رؤية المواطن الصينى لتطبيق (القانون المدنى الجديد) للإنفصال والطلاق
جاءت إستضافتى فى البرنامج الإجتماعى للبى بى سى البريطانية BBC وبصفتى متخصصة فى الشأن الصينى، للحديث حول: (القانون الجديد للطلاق فى الصين)، بمثابة فرصة جيدة للتعرف وتحليل أول مواجهة شعبية بين المواطن الصينى والدولة الصينية. وتأتى فكرة هذا القانون الصينى الجديد بضرورة وضع (فترة تهدئة لمدة شهر كامل بين الزوجين عند التقدم بطلب الإنفصال لربما يتراجع الزوجين فى قرارهما).
- أولاً: وجهة نظر الدولة الصينية فى تطبيق قانون التهدئة الجديد الخاص بالطلاق
تأتى وجهة نظر الدولة الصينية، وإتحاد النساء لعموم الصين كأكبر هيئة فى البلاد لتمثيل المرأة الصينية حكومياً، ووزارة الشئون المدنية، بأن هذا القانون بمثابة فرصة كبيرة للقضاء على ما يعرف ب (الزواج العبثى والطلاق العبثى) فى البلاد.
وكانت أبرز التصريحات والتحليلات المدافعة عن وجهة نظر الدولة الصينية، هى تصريح "ليانغ تشونغ تشاو"، بصفته المسؤول البارز بوزارة الشؤون المدنية فى الصين، بأن "سبب إقرار قانون التهدئة الجديد يعود إلى إنخفاض نسب ومعدلات الزواج فى البلاد، مما أثر سلبياً على معدل المواليد، والتنمية الإقتصادية والإجتماعية فى الصين"، وتعهد مسئول الشئون المدنية الصينية، السيد/ "ليانغ تشونغ تشاو"، بأن هذا القانون الجديد الهدف من ورائه هو "وضع سياسة إجتماعية تعزز الجهود الدعائية للترويج لقيم إيجابية حول الحب والزواج والأسرة، بحيث تشكل فترة التهدئة جزءاً رئيسياً من السياسة الجديدة فى دولة الصين".
ونجد أنه فى الوقت الحالى، تزداد المخاوف فى الصين من أن تشكل "شيخوخة المجتمع" عامل ضغط إضافياً على الإقتصاد الصينى، ورغم إلغاء سياسة الطفل الواحد لكل أسرة، إلا أن ذلك لم يشجع الأزواج على إنجاب المزيد من الأطفال.
- ثانياً: نتائج تطبيق قانون التهدئة الجديد وفترة المهلة عند نظر طلبات الإنفصال على نسب الطلاق فى المجتمع الصينى
كان من أبرز نتائج تطبيق "قانون فترة التهدئة"، هو تراجع نسبة الطلاق بأكثر من ٧٠ فى المائة بعد فرض الحكومة لفترة "تهدئة" إلزامية يخضع لها الأزواج قبل أن يتخدوا قراراهم النهائئ. وترى السلطات الصينية أن فترة الإنتظار لمدة ٣٠ يوماً بعد تقديم طلب الإنفصال، يمكن كلا الطرفان خلال تلك الفترة سحب طلب الطلاق فى أى لحظة، وبعد إنقضاء مهلة ال ٣٠ يوماً الخاصة بالتهدئة، يمكن للزوجين التقدم مرة أخرى لإنهاء الزواج بشكل رسمى لدى المحكمة التشريعية المختصة فى كل مقاطعة صينية يتبعها الزوجين. وتشير البيانات الرسمية أنه تم تسجيل أقل من ٣٠٠ ألف حالة طلاق فى الربع الأول أى الشهور الأولى الثلاث من عام ٢٠٢١، مقارنة بـ ١.٠٦ مليون حالة طلاق فى الربع الأخير من العام الماضى أى من سبتمبر حتى ديسمبر ٢٠٢٠، وهو ما مثل نسبة إنخفاض كبيرة تقدر بحوالى ٧٢ %. وهذا القانون المدنى الصينى الجديد للطلاق، يستند إلى تشريعات محلية تم تطبيقها فعلياً فى عدة أجزاء من الدولة الصينية.
وجاءت الإنتقادات الواسعة لهذا القانون الجديد، لأنه يعيق الحريات الشخصية ويحاصر الناس فى زيجاتهم وفقاً لرأى المواطنين الصينيين، ونجد أن قانون "فترة التهدئة" لا يحظى بشعبية فى البلاد، ومعظم التبريرات تشير وتربط بين (العلاقة بين تنفيذ قانون التهدئة الجديد عند طلب الطلاق وإرتفاع نسبة ومعدلات العنف بين الأزواج والذى قد يصل إلى القتل)، ويشير المعارضون لهذا القانون إلى حادثة مقتل صينية على يد زوجها فى (مقاطعة هوبى) فى شهر يناير ٢٠٢١، وربطت بعض الحسابات على الإنترنت هذا الحادث بفترة التهدئة وعجز تلك الزوجة وزوجها حيئذ على الحصول على حريتهم وإضطرارهم للعيش سوياً لمدة شهر كامل، الأمر الذى قد ينجم عنه حوادث عنف منزلى وجرائم فى المجتمع الصينى.
- ثالثاً: وجهة نظر المشرعون الصينيون فى إقرار القانون المدنى الجديد الخاص بمهلة الطلاق
تبرر السلطات الصينية بأنها لجأت إلى تطبيق هذا القانون رغم موجة الإعتراضات الشديدة عليه، بعد تزايد نسبة الطلاق فى السنوات الأخيرة، فى الوقت الذى تحاول فيه بكين تشجيع الصينيين على المزيد من الإنجاب لأكثر من طفل واحد لكل أسرة، من أجل التخلص من قنبلة ديموغرافية محتملة، وزيادة عدد المواليد الأمر الذى يساعد على زيادة نسبة التنمية الإقتصادية فى السنوات الأخيرة.
وبعد إقرار قانون التهدئة عند طلب الطلاق، إنخفضت بدايةً من هذا العام فى ٢٠٢١ معدلات طلب الطلاق، بعد ملاحظة الحكومة الصينية كارثة إقدام أكثر من ٤ ملايين و ٢٥٠ ألف مواطن صينى- وفقاً لإجمالى الإحصائيات المحلية فى الصين- على الطلاق خلال عام ٢٠٢٠ فقط، إلا أنه بعد دخول "القانون المدنى الجديد حيز التنفيذ" فى الأول من يناير ٢٠٢١ إنخفضت نسبة الطلاق منذ يناير حتى إبريل ٢٠٢١، إلى أقل من ٣٠٠ ألف حالة طلاق، أى إنخفاض نسب الطلاق لأكثر من ٧٠% عام ٢٠٢١ مقارنةً بالأعوام السابقة.
ولكن إحتدم الجدل بعد إقرار (قانون الإنفصال الجديد فى الصين) بين المتضررين من جراء تطبيقه مع الدولة الصينية، خاصةً بعد أن بات يتعين على الأزواج الصينيين الذين يسعون للحصول على وثيقة الطلاق إكمال فترة "تهدئة" لمدة شهر، فوفقاً لهذا القانون الجديد الذى أثار غضباً بشأن تدخل الدولة فى العلاقات الخاصة للأفراد والمواطنين فى الدولة، بعد أن فرض وأجبر جميع من يتقدمون بطلب للحصول على الطلاق الإنتظار لمدة شهر قبل بدء معالجة طلبهم، فى محاولة من قبل صانع القرار الصينى الحد من معدلات الطلاق، والذى لاقى معارضة واسعة النطاق وشديدة عندما طرحه المشرعون الصينيون منذ نهاية عام ٢٠٢٠.
- رابعاً: وجهة نظر المواطن الصينى فى إقرار قانون التهدئة المدنى الجديد الخاص بالإنفصال
بعد إقرار قانون التهدئة عند طلب الإنفصال، أصبح هذا القانون أحد أكثر المواضيع شيوعاً للمناقشة والإنتقاد العلنى على منصة "ويبو" الصينية للتواصل الإجتماعى والشبيهة بـ "تويتر"، مع أكثر من ٢٥ مليون تفاعلاً مع هذا القانون، ما بين (مشاهدة، مشاركة، تعليق) حول هذا الخبر، كما تصدر عنوان (عارضوا فترة تهدئة الطلاق) جميع منصات التواصل الإجتماعى الصينية.
وكتب أحد المعلقين الصينيين المعارضين لتطبيق وتمرير هذا القانون، بأنه: "لا يمكننا حتى الطلاق بحرية؟ لا يزال هناك الكثير من الأشخاص الذين يتزوجون بشكل متسرع، فليحددوا إذاً فترة تهدئة للزواج أيضاًً.
وجاء إعتراض مواطن آخر، معلقاً بالصينية: "لقد مرروا هذا القانون رغم معارضة الجميع عبر الإنترنت، مما يعنى أن احترامهم للرأى العام فى الصين، هو فقط بهدف الإستعراض".
وهنا يجب الأخذ فى الإعتبار، وفقاً للقانون الجديد، بأن "فترة "التهدئة" لا تطبق إذا كان أحد الزوجين يطلب الطلاق بسبب العنف المنزلى الذى يتعرض له".
وتأتى وجهة نظر حكومة بكين، بأنهم قد إضطروا لتمرير هذا القانون، نتيجة لإزدياد معدلات الطلاق بنسبة كبيرة فى المجتمع الصينى، فقد إزداد معدل الطلاق فى الصين بشكل مطرد منذ عام ٢٠٠٣، عندما أصبحت قوانين الزواج أكثر تساهلاً فى الدولة، إضافةً إلى إزدياد نسبة إستقلالية النساء مالياً.
وفى تقرير مطول أعدته صحيفة "تشاينا ديلى" الصينية، والقريبة من قيادات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، فلقد دافعت عن وجهة نظر المشرعون الصينيون، بأن: "سهولة قوانين الزواج والطلاق فى البلاد قد ساهم فى جعل الطلاق العبثى ظاهرة شائعة بشكل متزايد، وأدى إلى عدم إستقرار الأسر".
- خامساً: إيجابيات وسلبيات إقرار "قانون التهدئة المدنى الجديد الخاص بطلب الطلاق".... وإقتراحات ب "حلول وسط" لتفادى سلبيات تطبيق القانون، وزيادة مردوده الإيجابى
بعد عرض وجهتى نظر الطرفين، وهما (الدولة والمشرع الصينى، والمواطن الصينى ذاته)، فيمكننا هنا القول بكل سهولة، بأن تطبيق مثل هذا القانون له إيجابيات وسلبيات عند تطبيقه، وتأتى أبرز تلك (الإيجابيات) هى تراجع نسبة الطلاق بأكثر من ٧٠ فى المائة بعد فرض الحكومة "فترة التهدئة الإلزامية لمدة شهر"، والتى يخضع لها الأزواج الصينيون قبل أن يتخدوا قراراهم النهائى بالإنفصال من عدمه.
وهو نفس الإتجاه الذى ذهبت إليه المحللة الإجتماعية الصينية "لى جيا جانغ"، بتعليقها عبر وسائل التواصل الإجتماعى الصينية، بالإشارة إلى فاعلية تطبيق مثل هذا القانون الجديد أكثر من سلبياته، قائلة بأنه: "بات فى السنوات الأخيرة، كلاً من الزواج السريع والطلاق السريع من المظاهر المألوفة فى مجتمعنا، لذلك فإن إدخال فترة التهدئة عند طلب الطلاق مؤخراً قد لعب دوراً مهماً فى الحد من حالات الطلاق المتفشية فى المجتمع الصينى".
وعلى الجانب الآخر، فإن من أبرز (سلبيات) تطبيق قانون التهدئة عند طلب الطلاق، هو (بطئ وطول فترة ومدة إجراءات التقاضى فى طلب الطلاق)، قد تؤدى إلى تزايد أعمال ومعدلات العنف المنزلى بين الأزواج نتيجة لإضطرارهم للتعايش سوياً قبل البت نهائياً فى طلبهم بالإنفصال من قبل المحكمة المدنية المختصة بحكومة المقاطعة التى يخضع لها الأزواج، وهو الأمر الذى قد يتطور فى نهاية المطاف إلى إرتكاب جرائم مجتمعية عديدة أشدها القتل والتعذيب، مثلما أشرت لتلك الحادثة المشهورة فى (مقاطعة هوبى) وقتل زوجة صينية شابة على يد زوجها، نتيجة لإضطرارهما الإنتظار والتعايش شهراً إضافياً آخر قبل البت والنظر فى طلبهم الخاص بالإنفصال والطلاق.
كما أنه من بين (سلبيات) تطبيق هذا القانون أيضاً هى (إنتشار حيل التحايل على هذا القانون بشكل غير مباشر)، وهو ما أدركته السلطات الصينية مؤخراً عبر ما نشرته وسائل الإعلام الصينية الرسمية والتى أفادت فى شهر فبراير الماضى لعام ٢٠٢١، بأن: "جميع المواعيد الخاصة بمناقشة طلبات الطلاق، كانت محجوزة فى عدة مدن صينية، مثل: شنتشن وشنغهاى، وغيرها، بل إن بعض هؤلاء الأزواج المقبلون على الطلاق قد إضطروا فى نهاية المطاف إلى شراء مواعيد متقدمة من أزواج آخرين لا يتسرعون نتيجة حكم إستصدار وثيقة الطلاق نظير دفع مبالغ كبيرة لهم من قبل الأزواج الآخرون الذين يتسرعون إقرار إستصدار وثيقة الطلاق".
ويبقى هناك أخيراً منطقة (الحل الوسط والمنطقى) لحل إشكالية تطبيق هذا القانون المدنى الجديد بين المواطن والدولة الصينية بتفادى ما قد ينجم عنه من سلبيات وزيادة إيجابيات تطبيقه وتنفيذه، وهذا وفقاً لما أشارت إليه الباحثة الإجتماعية الصينية "تشن يايا"، بأنه: "بعد أن أصبح قانون فترة التهدئة حقيقة واقعة ودخوله حيز التنفيذ فعلياً، لذا، يجب علينا البدء فى التركيز على حل المشكلات المتعلقة بأسباب طلب الطلاق بين الأزواج عند تقديمهم طلب بالإنفصال، ويمكننا هنا كإخصائيون إجتماعيون حل مشاكلهم الزوجية وأسباب رغبتهم فى الإنفصال بشكل واقعى وحكيم، ومساعدتهم فى فترة التهدئة على كيفية التخلص من السلبيات التى قابلتهم طيلة فترة الزواج".
وتبقى (المحصلة النهائية) لهذا النقاش الدائر داخل المجتمع الصينى ذاته بشأن هذا القانون، وهو الأمر الذى أدركه وبحثه وحلله فعلياً عدداً من علماء الإجتماع والخبراء والمختصين الصينيين، بأن: "هناك حاجة ملحة إلى المزيد من البيانات لإستخلاص الإستنتاجات والحلول العملية والتطبيقية حول جدوى تطبيق هذا القانون المدنى الصينى الجديد، منوهين إلى أن وجود معدلات وعوامل متغيرة تختلف من منطقة إلى أخرى تساهم فى إجراء المزيد من النقاشات المتعلقة والمعمقة لهذا القانون".