إضاءة على كتاب التراث الشعبي في مدينة معان للباحث عبدالله آل الحصان

- جواد الخضري 

  لَعَلَّ مِنْ أَكثَرِ المَوَاضِيعِ الَّتِي تَحظَى بِقَدرٍ كَبِيرٍ مِن الِاهتِمَامِ؛ مَوضُوعُ التُّرَاث الشَّعبِيّ الأُردُنِّيّ، خَاصّةً بَعدَ ابتِعَادِ الكُتَّابِ وَالبَاحِثِين وَالمُؤَرِّخِين فِي هَذَا الْمَجَالِ عَنهُ، أَو يُمكِنُ القَولُ بِأَنَّ الجِيلَ القَدِيمَ الَّذِي وَضَعَ أُسُسَ وَقَوَاعِدَ حَافَظَت عَلَى تُرَاثِنَا الشَّعبِيّ مِن الضَّيَاعِ مِنْ خِلَالِ التَّدوِينِ وَالدِّرَاسَةِ - هُوَ الَّذِي شَجَّع الشَّبَاب بِشَكلٍ فَردِيّ لِلمُحَافَظَةِ عَلَى تُرَاثِنَا- ، فَلَم تَعُد تَحفُلُ المُؤَسَّسَاتُ العِلمِيَّةُ وَالوِزَارَاتُ وَالمُسَابَقَاتُ بِالتُّرَاثِ كَمَا كَانَ سَابِقًا لِلأَسَفِ، بَل تَعتَبِرُهُ هَامِشِيٌّ غَيرَ أَسَاسِيٍّ وَهَذَا خَطَأ، مَا جَعَلَ هُنَاكَ فَجوَةً سَاهَمَت فِي قِلَّةِ الدِّرَاسَاتِ وَالأَبحَاثِ الَّتِي تَنَاوَلَتْ التُّرَاث الأُردُنِّيّ بِشَكلٍ عَامٍّ عَلَى الرَّغمِ مِنْ ارْتِبَاطِهِ بِالهُوِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ.

   "التراث الشعبي في مدينة معان" هُوَ عُنوَانُ هَذَا الكِتَاب الجَدِيد المُشَوِّق الَّذِي يَقَعُ فِي 396 صَفحَةً مِنْ القِطَعِ المُتَوَسِّطَةِ، تَنَاوَل فِيهِ عبدالله آل الحصان - الَّذِي يُعَدُّ وَاحِدًا مِنْ أَبرَزِ الشَّبَابِ البَاحِثِينَ فِي الشَّأْنِ التُّرَاثِيّ الأُردُنِّيّ - مَوضُوعُ التُّرَاث الشَّعبِيّ الأُردُنِّيّ بِطَرِيقَةٍ عِلمِيَّةٍ مَدرُوسَةٍ. 

   فِي هَذَا العَمَلِ الَّذِي يَزخَرُ بِمَعلُومَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، يَكشِفُ آل الحصان لَنَا جَوَانِبَ مُتَعَدِّدَةً مِنْ التُّرَاثِ الشَّعبِيِّ الأُردُنِّيِّ، وَكَيفَ لَعِبَ المَوقِعُ الجُغرَافِيُّ الإِستِرَاتِيجِيُّ لِمَدِينَةِ مَعَان دَورًا أَسَاسِيًا فِي فَتَرَاتٍ زَمَنِيَّةٍ مُختَلِفَةٍ عَلَى جَمَالِيَّةِ وَتُنَوُّعُ تُرَاث مَعَان الشّعبِيِّ، مَا سَاهَمَ فِي تَصدِيرِ وَاِستِيرَادِ ثَقَافَاتٍ مُختَلِفَةٍ انصَهَرَت فِي ثَقَافَةٍ وَاحِدَةٍ.

تَتَنَاوَلُ هَذَهِ الدِّرَاسَةُ الَّتِي صَدَرَت مُؤَخَّرًا بِدَعمٍ مِنْ وِزَارَة الثَّقَافَة، ضِمنَ سِلسِلَةِ فِكر وَمَعرِفَة، جَوَانِبَ مُتَعَدّدَةً مِنَ التُّراثِ الشَّعبيِّ فِي مَدِينَةِ مَعَان وَهُوَ جُزءٌ مُهِمّ لا يُستهانُ بِهِ مِنَ التُّراثِ الشَّعبيّ الأُردُنيّ بِمُكوِّنَاتِهِ الغَنِيَّةِ الَّذِي يَرتَبِطُ ارتِبَاطًا وَثِيقًا بِالهُوِيَّة الوَطَنيَّةِ مِنْ خِلَال تَقدِيمهِ لِلأَجيَالِ القَادِمَة عَلَى نَحوٍ يليقُ بِهِ، وَذَلِك بالاعتِمَادِ عَلَى العَدِيدِ مِنَ المصَادِر وَالمَرَاجِع وَالدِّرَاسَاتِ المُتَخَصِّصَةِ وَالعَمَل المَيدَانيّ الَّذِي استَمَرَّ لِعَشرِ سَنَواتٍ مِنْ خِلَال جمع المَعلُومَات التُّراثِيَّة وَالمُقَابَلات مع كِبَار السِّن حَفَظَت هَذَا التُّراث مِنَ الجِيلِ القَدِيم الَّذِي يَعِيشُ بَينَ ظَهرَانَينَا، ثُمَّ العَمَل عَلَى تَسجِيل هَذِه المَعلُومَات وَفَرزُهَا وَتبويبها، ثُمَّ مُقَارَنَتُهَا بهَذِه المَرَاجِع لِتَعزِيز الصَّحِيح وَلتَصوِيب الخَاطِئ مِنهَا، أو التَّوَسُّع فِي مَوَاقِع عَدِيدَة لَمْ تأخُذ حَقّهَا بالتوثيق وَالمُتَابَعَة.

   ويُوضِّحُ آل الحصان كَيفَ يُمكِنُ للمتغيراتُ وظُرُوفها فِي التقليدِ والابتكَارِ والإنفراد فِي نهايةِ القَرنِ التَّاسِع عَشَر وبدايةِ القَرنِ العِشرين نَتِيجَة عِدَّة عَوَامِل سَاهمت فِي تَكوينِ التُّراثِ الشَّعبيّ فِي مَدِينَة مَعَان.

   يُسَلِّطُ الْكِتَابُ الضَّوءَ عَلَى تَارِيخِ مَعَان وَالنِّظَام الإِدَارِيّ خِلَالَ فَترَةِ الحُكمِ العُثمَانِيّ وَالأَحوَال المَعِيشِيَّةِ وَاصِفًا بُيُوتَهُم وَأَزيَائَهُم وَالتَّعلِيمَ عِندَهُم وَمُعتَقَدَاتِهِم الشَّعبِيَّة، وَالرَّيِّ وَالزِّرَاعَةِ، وَصِنَاعَاتِهِم وَتِجَارَتِهِم المَشهُورَةِ فِي سُوقِ مَعَان مَعَ القَبَائِلِ المُجَاوِرَةِ لَهُم وَالقَبَائِلِ الَّتِي تَمُرُّ بِهَا إِلَى الجَزِيرَةِ العَرَبِيّةِ وَبِلَادِ الشَّام.

   وَيَتَطَرَّق آل الحصان إلى طُقُوسَ الأَعرَاس فِي مَدِينَةِ مَعَان، وَالأَغَانِي وَالرَّقَصَاتِ الشَّعبِيَّةِ الَّتِي امتَازَت بِهَا المَدِينَةُ دُونَ غَيرِهَا، وَالأَلعَابُ الشَّعبِيَّةُ، وَالحَيَوَانَات وَالطُّيُور، وَغَيرِ ذَلِكَ فِي دَورَةِ الحَيَاة مِن المِيلَادِ وَحَتَّى الوفاة فِي هَذَا الكِتَاب مِنْ خِلَالِ استِعرَاضِ كُلِّ ذَلِكَ عَلَى سِتَّةَ عَشرَةَ فَصلٍ.

   وَبَيَّنَ البَاحِث أنَّ مَوقِعَ مَعَان الاسترَاتيِجيَّ لَعِبَ دورًا هَامًّا فِي تَكوِينِ تُراث شَعبيّ تمَيَّزَت بِهِ المَدِينَةُ دُونَ غَيرِها لارْتِبَاطِهَا تَارِيخيًّا بِقَوافِلِ حُجّاجِ بَيتِ اللهِ الحَرَامِ وَعَلاقاتِهَا التِّجارِيَّةِ المُتَنَوِّعَةِ، وَالمُكَوِّنُ الإِجتِمَاعِيُّ الَّذِي تَمتَازُ بِهِ مَعَان، نَاهِيكَ عَنْ تَعَاقُبِ العَدِيدِ مِنَ الحَضَاراتِ عَلَيها، وَكَذَلِكَ تَأثِير اللُّغاتِ المُتَعَدِّدَةِ، حَيثُ يتجلى هَذَا بِشَكلٍ واضِحٍ فِي تُراث المَدِينَة الغَنيّ وَالمُنَوَّع الَّذِي يَروِي تَارِيخَ المَدِينَة العَرِيقَة.

   هَذَا الْكِتَاب، إِضَافَةٌ نَوعِيَّةٌ لِلمَكْتَبَةِ الأُردُنِّيّةِ وَالعَرَبِيّةِ، وَهُوَ لَا يَعنِي مَدِينَةَ مَعَان وَتُرَاثِهَا فحسب؛ بَل يُغَطِّي مِسَاحَةً كَبِيرَةً مِن التُّرَاث الثّقَافِيّ الأُردُنِّيّ كَهُوِيَّةٍ جَامِعَةٍ غَيرِ فَرعِيّةٍ، إِذ أَنَّ مُؤَلِّفَهُ عَمِلَ فِي الصِّحَافَةِ وَالْإِعلَامِ لِسَنَوَاتٍ عَدِيدَةٍ، وَتَنقَلَ بَينَ الأَهَالِي وَنَقلَ مَطَالِبِهِم وَهُمُومِهِم، وَهُوَ إِبنُ مَعَان تِلكَ المَدِينَة العَرِيقَة، مَا سَاهَمَ فِي التَّعَمُّقِ فِي البَحثِ وَالِاستِرشَادِ بِشَكلٍ كَبِيرٍ، وَتَوضِيح هَذَا التُّرَاث لِلجِيلِ الجَدِيدِ مِنْ تِلكَ المَدِينَةِ الَّتِي تُشَكِّلُ رُكنٍ أَسَاسِيٍّ مِنْ هَذَا الوَطَن.

شُكرًا وِزَارَة الثَّقَافَة عَلَى دَعمِ البَاحِثِينَ الشَّبَاب فِي الشَّأْنِ التُّرَاثِيّ، وَلَعَلَّ هَذَا الكِتَاب وَغَيرَهُ، يَكُونُ دَافِعًا لِإِيجَادِ سِلسِلَةٍ خَاصّةٍ بِالتُّرَاثِ الأُردُنِّيّ تُصدِرُهَا الوِزَارَة وَتُشرِفُ عَلَيهَا سَنَوِيًا، بِالتَّعَاوُنِ مَعَ البَاحِثِين وَالجَامِعَات وَالهَيئَات الثَّقَافِيّة.