رسالة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز

العميد المتقاعد م. أحمد عيسى الحياري

مـولاي أميـر المؤمنيـن الخليفـة العـادل عمـر بـن عبـدالعزيــز ..
عندمـا شرعـت فـي قـراءة سيرتكـم الذاتيـة العـطرة .. واطلعـت علـى الإنجـازات فـي عهــد خلافتكـم قادنـي الفضـول للتَّوغُـل والإبحـار فـي كافـة السيـاسـات والايدولوجيـات التي أعتبرهـا انقلابـًا على السـلوك والأعـراف المتجذِّرة لـدى خلفـاء عصركـم .... و خلْـق الحالـة السيكولوجيـة التي عاشهـا كافـة فئـات الشـعب فـي جميـع البـلاد والولايـات المتراميـة الأطـراف شرقًـا وغربًـا التابعـة لحكمكـم ... وهـي حالـة القبـول والرضـى والطاعـة .. وبــزوغ حالـة اجمـاع عجيبـة تجلـت لـدى المؤرخيـن ودارسـو التاريـخ الذيـن اتفقـوا علـى إطلاق صفـات عديـدة لعهدكـم ( العـدل ، والمسـاواة ، والاستقـرار ، والرفاهيـة ، وحفـظ الحقــوق ) .. وغيرهـا مـن عظيـم الصفـات بمـا يخـص الشعـوب ...

ووصفـت بالزهـد والتقشُّـف بمـا يخـص الخليفـــة ..

أمـا بالنسبـة لبنـي أميـة فكانـت فتـرة قاسيــة والأصعــب ... ولـم تلقَ استحسانًـا مـن قبـل الأغلبيـة .


مـولاي أميـر المؤمنيـن ... أن مـن يقـرأ سيرتكـم وانجازاتكـم وطريقـة حكمكـم تغمـرهُ العظمــة والهِيــام لتوصلـه إلـى حالـة مـن الانبهـار لتتحــول إلـى حالـة مـن الذهـول ... فعندمـا نتذكـر أنـه لـم يكـن هنالـك آبـار نفـط فـي عهدكـم المُشـرق وان سـياسـتكـم فـي إدارة المـوارد ، والسـاسـة والولاة الذيـن عينتهـم ، والأمــانة والعــدل في توزيـع الثروات والخدمات ، ومشـاهدة الخيـر يعـم الجميــع شرقـاً وغربـاً …. هــو مـا أوصـل البـلاد إلـى حالـة الرفــاه والاكتفـاء والرِّضـى النفسـي والسيكـولوجي حتـى وصـل الأمـر إلـى تراكـم أمـوال الزكـاة وتكدسهـا لعـدم وجـود محتاجيـن .


مـولاي الخليفـة ... أريـد أن أُمعـن التركيـز علـى بعـض الإضـاءات فـي عهدكـم .. وأستميحكـم عـذرًا بعدهـا ببــث بعـض التسـاؤلات المشروعـة

︎ الاهتمـام بالشـأن الداخلـي علـى حسـاب التوسـع الخارجـي ، حيـث أنكـم أوقفتـم الفتوحـات الإسلاميـة فـي بدايـة خلافتكـم لإصـلاح الحكـم والاهتمـام بأمـور النـاس ودعـوة أهـل المناطـق المفتوحـة إلـى الإسـلام .

︎ إعـادة ممتلكـات بنـي أميـة جميعهـا إلـى خزينـة الدولـة بـدءًا بالخليفـة ، وكـان ذلـك مدعـاةً لإغضابهـم .

︎ الصـلاح والتقـوى كـان العنـوان الأبـرز للسـاسـة والولاة والعامليـن لديكـم .

︎ كانــت سيـاستكـم الماليـة تؤكـد منـع إنفـاق مـال الدولـة إلا بمـا هـو ضـروري ، وفُـرض ذلك علـى جميـع الولاة ، وكنتـم القـدوة للجميـع .. ونتـج عـن ذلـك تدفـق الأمـوال لبيـت مـال المسلميـن .

︎ اسـقاط الجزيـة عـن أهالـي البـلاد المفتوحـة ودعوتهـم للإسـلام .

" إن الله بعـث محمدًا هاديًـا ، ولـم يبعثـه جابيًـا "

︎ اسـتخدمتـم أمـوال الزكـاة وايـرادات الدولـة فـي تحسـين الخدمـات والمرافـق وزواج الشبـاب وبنـاء أعمـدة الدولـة .

︎ وفـي عهدكـم كـان للمرضـى خدمـًا يقـومون علـى خدمتهـم وكـان لكـل أعمـى خادمًـا خاصًـا .

︎ قمتـم بتأسـيس مجلـس للشـورى منـذ تعيينكـم واليـًا علـى المدينـة وسـمي " مجلـس فقهـاء المدينـة العشـرة "

︎ فـي عهدكـم مولاي تـم فـرض رواتـب للعلمـاء وكـان الاهتمـام الشديـد بتدويـن الحديـث الشريـف .


مـولاي الخليفـة الزاهـد .. هـذا جـزء يسيـر مـن الإضـاءات والإنجـازات .. ولنـا أن نتسـاءل ونسألكـم .. لـو توفـر لكـم التكنولوجيــا الموجـودة حاليـًا فـي عصرنـا فـي ظـل وجـــود العولمــة .. كيـف سيكــون الحــال !!!

• هـل إعـادة بنـاء الشـأن الداخلـي والعمـل على إصـلاحه ستكـون الأولويـة ؟

• هـل الصـلاح والتقـوى والأمانـة تسـقط أمـام العولمـة والمواكـبة للحضـارات الغربيـة ؟

• هل الاصـلاح يحتــاج الـى قافلـــة نــواب وكوكبــة أعيــان وفرقــة ديــوان محاسبــة وفصيـل هيئــة مكافحــة فســاد وحشــد لجــان إصــلاح سياسـي ؟!

• هـل ستشكـل أدوات التكنولوجيـا .. حواسـيب واتصـالات ومواصـلات وغيرهـا .. عائـقًـا فـي القضـاء علـى الفسـاد ؟

• هـل ستكـون الايـرادات والناتـج القومـي غـيـر كافيـة لإدارة وإدامـة الدولـة ؟

• هـل ستكـون سرعـة الحصـول علـى المعلومـات بشكـل دقيـق عامـل فـي تعطيـل القبـض علـى لصـوص الوطـن !


• هـل سيكـون اختيـار صانعـي القـرار وأصحـاب الولايـات ضـرب مـن التنجيـم ، لا تعـرف حقيقتهـم إلا بعـد فـوات الأوان ؟

• وأخيـــــرًا .. مــاذا ستكـون التكنولوجيـا والعولمـة ؟.. لـكَ أم عليـك !!!


مـولاي الخليفــة العـادل الزاهـد .... لـم تصـل فتـرة حكمكـم إلـى ثلاثيــن شهــرًا ... ولكــن التـاريخ عجـز عـن الإحاطـة بكافـة الإنجـازات .... وأكدتـم بالدليـل القاطـع أن الإصـلاح وتغييـر النهـج وإفشـاء العـدل والرفـاه يحـدث حـال توفـر النيـة الصادقــة والإرادة ... ومهمـا صغــرت الإمكانـات والأدوات .. وضيــق المـدة الزمنيـة .... فلـن يقــف شـيء فـي الطريــق ...

مـولاي الخليفــة عمــر بن عبـد العزيـز ... جـزاك الله عنـا وعــن أمـــة الإســلام خيــر الجَّــزاء