محمد القريوتي يكتب : سُلوك المُستَهْلِك … أَساس القِياس
الاردن حالة خاصة وصلنا اليها وبكل أسف ، فالدخل الثابت من الرواتب للافراد وبمعدله العام 530 دينار شهريا لا يمكن ان يكون كافي لتغطية استهلاك الفرد والأُسرة والاصل أن يكون هو العنصر الاساسي للدخل لمواجهة الإِنفاق ، فيلجأ المواطن الى العنصر الثاني بالاهمية وهو الاقتراض من المؤسسات المالية ( بنوك وشركات تمويل ) حيث أن نسبة المقترضين الافراد من المؤسسات المالية المختلفة وصل الى 23% من مجموع القروض الممنوحة منهم والتي تبلغ حاليا 30 مليار دينار منها 26 مليار دينار تقريبا للقطاع الخاص أفراد وشركات أي أن الافراد مقترضين من البنوك قرابة 6 مليار دينار وسعر فائدة الاقتراض 9% بمعدله ، وللعلم نسبة عِبىء الدين/ الالتزام للدخل للافراد وصلت الى 67% والنسبة الصحية أن لا تزيد عن 30 % حسب المعايير العالمية. العنصر الثالث الخطير لتمويل الانفاق هو التزامات الافراد المؤجلة سواءا من المورد / البائع للسلعة أو مقدم الخدمة وهذه لا يمكن إحتسابها فكم نسبة الشيكات المؤجلة مثلا بالاسواق وبين الناس وكم جمعية قائمة بين الافراد والاسر وكم هي ديون الافراد فيما بينهم ؟ فلكم أن تتخيلوا كم سيصل عبىء الالتزامات الى الدخل في حال تم إحتسابها.
يتحدث الكثير وأنا منهم عن وجوب إعادة الموائمة والتوازن بين الدخل والالتزام وبالذات بعد التحديات التي فرضتها جائحة كورونا ، ولكن قبل ذلك علينا أن نعرف على ماذا نستهلك مكونات الدخل ؟ أولها متطلبات المعيشة من مَأكل ومَشرب ومَلبس وهذه يمكن إعادة ترتيبها لكونه لدينا سوق مفتوح ويتحكم به العرض والطلب وميول المستهلك ، ولكن ما حدث مؤخرا من تسارع في إرتفاعات غير مسبوقة لقيمة المواد الخام وأجور الشحن وتوفر مدخلات الانتاج في وقتها حال دون الوصول لهذه المرونة . ماذا عن فاتورة الكهرباء التي تضاعفت دون سابق إنذار، ماذا عن إرتفاع أسعار المحروقات هذا في ظل عدم وجود شبكة مواصلات مناسبة فإستخدام السيارة واجب لا محالة ، ماذا عن أقساط المدارس والجامعات وبالاخر تصل نسبة البطالة الى 25 % ونسبة الشباب المتعطلين 50% والذي بالاصل مسارهم أن يخرجوا الى سوق العمل بعد الدراسة لإعادة توازن دخل الأُسرة مقارنة بحجم الاستهلاك والإِنفاق، وماذا عن الضرائب والرسوم وهذه تحتاج الى وقفة كبيرة للوصول لدقة القياس !
نسبة الإِنفاق الاستهلاكي الخاص بلغت 83% من الناتج المحلي الاجمالي وبذلك يحتل الحصة الاكبر ، وعلى الرغم من أن ضريبة الافراد والموظفين والمستخدمين المباشرة تشكل 5.4% معا من مجمل الايرادات الضريبية للحكومة ولكنها تشكل 18.5% من اجمالي الضرائب بعد تحييد ضريبة المبيعات ، والاهم أن هذه الضريبة تُؤخذ من رأس الدخل واذا حَسبنا أعباء الاستهلاك/ الانفاق معها ستظهر المشكلة على حقيقتها ، فالقطاعات الاقتصادية كافة توجّه المنتج النهائي من سلعة أو خدمة الى المستهلك النهائي وهو الفرد والاسرة محملة بِكل كُلفها ، وكلما إرتفع أو إنخفض سعر هذا المنتج سينعكس أثره مباشرة على المستهلك وقوته الشرائية ودورة الدينار في السوق وتوفر السيولة من عدمها . مكونات الانتاج وكُلَفِه جزء لا يتجزأ من القدرة الاستهلاكية من حيث الأثر ، كلفة الطاقة وأسعار الفوائد وتوفير السيولة والرسوم والضرائب المباشرة والغير المباشرة وأعباء النقل وتوفر المواد الخام كلها مجتمعة تتحكم بسلوك المستهلك ، فلعلّنا نَنتبِه يا رعاك الله .
حمى الله الوطن قيادة وشعبا وأدام الله علينا نعمه .
m@alqaryouti.com