م.أحمد الحياري يكتب :-القرار سليم .. والتفاوض بالبندقية

أكتب هذا المقال لأبين أن تحليل السياسيين العسكريين أو حتى لغة المنطق والأرقام ليست دائمًا على حق.. فما زالت هناك أحداث غامضة وقدرات إلهية تجاوزت لغة العقل والمنطق والحدود.. إذا أردت أن تخضعها للمعادلات وتفك الشِّيفرة التي برمجت عليها ستجد أنك تقع في المنطقة الخالية، والفراغ الذي لا تستطيع معه أي قدرة بشرية معرفة الإمكانات والقدرات والتنبؤ بالأحداث والنتائج.


وهذا كان الدرس الأبرز لأحداث غزة الأخيرة.. " أنه لا مكان للمنطق والحسابات عندما يتعلق الأمر بكرامة وشرف الأمة العربية والإسلامية والتعدي على مقدساتها عنوان الكرامة والشرف "

وبسرد مختصر للأحداث التي بدأت في القدس الشرقية وتحديدًا في حي الشيخ جراح وما زامنه من انتهاكات واشـتباكات في المـسجد الأقصى وباحات المـسجد ومحاولات المـستوطنين اقتحام المـسجد والتعدي على حرماته.. والتصدي لهم من قبل المرابطين الذين ما زالوا على الدين ظاهرين.

وهذه القضية المفتعلة والتي عمرها الآن 49 عام وعنوانها سلب حقوق الفلـسطينيين وإنكارها.. والتي بدأت في المحاكم الإسـرائيلية منذ العام 1972 ( عقب الاحتلال الإسـرائيلي للمدنية ) زعمت فيه جمعيات يهودية ملكيتها لأراضي حي الشيخ جراح وطلبت إخلاء الأهالي من منازلهم.. وهي منازل لعائلات فلـسطينية تعود في أصلها إلى ملكية 28 عائلة فلـسطينية لجئت إلى حي الشيخ جراح عام 1956 أبان الحكم الأردني بعد نكبة عام 1948 ، وتم مساعدتهم من خلال وزارة الإنشاء والتَّعِمير الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين ( الاونروا ) على توفير مساكن في حي الشيخ جراح.. وهناك وثائق لدى الحكومة الأردنية تثبت ذلك وتم تسليم هذه الوثائق للسـلطة الفلـسطينية .

وبعيدًا عن التفاصيل الكثيرة والتي امتدت لسـنوات وعقود طويلة ، وكان هناك قضايا عديدة ومجزأة حسب العائلات في المحاكم الإسـرائيلية وكانت الأحكام لصالح المـستوطنين وتم إخلاء بعض العائلات على مدار السـنوات.. وكان آخر هذه القرارات هو طرد وإخلاء 12 عائلة فلسـطينية أخرى وهو الأمر الذي فجَّر الأحداث بالرغم أن القرار كان متوقعًا لـدى الجميع.. فبالله عـليكم
هـل تتوقعون غـير ذلك .

هذا مرور سريع على قصة حي الشـيخ جراح وما رافقه من أحداث واعتداءات على الأهالي ، وتعدى ذلك إلى انتهاكات في المـسجد الأقصى من المـستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال.

وشاهد العالم أجمع المرابطين العزل واعتكافهم في باحات المـسجد أطفالًا ونساءًا وشيوخًا ، والشـباب الأبطال العزل الذين نذروا أنفسهم للدفاع بالمهج والأرواح وبصدورهم العارية عن أولى القبلتين .

وموضوع المقال يبدأ من هنا.. ومنذ لحظة إعلان المقاومة في غزة وإصدار تصريحات وإنذارات تهدد إسـرائيل بالتوقف فورًا عن جميع الانتهاكات والممارسات ومحاولة اختراق المـسجد الأقصى والاعتداء على الأهالي في حي الشيخ جراح.. وبغير ذلك سيكون هنالك ردًا عسكريًا بالصواريخ على المستوطنات وعلى تل أبيب .

وهنا أقول أن جميع المُحللين والمراقبين السياسيين للمشهد الفلـسطيني كان لهم رأي آخر ..
نعم كان لهم رأي آخر.. كل من تعاطف مع الفلـسطينيين لم يُقر ذلك .
وكما ذكرت في بداية المقال فالمنطق والحسابات ولغة العقل لا تتفق مع ذلك .
وبإيجاز بسيط سأطرح اثنتين من المعطيات والتي كانت هاجسًا لدى الجميع ..

أولهما .. أنه على الصعيد الإعلامي فليس من مصلحة الفلـسطينيين نقل ساحة المعركة إلى غزة وخاصة أن الانتهاكات الواضحة في المـسجد الأقصى كانت تلاقي تعاطفًا عالميًا ، وأن إطلاق صواريخ من غزة على المـستوطنات سيوظف لصالح إسـرائيل بأنه يدافع عن نفسه وعن المدنيين في المـستوطنات . ويعطيهم العذر لكل أفعالهم.. ويعمل على إزاحة الأنظار عن تصرفاتهم الهمجية في الأقصى وحي الشيخ جراح .


وثانيهما.. الحسابات والتي لا تحتاج إلى خبراء للمقارنة بين موازيين القوى لدى الطرفين .

فالله أكبر.. الله أكبر .. من يهدد من
ومن يتوعَّد لمن ..
ومن هو صاحب القوة ليقوم بالتهديد والوعيد ..
الله أكبر .. من أنتم ومن أي طينةٍ جُبِلتم !!

إنه وعد الله والله لا يخلف الميعاد ، يقول المولى عز وجل " إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُم " صـدق الله العظيم .

وقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ "

نـعم .. فلو تَعَنَّيتم في حسابات الدنيا وتركتم حسابات الآخرة لما فعلتم ما فعلتم .

أصــبــتــم ..وأخطأ المنطق والحسابات ، وأخطأ المحللــون وميزان القوى .

عسكريًا انتصرتم .. إعلاميًا ربحتم

أصبح لكم كلمة ومقعدكم محفوظ على طاولة المفاوضات ، وتستطيعون وضع ساقٍ فوق ساق .. مشاركين في الشروط لا مُتلَقِّين للإملاءات ..

وبملءِ الفم أقول القرار سـليم .. والتفاوض بالبندقية .