إثيوبيا قاعدة للصهيونية العالمية..
الأكاديمي مروان سوداح
في آذار المنصرم للعام الحالي 2021، أعلنت أديس أبابا وتل أبيب عن توقيعهما اتفاقية للتعاون الإستراتيجي، استكمالًا لاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة قبلها في مجالات عدة، ما يكشف عن عُمق العلاقات التوسعية التي تربط بينهما، ضمنها التدريبات التي يُجريها الطيارون العسكريون الصهاينة في الأجواء الإثيوبية الواسعة التي تفوق سعتها مساحة فلسطين التاريخية بمئات المرات.
بالتالي، واستنادًا إلى الوجود العسكري الصهيوني القديم المتجذر في أديس أبابا ودعم الصهيونية المطلق لإثيوبيا، تبدو هذه الدولة الإفريقية أمام العالم شريكة حتى النخاع في جرائم الصهيونية ضد العرب وفي مواجهتهم جميعًا، للنيل من قضيتنا الفلسطينية المقدسة، وللإضرار بمصر العروبة والتاريخ والدور السياسي العربي والإسلامي والعالمي. ولهذا نُدرك أن كل ما تقوم به أديس أبابا ضد مصر مائيًا بما يتصل بسد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، إنما هو تهديد وقح ومباشر للاقتصاد والزرعة والشعب المصري واليد العاملة المصرية، ويأتي ضمن التنسيق العسكري والأمني والسياسي بين إثيوبيا والحركة الصهيونية العالمية وكيانها المُصطنع غربيًا في فلسطين الجريحة، لافتعال مشكلات مائية وأمنية متتالية على امتداد المستقبل لجمهورية مصر العربية، وهو ما يكشف أيضًا عن عُمق وخطر التغلغل الصهيوني الدولي وليس (الإسرائيلي) فحسب، في مفاصل الدولة الإثيوبية سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا وحتى في أوساط المنظمات والهيئات الإثيوبية الاجتماعية وغير الرسمية أيضًا، ما يُشير إلى أن ما مَكث طويلًا في العتمة البرانية خلف أبواب إثيوبيا والتمدد الصهيوني منذ سنوات طويلة خلت، إنما هو استهداف شامل ومقصود لمصر والعرب أجمعين، فلن يوفّر التحالف الإثيوبي - الصهيوني بلدًا عربيًا واحدًا من شروره في خضم سعيه للاستحواذ على منطقتنا بأكملها وكل ما في أرضها ومائها وسمائها من خيرات.
الاتصالات الرسمية بين (إسرائيل) وإثيوبيا بدأت سنة 1954، وتصاعدت بافتتاح سفارة العدو في أديس أبابا في بداية الستينيات، ومنذ ذلك الزمن لم تتوقف الآلة العسكرتارية - السياسية الصهيونية عن تزويد إثيوبيا التوسعية بالكثير من الأسلحة والعتاد والمعلومات الاستخبارية، وأساسًا تلك التي "تضمن التنسيق الناجح!" للجانبين في معاركهما ضد بلداننا العربية وقضايانا المصيرية والوطنية.
في المقصد الأساسي للعلاقات الصهيونية – الإثيوبية، إبعاد الدول العربية والشعب العربي برمته عن القارة السمراء، وبالأخص البلدان العربية الإفريقية، بهدف احتواء الصهيونية لبلدان هذه القارة وشعوبها وقراراتها السياسية والاقتصادية والدولية، ولتبقى كقارة غنية الموارد رهينة "المصير الصهيوني" الذي يعمل أربابه لإخراج جمهورية الصين الشعبية من إفريقيا، ولاحتكار تل أبيب للتجارة والاقتصاد مع بلدان شعوب البشرة السمراء. وهنا نُدرك لماذا غدت الإمبريالية الصهيونية المُورّد التسليحي الأول لإثيوبيا، وكذلك المُسَاهِم الرئيسي في قمع المطالب التحررية والاستقلالية لشعب تيغراي، وأسباب نجاحها قبل ذلك في تهجير عدة ألوف من قبائل (فلاشا) الإثيوبيّين لكيان الصهيونية الدولية في فلسطين الجريحة، وعَملانيات الجهتين لتصفية سيادة واستقلالية البلدان المحاذية لإثيوبيا والكيان الصهيوني بهدف تفتيت ووقف تطور تلك البلدان اقتصاديًا وحضاريًا، وهي أهداف رئيسية للحركة الصهيونية الدولية منذ تأسيسها في روسيا والغرب.
مصر العظيمة مستهدَفة وجوديًا بمؤامرات الصهيونية والإمبريالية، لأنها الدولة العربية الأولى الأقوى في مجالات كثيرة جدًا، ضمنها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية؛ وهو الأمر الذي كان وسيبقى يؤرّق الكيان الاحتلالي في نهاراته ومنامات قادته الذين يعملون بلا توقف لتعزيز الدور الإثيوبي على المستوى العسكري بكل تفرعاته لخلق حروب إثيوبية – مصرية "طاحنة"، بحيث بات ذلك ظاهرة مؤرقة لكل الدول الحرة والمستقلة والصديقة والحليفة للقضايا العربية وقضية الشعب الفلسطيني والسلام في إفريقيا والعالم. وللحديث بقية.