الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي" يَكشف عن "قانون حديدي” أمريكي
يلينا نيدوغينا
قرأت مؤخرًا تعليقًا يحمل عنوان هذه المقالة، تناول انحياز واشنطن لسياسة الإبادة الصهيونية لشعب قطاع غزة.
يَلفت التعليق إنتباه القراء إلى أنه بينما كان قطاع غزة يَستعد لاستقبال عيد الفطر السعيد الذي يجلب معه أجواء الاحتفال والفرح، إلا أن الفرح لم يتم، فقد تم استبداله في هذا العام بالغارات الجوية والموت "الإسرائيلي" للفلسطينيين بالجًملة.
كشفت شاشة المُباصرة الصينية (سي جي تي إن) العاملة بالعربية، عن أن الغارات الصهيونية أدّت إلى مَقتل مئات الفلسطينيين، بينهم أكثر من 60 طفلاً، ودمّرت الحرب "الإسرئيلية" 17 مستشفى وعيادة في غزة، وسوّت بسطح الأرض مختبر كوفيد/19 الوحيد في المدينة، وتسببت حرب نتنياهو في تدفق مياه الصرف الصحي إلى الشوارع، وألحقت أضرارًا بأنابيب المياه في غزة، هذا القطاع من الأرض المزدحمة التي يبلغ عدد سكانها نيف و2 مليون نسمة تأثر فيه كل المدنيين، وبرعم ذلك، لم تقف الصين على الحِياد، "فمنذ تجدّد الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، كانت العديد من الأطراف، بما في ذلك الصين، تتوسط بنشاط لحل النزاع، لكن الولايات المتحدة كانت تلعب دورًا معاكسًا. ولم يقتصر الأمر على منع تمرير بيان مشترك لمجلس الأمن الدولي ثلاث مرات، بل أرسلت واشنطن "الذخيرة” المتطورة القاتلة للفلسطينيين إلى حليفتها "إسرائيل". ويُذكر أن إدارة بايدن قد وافقت على بيع أسلحة دقيقة التوجيه بقيمة 735 مليون دولار أمريكي لِ "إسرائيل".
لكن واشنطن شعرت بعداء العالم برمته لها لدعمها غير المشروع لسلطة صهيونية عدوانية بعيدة عن السلام ولو لفظًا، فقد قامت شعوب المَعمورة مُتّحدةً بأجمعها ولم تقعد شاجبةً السياسات الصهيونية والأمريكية المتناغمة والمتفقة على تعمّد قتل الفلسطينيين بالجُملة، واستهدافهم فردًا فردًا في عملية – جريمة هولوكوست متجددة لتصفية الجنس الفلسطيني ومحوه من الوجود، وللعودة إلى الشعار الصهيوني التصفوي المُدان "فلسطين أرض فارغة بلا شعب لشعب يهودي بلا أرض"، والذي وضعته الحركة الصهيونية في أوروبا تشويهًا للمدونات الكنعانية - العربية وتزويرًا يَفضحه التاريخ وأهل العِلم.
وفي العنوان بالغ الدلالة "القانون الحديدي سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تقف على الجانب الإسرائيلي"، كُشف عن أن "بايدن" الذي أيّد علنًا "حق" "إسرائيل" في ما يُسمّى الدفاع عن النفس، قد "حذّر رئيس الوزراء نتنياهو، من أنه لم يَعد قادرًا على وقف الضغط المتزايد من المجتمع الدولي والسياسيين الأمريكيين! وعن ذلك وتحليلًا للموقف الواشنطوني خلُصَ "ين قانغ"، الباحث الوازن في معهد دراسات غرب آسيا وأفريقيا التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إن الولايات المتحدة "بالتأكيد لن تسمح لحركة حماس بالسيطرة أحادية الجانب على الوضع.. يمكن القول بأن "ضمان أمن إسرائيل" هو "قانون حديدي” في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في "الشرق الأوسط"، للدلالة على أن الغرب وفي مقدمته أمريكا، هو مَن صَنع الكيان الصهيواستعماري في المنطقة العربية، كضمانة لاستمرارية النفوذ الغربي فيها، ولتمكينها المتواصل منها. وفي هذا المجال، يكون "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" ليس مجرد مشكلة تاريخية بين اليهود والفلسطينيين، بل إنه مختلط أيضًا بعوامل دينية وقومية وعرقية وجيوسياسية كما يرى الباحث الصيني.
الموقف الشجاع والقوي والصلب لجمهورية الصين الشعبية رئيسًا وحكومةً وشعبًا ضد نقلات الحرب الصهيونية على شعب فلسطين وتدنيس المسجد الأقصى المبارك والمقدسات الإسلامية والمسيحية ونهبها صهيونيًا، كشف أخيرًا عن تراجع كبير وجُمودٍ واضح في أدوار العديد من الدول الكبرى الشرق والغرب أوروبية في القضية الفلسطينية وعملية السلام في المنطقة العربية التي يُسمّونها في خطأ فاضح وفاحش بِ "الشرق الأوسط"، وتقهقرَ كذلك وبشكل كبير التأييد العربي والفلسطيني لتلك الدول، وانفضاض غالبية العرب والفلسطينيين عن الصداقة والتحالف معها، إذ تبيّن أن الصهيونية تُحكم قبضتها على تلك الأنظمة التي لم تستطع حتى مجرد استنكار قتل الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين وحرب الموت الأمريكية عليهم بأحدث الأسلحة.
لهذا، ولغيره الكثير من الأسباب، نرى بأن الوساطة المستقبلية للصين في منطقتنا هو واجب أممي وإنساني ومطلوب عالميًا، إذ أضحت الصين في موقع متميز للغاية في اشتغالها بقضايا المنطقة، فهي ترتبط بعلاقات حسنة وعميقة مع جميع الدول العربية، ولديها روابط اقتصادية وتجارية كبيرة مع الكيان الصهيوني، وهو شرط يُلائم الدور الواسع الذي يمكن لبكين أن تلعبه لحل عُقدة الصراع ولنشر السلام في المنطقة من خلال تطبيق القرارات الدولية.
*الكاتبة إعلامية روسية ورئيسة تحرير (الملحق الروسي) سابقاً، وحائزة على أوسمة وجوائز من دول صديقة وحليفة.