كلام في المحظور / الفتن ما ظهر منها وما بطن


تاريخ الاردن مليئ بالمؤامرات التي حكيت ضده ، والتي وصلت لمحاولات الانقلاب على النظام ، او محاولات الاغتيال . او اثارة الصراعات الداخلية فيه وخاصة في زمن الربيع العربي . وقد استطاع الاردن بفضل قيادته الهاشمية ووعي مواطنية واجهزته الامنية من التغلب على جميع هذه المؤامرات والقضاء عليها . ثم كانت حرب الاشاعات والفيديوهات المفبركة التي كان يطلقها الطابور الخامس ، ومعارضات الخارج واكاذيبهم والتي قد تكون قد اوقعت بعض المواطنين في حبائلها بعض الوقت ولكن ليس كل الوقت . ثم كانت صفقة القرن والمحاولات التي جرت لجعل الاردن احد اركانها ، وجعله الوطن البديل للشعب الفلسطيني الشقيق . لكن صمود الاردن واعلانه عن ثوابته ، والمتمثلة بضرورة عودة اسرائيل الى حدود ما قبل الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ ، وانهاء الاحتلال الاسرائيلي ، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، وايجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الاممي ١٩٤ . واعلان جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين عن لاءاته الثلاث وهي لا للتوطين ، لا للوطن البديل لا لصفقة القرن . ونعم للدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية ، ونعم للتمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية فيها ، سبباً في الكثير من المؤامرات التي حاكتها عليه الادارة الامريكية الجمهورية السابقة بقيادة ترامب مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق بنيامين نتنياهو ، وحالة العزلة التي حاولوا ان يفرضوها على الاردن ، والتي رد عليها جلالة الملك بقطع كل اتصالاته مع نتنياهو ، والتي كانت نتيجتها سقوط ترامب وادارته وتلا ذلك سقوط نتنياهو وادارته . وما نتج عن ذلك من اعلان وفاة صفقة القرن عملياً قبل تطبيق اي بند من بنودها ، سبباً في قيام العديد من الاطراف الخارجية التي ارادت ان تصفي حساباتها مع الاردن وبالتعاون مع بعض الاطراف الداخلية للاسف بمحاولات لاثارة فتنن فيه بهدف أضعاف صموده وتفتيت وحدته ، وربما جره الى صراعات واقتتال داخلي يقضي على الدولة الاردنية او يضعفها ويغير ثوابتها
وكانت اكبر الفتن واخطرها واكثرها ابعاداً هي ما أصطلح على تسميتها بالفتنة الداخلية ، والتي اسفرت في البداية عن توقيف سبعة عشر مواطناً اردنياً بالاضافة الى الاردنيان كل من الشريف ( عبد الرحمن حسن ) زيد حسين ، ورئيس الديوان الملكي الاسبق باسم إبراهيم يوسف عوض الله ، والتي اشارت الى دور لسمو الامير حمزة فيها . كما تم تداول تسريبات عن ادوار لبعض القوى الاقليمية والدولية فيها. والتي اسفرت عن تسوية موضوع سمو الامير حمزة داخل الاسرة الملكية بناء على رغبة جلالة الملك ، ، وقام بهذه المهمة سمو الامير الحسن . كما تم الافراج عن جميع الموقوفين الاردنيين بهذه القضية بتوجيهات من جلالته باستثناء الشريف وباسم عوض الله لدورهما الكبير في الفتنة ، واللذان تمت احالتهما لمحكمة امن الدولة . وانا لا اريد ان اتحدث عن هذه القضية باكثر من ذلك وما سبق وان كتبته عن مبررات قرار محكمة امن الدولة من رفض دعوة سمو الامير حمزة وغيره كشهود في هذه القضية . وذلك لان هذه القضية هي الآن بين يدي القضاء ، وهو صاحب الصلاحية في التحدث عنها واصدار قراراته بها . ولكن ما استطيع ان اقوله انه لو لم يتم وئد هذه الفتنة منذ بدايتها لكان سيترتب عليها شرخ كبير بين مكونات الشعب الاردني وخاصة مع عشائره التي نعتز بها ، والتي كان الهدف من هذه الفتنة توريطهم بها . الا ان وعيهم ويقظتهم حالت دون ذلك .
الا ان هذه الفتنة كانت ولا زالت الموضوع الاهم على صفحات التواصل الاجتماعي وخاصة من قبل المشككين في صحتها والطاعنين في إجراءاتها وسلامتها . حيث شكك الكثيرون في صحة وقائعها من لحظتها الاولى . كما شككوا بالاجراء الذي تم داخل الاسرة الملكية الهاشمية لمعالجة قضية سمو الامير حمزة . وحتى شككوا بمكان وجوده رغم ظهوره على شاشات التلفزة اثناء احتفالات المملكة بمؤيتها الاولى . ثم استمر التشكيك بإجراءات المحاكمة التي تمت على خلفية هذه الفتنة . وبعض المشككين هم من الذين كانوا يتمنون نجاحها ، وبعضهم من الذين يتمنون نشر الفوضى والانقسام داخل الاردن .
ورغم ثقتي بصحة كل تفاصيل هذه الفتنة بما فيه القليل الذي اعلن عنها ، والكثير الذي اعتقد انه لم يعلن عنه لمقتضيات تطلبتها مصلحة الدولة الاردنية العليا ، الا انني لا املك الا ان اقول انه كانت هناك الكثير من نقاط الضعف فيما تم تقديمه فيها ، وفيما تم اخفائه ، وفي بعض إجراءات المحاكمة ، مما قدم سلاحاً للمشككين والحاقدين لنشر سمومهم وزرع الشكوك بالرواية الرسمية ، ومما قد يسبب ضرراً للدولة الاردنية اكثر واخطر من الضرر الذي كان من الممكن ان يحدث لو كشفت كل الاوراق وقدمت كل المعلومات والبراهين .
ثم كان ما حصل مع النائب السابق اسامة العجارمة والتي حاول البعض ان يحولها لقضية عشائرية في مواجهة النظام ، وخاصة مع مواقف بعض الاشخاص من الطابور الخامس ، او ممن لهم مواقف سابقة بمعارضة النظام واظهار انفسهم بأنهم يتحدثون باسم عشائرهم ، والذين اعلنوا مبايعتهم له في مواقفه واقرارهم بقيادته لهم . ولكن وعي واخلاص وانتماء عشائرنا الاردنية الاصيلة ، افشلت هذه المحاولة واظهرت ان النائب السابق يقف وحيداً في الميدان وخاصة وبعد ان تخلى عنه من سبق وان التفوا حوله بعد ان تبين لهم حقيقته .
وبهذا فقد استطاع الاردن خلال هذه الفترة الاخيرة تجاوز حادثتان كانتا تستهدفان الايقاع ما بين النظام والعشائر الأردنية والتي هي اعمدة بيت هذا النظام ومن اركانه . وما بينهم وما بين بيقية مكونات الشعب الاردني .
الا ان اللعب على هذا الوتر لم يتوقف . حيث يجري الآن استغلال الحديث الجاري عن وضع مشروع قانون جديد للانتخابات من قبل اللجنة الملكية المشكلة لهذه الغاية ، ليكثر الحديث عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن نصوص لهذا المشروع وضعت من قبل بعض الناشطين على هذه الوسائل او من قبل بعض الجهات والجماعات ذات الاهداف والاغراض الغير نبيلة ، ومن شأن بعض هذه النصوص لو اخذ بها الاخلال بالتركيبة السكانية في الاردن ، وذلك من خلال الدعوات لزيادة مقاعد الدوائر الكبيرة على حساب تقليل المخصصة للدوائر الكبيرة المساحة والقليلة السكان ، والتي تعاني من الاساس من التهميش والفقر والبطالة . والمطالبات بالغاء الكوتات ، وزيادة المقاعد المخصصة للاردنيين من اصول فلسطينية على حساب المقاعد المخصصة لابناء العشائر الأردنية . وذلك بهدف شرخ الشعب الأردني الواحد ، وربما لحساب تنفيذ الخيار الاردني وذلك بعد النصر الاعلامي الذي حققته حركة حماس في العملية التي اطلقت عليها معركة سيف القدس فيما اطلقت عليها السلطات الصهيونية معركة حماية الاسوار . والشعبية الكاسحة التي تمتعت بها حركة حماس داخل الضفة الغربية وبين افراد الشعب الاردني وخاصة بين ابناء عشائره . ولربما كان هذا هو الهدف الحقيقي من وراء هذه العملية . وفي محاولة للاخلال بسعي جميع مكونات الشعب الاردني الى الاتفاق على قانون انتخاب واحد متوازن يرضي الجميع وينصف الجميع ومن شأنه افراز مجالس نيابية قوية تعمل على خدمة جميع مواطنيه .
ثم جاء استغلال زيارة جلالة الملك للمزارات الدينية في بلدة مؤتة ، عشية سفره الى بغداد للمشاركة في مؤتمر القمة الثلاثي بمشاركة العراق ومصر والاردن ، واطلاق مشروع الشام الجديد ، وما تضمنه هذا المشروع من خطط واعدة لمشاريع اقتصادية متعددة بين هذه الدول ، والتي من شأنها تحسين الاوضاع الاقتصادية فيها من خلال مشاريع تكاملية ، وخلق الكثير من فرص العمل الجديدة لشعوب هذه الدول . وذلك من خلال الترويج ان هدف هذه الزيارة هو فتح المجال للسياحة الدينية للشيعة في هذه المنطقة . حيث اخذ انصار النظام السوري وحزب الله وايران وتنظيمات شيعية اخرى للترويج لهذه السياحية لخدمة اهداف سياسية ودينية مذهبية لهذه الاطراف ، او لاثارة المخاوف من هذه الخطوة لدى الشعب الاردني والذي انبرى الكثيرين منه للتحذير منها ، والتي وحسب رأيهم سوف توقع الاردن تحت السيطرة الايرانية وتحويله الى دولة شيعية . مع انني اعتقد ان الهدف من نشر هذه الاستنتاجات والاخبار غير الموثقة ، هو افشال مشروع الشام الجديد من قبل هذه الاطراف التي ذكرتها لمعارضتها له ، لأن من شأنه ان يرفع القبضة الايرانية عن العراق ، وتقوية هذه الدول في مواجهة المخططات الايرانية والشيعية الموالية لها والتي تسعى لفرض هيمنتها على دول المنطقة .
وليست هذه هي كل الفتن التي أثيرت في الاردن مؤخراً وفي اوقات متقاربة ومشبوهة ، ولن تكون الاخيرة ، وخاصة مع وجود تيار لدينا جاهزاً للقيام بما يطلب منه لتحقيق ذلك ، ولو على حساب مصلحة الوطن .

مروان العمد
٢٤ / ٧ / ٢٠٢١