(شي) و فلسطين.. المنهج والموقف عقائدي


الأكاديمي مروان سوداح
تزعمت جمهورية الصين الشعبية الحِراك الدولي إتجاه فلسطين في اجتماعات (مجلس الأمن الدولي)، الذي تتولى الصين الرئاسة الدورية له هذا الشهر. كذلك، أبرز المندوب الصيني في المجلس جدول الأعمال الخاص بفلسطين، وكثّفت بلاده جهودها ونضالها لمساعدة ومساندة فلسطين، فشهد العَالَم الاختلاف الجذري ما بين الموقفين الصيني والأمريكي، وتبيّن أن بكين تنتهج نهجًا مختلفًا جذريًا عن النهج الأمريكي الذي يُنَاصِر مواقف الدول الغربية التي سبق واستعمرت منطقتنا العربية ردحًا طويلًا وأدمتها ونهبت خيراتها، وبالتالي لا تريد حلًا شاملًا لقضية فلسطين.
الموقف الصيني الصلب المُنَاصر لفلسطين بَاَنَ مُعَاكِسًا تمامًا للمواقف الأمريكية المصطفّة في صف الاحتلال الصهيوني، إذ زادت واشنطن الوضع في فلسطين والمنطقة العربية تعقيدًا بإمدادها دويلة الاحتلال بالمزيدِ من الأسلحة المتطورة للقتل الجماعي للفلسطينيين، وكان هذا الأمر الجلل بمثابة إعلان استعماري واضح من (العم سام) للدول العربية ولسان حاله يقول، السلاح موجّه إلى صدوركم جميعًا، وليس صوب فلسطين لوحدها!
نعود قليلًا إلى الوراء لنُدرك التوجهات الحقيقية للغرب بالتعاون مع النظام الصهيوني في الإصرار على أجهاض كل المبادرات السلمية، كما كان الأمر في عام 2017، حِيال خطة الرئيس الصيني شي جين بينغ المكونة من أربع نقاط لحل القضية الفلسطينية، وهو ما أكد أنذاك، ويؤكد اليوم أيضًا بصورة واضحة وقطعية، أن واشنطن و (تل أبيب) تعملان على إجهاض كل المبادات السلمية في المنطقة ما لم تكن من ألفها إلى يائها "أمريكية قح"، في مسعى لفرض هيمنة أبدية علينا، ولإبعاد القوى الكبرى الأخرى كالصين وروسيا عن منطقتنا العربية التي يَعتبرها الغرب الأكثر إستراتيجية وأهمية مركزية له، مع التأكيد أن سياسات الأنظمة الغربية؛ الإستعمارية التقليدية؛ لا تريد في الواقع نشر السلام الشامل والناجز في منطقتنا التي يَعتبرها هذا الغرب حكرًا له وحده فهو لا يأخذ بالاعتبار سيادتنا الوطنية ولا رأي وتوجه شعوبنا وقادتنا، لأن التطور وازْدِهار
بلداننا العربية سيُضعف مركزية الغرب سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا في منطقتنا، فنصبح نًدا نشطًا له.
لقد عمّت العالم العربي مؤخرًا موجة من السخط والغضب الشديدين ضد واشنطن لتعطيلها عن سابق إصدار وترصد إصدار بيان رسمي عن مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار من جهة، وهو ما أكد بالمقابل؛ من جهة أخرى؛ أن الصين دولة كبرى بامتياز سياسيًا وعسكريًا، واقتصاديًا وهي الأولى على وجه البسيطة، لذا نراها تتحمل المسؤولية الإنسانية والأخلاقية في مناطق الصراع في الكرة الأرضية، وتجتهد لنشر السلام بين الأمم والقوميات والأعراق لتنميتها وتعظيم مكانتها ماديًا وروحيًا لتشكّل جميعًا اصطفافًا سلميًا لصالح آمان البشرية ومجتمع المصير الواحد، وهو ما ينسجم مع أهداف هيئة الأمم المتحدة.
وقوف أمريكا بمواجهة السلام الشامل في فلسطين ومنطقتنا، يولّد إدانة أخلاقية وسياسية عالمية للنظام الأمريكي، ويكشف عن أن واشنطن غير قادرة على اتخاذ موقف مسؤول وعادل كالموقف الصيني الذي اجتذب العرب وتأييدهم للصين ما سيُمكّنهم البِناء عليه لاحقاً لتخليق التوازن المنشود في المحافل الدولية إزاء القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
الموقف السلبي الأخير للإدارة الأمريكية بما يتصل بقضية فلسطين واصطفافها إلى جانب الوحشية الصهيونية، يكشف عن تسارع تأثير الصين في منطقتنا العربية وعليها، وتكريس التلاقي للمبادىء والمصالح بين العرب والصينيين الذين يتبنّون القضية الفلسطينية والحل المتوازن لها. ويبدو، أن الصين ستفوز بالمركز الأول عربيًا وسيتم تكريس هذه المكانة على خلفية السلبية واللاأُبالية الأمريكية المطلقة بما يخص شهدائنا وجرحانا ولاجئينا وحقوقنا. بكين تسعى لتعميق علاقاتها بالعرب والمسلمين وعددهم يفوق بعدة مئات من الملايين الملياري مواطن عالمي، بهدف المشاركة في رد ولجم الهجوم الإعلامي والثقافي والسياسي الأمريكي والغربي الكبير على الصين وتشويه حقائقها، بخاصة بشأن المسلمين الصينيين، وتُجمع الغالبية الساحقة من المجتمعات العربية والإسلامية على ضرورة التحالف مع الإدارة الحكومية الصينية، وتوسيع علاقاتها حتى الاجتماعية منها مع الصين والصينيين.
قريبًا سنرى أدوارًا صينية عالمية ناجحة في حل القضايا الدولية العالقة بين البلدان والشعوب ودعمًا صينيًا لها، بعيدًا عن الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، ما سيُحدد مصير الدبلوماسية الأمريكية على صعيد العالم. واليوم نلمس كذلك وجود توجه صيني بدور عالمي نشط سيَفرض توازنًا مع الولايات المتحدة التي بدأت بالافول حتى في المجال الكوني خارج الكرة الأرضية، سيّما في الاشتغالات الصينية بالتطوير المتواصل للتكنولوجيا الرفيعة، وتعدين الكويكبات.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين.