرض لها بطرق اخرى كالاجتماعات الثنائية والثلاثية وعلى مستوى التكتلات السياسية والاقتصادية الاقليمية والعالمية والخروج بالتصريحات من الدول التي تسعى الى تشكيل رأي عام عالمي للاعتراف بالواقع الطالباني الافغاني والمحافظة على مصالحها او الى تحقيق مصالح سياسية واقتصادية مع افغانستان تحت ظل النظام الجديد وقد انطلقت فعلا حركة طالبان في مشاوراتها مع اعضاء من الحكومة السابقة ومشاورات مع القبائل والمجتمع المحلي واطلاق الشعارات التي تخاطب العقول الافغانية واستخدام خطباء المساجد وجميع الوسائل المتاحة للمحافظة على الوحدة الوطنية والظهور بوجه جديد ووعود بحياة افضل لجميع اطياف المجتمع الافغاني واظهار حسن النوايا ، ساعدها في ذلك بعض الرسائل الاقليمية والدولية التي كانت اولاها من خلال الصين الدولة الكبرى والتي تسعى بكل ما تمتلك ان يكون لها دور كبير في المجال الاقتصادي واستغلال العلاقات الجيدة لتحقيق ذلك على لسان وزير خارجيتها (أنعلى المجتمع الدولي تشجيع أفغانستان وتوجيهها بطريقة إيجابية، بدلا من ممارسة المزيد من الضغوط عليه) ، والموقف التركي الذي يرى ان هناك امكانية من التواصل مع الحكومة التي ستتشكل في افغانستان للمساعدة في تحقيق الامن والاستقرار، والموقف الغربي الذي اصبح يتشكل من خلال فرنسا والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وبعض الدول اضافة الى مباحثات مع روسيا والخروج برؤية مفادها ان على الحركة ان تلتزم في مكافحة الارهاب وعدم تقديم الماوى للحركات الارهابية ومكافحة تهريب المخدرات واحترام حقوق المراه وتشكيل حكومة تضم كل الاطياف الافغانية وعلى لسان وزير الخارجية الفرنسي، ومما يدعم تشكل هذا السيناريو قيام الحركة بالاتصال والتشاور مع كافة الدول التي تشعر انها شبه راضية او لها مصالح واهداف مشتركة يمكن البناء عليها مستقبلا ورسائل اخرى الى المجتمع الغربي وتطمينات بما يخص حقوق المراة والحرية والديموقراطية ... الخ واستخدام الشخصيات الافغانية المؤثرة مثل حامد كرزاي وعبدالله عبدالله ، اضافه الى استغلال التوجه الدولي لدعم المبادرة القطريه ، فهل فهمت حركة طالبان الدرس بعد كل هذه المصائب والتشرد والتدمير الذي اتى على الاخضر واليابس من الوطن الافغاني وهل نزلوا من كهوفهم وانفاقهم وهم يخططون للعودة لها مرة ثانية ، ام انها حققت ما تسعى اليه وهل تعلمت دروسا كثيرة في ادارة البلاد ام ما زالوا يحلمون بالسنين الاولى لحكمهم قبل 2001 ، وهل فعلا يسعون الى اظهار وجه جديد ويقبل بهم المجتمع الدولي ويخضع لمطالبه ويشكل حكومة جديدة بوجه جديد تضم كافة الاطياف ويعود افغانستان ويتوحد ويعم السلام وتترك طالبان سلاحها ويتم تشكيل الجيش الافغاني والاجهزة الامنية من جديد ؟ .
ارى ان طالبان ستنجح في تشكيل حكومة تشمل كافة الاطياف وبما يحقق رؤيتهم وطموحاتهم السياسية وسيتم الاستعانه بالكفاءات في الحكومة السابقة بما يخص بعض الوزارات خاصة الفنية منها وترضي القبائل الكبيرة والاقليات المهمشة وستسعى الى إرضاء المجتمع الدولي ، لكن هذه الحكومة ستاخذ الوقتالطويل في المناقشة والسعي للوصول الى الشخصيات التي تتفق مع توجهاتها اضافة الى التدرج في السيطرة على كل مفاصل الدولة والوصول الى اتفاقات بما يخص الامن الداخلي والجيش والاجهزة الافغانية المختلفة التي تركت الكم الهائل من الاسلحة والمعدات الحديثة والضرورية في حماية الامن والاستقرار واعادة هيكلتها وتشكيلها وتنظيفها بواسطة قادة موالين لهم لكن يبقى السؤال هل سيرضي ذلك الدول الكبيرة والمجتمع الدولي وهل ستقبل طالبان بشروطهم التي تتضارب مع الكثير من مبادئها واهدافها؟ .