كلام في المحظور .. هل حقاً هناك من يريد الاصلاح في الأردن؟ 1

قد يكون هذا العنوان صادماً للجميع ، وقد يكون ما سوف ادرجه تحته من حديث صادماً اكثر منه . فالجميع في الاردن الآن يتحدث عن الاصلاح ، الحكومة قبل الشعب ، الموالاة قبل المعارضة ، والمحافظون قبل الاصلاحيون ، والانتهازيون قبل المخلصون . والكل يدعوا للاصلاح وينادي به . لكن هل هناك فعلاً من يريد الاصلاح ؟ وهل هناك فعلاً من يعمل من اجل لاصلاح ؟

هذا ما سوف اتحدث عنه على حلقات . اما سبب حديثي فهو ما قام به جلالة الملك من تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومات السياسية والتي ستكون مهمتها وضع مشروع قانون للانتخابات وآخر لقانون الاحزاب ، والنظر بالتعديلات الدستورية المتعلقة حكماً بهما . وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للادارة المحلية ، وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار ، وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور الشباب والمرأة في الحياة العامة بعيداً عن الاسس التشريعية المتبعة لوضع مثل هذه القوانين والتشريعات . وقد جاء قرار جلالة الملك بتشكيل هذه اللجنة كخطوة لتحقيق الاصلاح الحقيقي بعد ان عجزت الجهات المعنية عن تحقيق ذلك . وسوف اتحدث عن هذه الجهات ودورها بهذا التقصير .

وستكون البداية الحديث عن الحكومة صاحبة الولاية وصاحبة الاختصاص بوضع مشاريع القوانين . وبالرغم من انني غير معتاد على الحديث عن الحكومة بشكل عام ، ولم اكن يوماً عدواً او معارضاً لها ، الا انني لم اكن محسوباً عليها كما يعتقد البعض . وكنت انتقد ما يستحق الانتقاد بحقها وكنت اثمن ما يستحق ذلك ، وكنت اتفق مع النقد البناء لما تقوم به واعارض الهجوم الهدام الذي كانت تتعرض له . وانا عندما استخدم كلمة الحكومة لا اعني الحكومة الحالية فقط وانما كل الحكومات السابقة ايضاً . وما سوف اتحدث عنه لن اتعرض فيه الى فساد الحكومات ولا الى بيع مقدرات الوطن من قبل هذه الحكومات والذي لا انكره ولكنني بنفس الوقت لا اصدقه كله ، لان ذلك سوف يدخلني في متاهات كثيرة وكبيرة ، لما فيه من مبالغات وتهويل ، وخاصة ما كان يصدر عن اشخاص كانوا يعملون في الشركات والمؤسسات التي تم تخصيصها ، او تلك التي حدث فيها الفساد ثم تركوها . وخاصة ان هذا الحديث كان بعد خروجهم او اخراجهم منها مما يدخل بعضه في دائرة تصفية الحسابات او الظهور بمظهر الحريصين على مصلحة هذه الشركات والمؤسسات وبالتالي مصلحة الوطن ، مع ان بعضهم قد ابعدوا عنها لفشلهم في عملهم او لارتكابهم هم قضايا فساد . وتلك الفئة الاخيرة هي الاكثر حديثاً عن هذا الفساد والاشد هجوماً على الحكومة وعلى ادارات هذه الشركات والمؤسسات . قد يبدو كلامي هذا هرطقة ولكنه حقيقية كحقيقة نظريات جاليليو . وقد يبدو زندقة والحاد ولكنه حقيقي كحقائق افكار البيروني وابن المقفع وجابر بن حيان وابن رشد وابي العلاء المعري وغيرهم كثيرون .

ولكني سوف اتحدث عن عجز الحكومات وفشلها في القيام بواجبات عملها . وان هذا العجز والفشل هو الذي اوصلنا الى ما نحن فيه . وانه لا توجد لدى هذه الحكومة اي نية للاصلاح .

وبداية فأن كل كتب التكليف الملكي السامي لاحد الشخصيات لتشكيل حكومة جديدة كانت تتضمن توجيهات لاتخاذ خطوات في طريق الاصلاح ومعالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين ، وضرورة تطوير القوانين والتشريعات الناظمة لحياة الشعب لما فيه خيرهم . وكان جلالة الملك يكرر توجيهاته لهذه للحكومات بين الحين والاخر وبلهجة حادة احياناً. وعندما كانت تعجز هذه الحكومات عن القيام بذلك ، كان يكلف غيرها بهذه المهمة . كما اصدر جلالته اوراقه النقاشية السبعة والتي لو تم العمل بها من قبل هذه الحكومات لما وصلنا الى هذا الحال ولتم حل جميع مشاكلنا . الا ان اياً من هذه الحكومات لم تتقدم خطوة واحدة على هذا الطريق .

وفي نظري فأن هذا يعود الى ان الحكومات في الاردن لا تشكل نسيجاً منسجماً لديه برنامج عمل معين وخطط وسياسات تهدف الى تحقيقها . وان الرئيس المكلف يجد نفسه ملزماً بمراعاة المحاصصة المناطقية والعشائرية . حيث ان عليه ان يرضي جميع المحافظات والعشائر من خلال تشكيلة وزارته ، بالاضافة الى ارضاء ذوي القربى والخلان والاصدقاء والانسباء . كما ان هذا التعين على الاغلب لا يراعي التخصص والخبرة . ولذلك نجد ان الوزير قد هبط على وزارته بالبرشوت وليس لديه اي فكرة عن عملها ، مما يقود الى فشله في ذلك لو حاول . بالاضافة الى ان البعض يجد بهذا المنصب تشريفا وليس تكليفاً ولا نلمس له اي بصمة ايجابية في وزارته .

لهذا نجد ان هذه الحكومات كانت عاجزة عن انجاز اي خطوات اصلاحية حسب التوجيهات الملكية لها ، بل على العكس من ذلك فأن سياساتها وتصرفاتها تسببت في زيادة الاوضاع في الاردن سوءاً ، وزيادة نسبة البطالة والفقر ، وزيادة المديونية الى ارقاماً قياسية . ونجد انها اتخذت الكثير من القرارات الخاطئة او لم تتخذ قرارات كان عليها ان تتخذها . كما نجد التضارب في القرارات التي تتخذها ، واختفائها وقت الازمات . واكثر من ذلك اعتمادها على جيب المواطن لتغطية عجزها عن توفير ايرادات الميزانية او سد عجزها او تبذيرها .

كما ان هذه الحكومات فشلت في محاربة الفساد وهدر مقدرات البلاد ، ان لم يكن البعض منها من مارس الفساد ورعاه .

ولم تفلح التعديلات الكثيرة على هذه الوزارات وكثرة تغييرها باحداث اي فارق في هذا المجال ، مما تسبب في خلق فجوة كبيرة بين المواطن وهذه الحكومات وصلت الى مرحلة عدم الثقة المطلقة بها . وساهم في عدم الثقة هذه غياب السياسة الاعلامية الواضحة والصريحة وكثرة التناقضات التي يقع بها الاعلام الرسمي ، وعجزه عن تغطية الاحداث الداخلية بكل شفافية ووضوح . وعدم مقدرته للتصدي للاعلام المعادي و للاشاعات والاخبار الكاذبة التي كان البعض يروج لها بهدف المساس باستقرار الامن في الاردن ونشر حالة من عدم اليقين بين افراد الشعب الاردني . وفشلها في تحقيق اي تنمية حقيقية في اي مجال . ناهيك عن اغراقها البلاد في الديون والمشروعات الفاشلة

وزاد على ذلك سياسة التعينات التي مارستها تلك الحكومات . وذلك اما من خلال خلق مؤسسات مستقلة لا داعي لها ، وتعين اشخاص بها برواتب لا يستحقونها . او من خلال سياسة شراء الخدمات حيث تم شراء خدمات لاشخاص لا يملكون الخبرة ولا المقدرة المميزة وبرواتب فلكية وباعمار صغيرة لانهم ابناء فلان او علان .

كما ان هذه الحكومات لم تلتزم في الكثير من الاحيان بالاسس التي تضمنها نظام التعيين في الوظائف القيادية ، وقيامها بالتحايل عليه من اجل تعين من يريدون تعينه بهذه الوظائف . ثم تم اضافة بند لهذا النظام يتيح لمجلس الوزراء تعين من يريده لهذه الوظائف في حالات معينة كما ورد بالنص ، وفي الحالات التي تريدها هي كما في الواقع . حيث جرى تعيين الكثيرين بهذه الطريقة ودون اجراء اي اختبارات او مسابقات ولاشخاص لا تتوفر بهم حتى متطلبات الحد الادني من الشروط والوصف الوظيفي لهذه الوظائف ، بالرغم من وجود من هم اجدر منهم لتولي هذه الوظائف .

وفي الوقت الذي كنا نتوقع معالجة هذا الخلل في التعينات ، صدر مؤخراً نظام جديد للتعيين فيها زاد من صلاحيات الحكومة في اجراءات التعيين وايصال من تريد من المرشحين لهذه الوظائف ، مع احتفاظ مجلس الوزراء على حقه في التعيين المباشر لها من غير الالتزام بأي بند من بنود هذا النظام .

كما مارست الحكومات سياسة شراء بعض الاصوات المعارضة و تعينهم كوزراء او مدراء دوائر مستقلة او في وظائف قيادية دون توفر اي مقومات فيهم لشغل هذه الوظائف . ولو كان الهدف من تعين اشخاص من المعارضة هو بهدف اشراكها في تحمل المسؤولية وتحسين الاداء الحكومي وكخطوة في سبيل الاصلاح المطلوب لكان هذا الاجراء محل ترحيب وتقدير . ولكن من كان يتم تعينهم هم ممن كانوا يمارسون المعارضة للوصول لهذا الهدف ، والدليل على ذلك انهم لم يدخلوا الاصلاح المأمول بعد تعينهم، بل على العكس من ذلك فقد اخذوا يمارسون نفس التصرفات التي كانوا ينتقدونها اثناء وجودهم على مقاعد المعارضة . وكان هذا على حساب اصحاب الولاء المجاني الذين نذروا انفسهم لخدمة النظام والدفاع عن الوطن ، وكأن الحكومة بذلك تدفعهم دفعاً لآن يتحولوا الى صفوف المعارضة . وكأن الحكومة تدفع المواطنين جميعاً ليصبحوا في صفوف المعارضة .

يضاف الى ذلك سياسة المداورة في الوظائف العليا ، فما ان يتم خروج احد الوزراء او المدراء او كبار المسؤولين من مواقعهم ولا تكاد تمضي فترة قصيرة حتى يتم تعينهم في مناصب ليست لهم علاقة بها ، وكانها جوائز ترضية لهم بالرغم من ان خروج بعضهم من مواقعهم السابقة كان بسبب تقصيرهم في القيام بواجباتهم او فشلهم فيها ، او بسبب حالات فساد او تقصير . وذلك بدلاً من ان يتم يعين السفراء من ملاك وزارة الخارجية ، والمحافظين من ملاك وزارة الداخلية ، ومدراء الدوائر من العاملين بها ، وكذلك الشركات والمؤسسات التي تملك الحكومة او احدى الجهات التابعة لها صلاحية تعيين مدراءها . ومن غير ان يكون لمن يتم تعينهم اي خبرة او دراية او مقدرة على تولي الوظائف التي تم تعينهم بها ، او يكون التعيين للاصحاب والخلان ، او كجوائز ترضية ، او لاسكات بعض الاصوات وشراء بعض الولاءات . في الوقت الذي يبحث فيه الشباب عن فرصة عمل توفر لهم الحد الادنى من الدخل ومتطلبات الحياة . وفي الوقت الذي تتحطم فيه احلام اصحاب الكفاءات والاستحقاق من ان ينالوا ما يستحقون من المراكز ، مما كان يزيد من ارتفاع حالات عدم الرضى على هذه الحكومات . ومما كان يؤكد ان هذه الحكومات غير معنية بالقيام بأي اصلاحات من التي كان يطلب جلالة الملك القيام بها ، او تلك التي يطالب بها المواطنين على اختلاف شرائحهم . ولذا كان تشكيل اللجنة الملكية للاصلاح لعلها تستطيع تحقيق ما لم تقوم بتحقيقه هذه الحكومات .
يتبع