كيف تستفيد مصر من الإستثمارات الصينية فى (دول حوض النيل) عبر مبادرة الحزام والطريق فى التقارب معها لحل إشكالية أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا؟







تولى مراكز الدراسات والأبحاث الصينية خاصةً فى الجامعات الصينية المعنية بالشأن الأفريقى، إهتماماً كبيراً بالدور الصينى داخل (دول حوض النيل فى أفريقيا، وبالأخص فى منطقة القرن الأفريقى وشرق أفريقيا، والذى تقع دولة "أثيوبيا" ضمن حدوده الإقليمية والجفرافية الهامة)، ودرست المراكز الفكرية الصينية، كيفية دعم دور الصين جيداً فى تلك المنطقة بعد إطلاق الصين مبادرتها التنموية للحزام والطريق فى عام ٢٠١٣، وإنضمام ٥٠ دولة أفريقية للمبادرة الصينية، كما زاد حرص تلك المراكز الفكرية الصينية على تقديم إستشارات دائمة لصانع القرار والخارجية الصينية، حول أهمية دول حوض النيل بالأخص فى أفريقيا، كحالة تستحق الدراسة، لذلك، تولى القيادة السياسية الصينية للرئيس الصينى "شى جين بينغ" عبر توجيه عدد من الباحثين والدارسين الصينيين المختصين بالشأن الأفريقى، لتوفير معلومات حول: تاريخ دول حوض النيل وجغرافيتها، وأسواقها، وكافة الفرص المتاحة لديها.

فلقد تخطى النفوذ الصينى فى دول منطقة منابع (حوض النيل) حركة النمو الإقتصادى، لأبعد من ذلك عبر التغلغل الصينى فى أعماق السياسات الداخلية لعدد من الدول الأفريقية التى تقع ضمن حدود دول حوض النيل التى تشترك فى مياه النيل مع مصر، كما أضحى هناك إهتمام دولى وأمريكى مكثف بالعلاقات العسكرية الصينية الأفريقية، بسبب ما يثار من الدور الصينى الواسع فى تصدير الأسلحة للدول الأفريقية، وبحسب دراسة حديثة قام بها) معهد إستوكهولم الدولى لأبحاث السلام بالسويد)، تصدر الصين أسلحة لـ ١٦ دولة أفريقية منها دول فى منطقة حوض النيل.

وبلغة السياسة التى عهدتها دوماً كخبيرة بالشأن السياسى الصينى وأستاذة وأكاديمية معروفة فى الوقت ذاته للعلوم السياسية والسياسة الصينية، وتطبيقاً لمقولة أن: "أعداء الأمس هم أصدقاء اليوم، وأصدقاء الأمس هم أنفسهم أعداء اليوم"، فإن لغة السياسة لا تعرف عداء دائم أو تحالف مستمر، فالمصالح هى من تحدد بوصلة التوجهات، فعكس ما بات يتم الترويج له مؤخراً بشأن (العلاقات الإستراتيجية الوطيدة بين الصين وإسرائيل فى بناء سد النهضة الأثيوبى المناهض للمصالح المصرية)، فما أود هنا التأكيد عليه ومن خلال قراءتى وفهمى التام للمشهد العام بين الصين وإسرائيل فى أفريقيا، هو سيادة وهيمنة (منطق التنافس الصينى - الإسرائيلى فى منطقة ظول حوض النيل والقرن الأفريقى الذى تتواجد به أثيوبيا)، والدليل الملموس على ذلك هو حالة العداء الإسرائيلى الملموس للجانب الصينى، والذى أقام الدنيا ولم يقعدها بسبب (التواجد الصينى وقواعدها العسكرية التى أقامتها فى السنوات الأخيرة وأعلنت عنها مؤخراً فى جيبوتى)، حيث إعتبرت إسرائيل أن تلك القواعد العسكرية الصينية تعمل (كمهدد للأمن القومى الإسرائيلى) وفق الرؤية والتحليل العسكرى والبحرى والإستراتيجى الإسرائيلى بدعم أمريكى بالأساس.

ولأهمية دول حوض النيل وتلك المنطقة للصين، فقد صادق (منتدى التعاون الصينى - الأفريقى)، والذى يعرف بإسم (فوكاك) فى شهر سبتمبر ٢٠١٩ فى بكين، على خطة عمل مقترحة للتعاون الصينى الأفريقى، ستتمكن من خلالها الصين مساعدة الدول الأفريقية ودول حوض النيل وأثيوبيا على الحصول على (قروض ميسرة) قيمتها أكثر من ٢٠ مليار دولار لتطوير البنية التحتية والزراعية والصناعية ومساعدة تلك الدول الأفريقية لحوض النيل بالأساس على تحقيق التنمية الذاتية والتنمية المستدامة، كما وعدت الصين بتدريب أكثر من ٣٠ ألف كادر من الكوادر الشابة من الدول الأفريقية فى مختلف المجالات خلال الأعوام الثلاث المقبلة، وتعهدت بكين أيضاً بتوفير ما لا يقل عن (١٨ ألف منحة دراسية للطلاب الأفارقة ضمن حدود دول حوض النيل فى مراحل التعليم العالى والماجستير والدكتوراه فى الجامعات الصينية)، وبالتالى أصبحت فكرة (تنامى النفوذ والدور الصينى فى القارة الأفريقية)، ولاسيما ضمن نطاق (دول حوض النيل)، بإعتبارها المنطقة الأكثر أهمية لمصر فى الفترة الأخيرة لحدودها المائية للحفاظ على (الأمن المائى لمصر وإدارة مصادر مياه النيل، والقريبة فى الوقت ذاته من أثيوبيا لحل إشكالية سد النهضة)، كمنطقة ذات أهمية كبيرة بالنسبة لمصر والصين والعالم بشكل لا يمكن الإختلاف عليه.

وطرحت الصين من خلال علاقاتها مع دول حوض النيل عبر مبادرة (الحزام والطريق الصينية)، خمس إقتراحات لإقامة (علاقات صداقة صينية أفريقية مستقرة وأكثر تعاوناً فى القرن الحادى والعشرين)، وتشمل هذه المقترحات: (علاقة صداقة متينة، تحقيق المساواة بين الطرفين فى التجارة البينية، الوحدة والتعاون والتنمية المشتركة، النظرة الواحدة للمستقبل ضمن مصير مشترك للبشرية)، وقد أصبحت هذه المقترحات الخمسة الركائز الأساسية للسياسة الصينية تجاه أفريقيا وفى مقدمتها دول حوض النيل الأكثر أهمية وإستراتيجية بالنسبة للصين ومثار التنافس الإقليمى والدولى، والأكثر عمقاً وتأثيراً على الأمن القومى المصرى، وتم بلورتها بشكل عملى عبر جلسات حوار منتدى التعاون الصينى الأفريقى "فوكاك" بين الصين وأفريقيا، ومصر بالطبع فى القلب منه، وذلك لتعزيز التعاون الثنائى بين الصين ودول أفريقيا، وعملت بكين بعد إطلاق مبادرتها للحزام والطريق عام ٢٠١٣، على التقارب مع أفريقيا ودول حوض النيل على وجه الخصوص، من أجل (بناء نوع جديد من الشراكة الإستراتيجية) التى عمقت التعاون الثنائى فى جميع المجالات فى السنوات الأخيرة.

وأصبحت الصين أكبر شريك تجارى لدول حوض النيل الأفريقية فى الوقت الحالى، وإرتفعت حجم التجارة الثنائية بينهما. وسجلت الإستثمارات الصينية فى أفريقيا نمواً قوياً أيضاً.

كما إتجهت الصين لتنفيذ عدد من الخطوات لإحتواء دول حوض النيل الأفريقية إقتصادياً، كان أبرزها إنشاء صندوق بقيمة ٥ مليار دولار كقروض ميسرة وتجارية، كما تعهدت الصين عبر (مبادرة الحزام والطريق) بمضاعفة المساعدات وبناء ٣٠ مستشفى صينى فى أفريقيا وتدريب أكثر ١٥ ألف مواطن أفريقى فى مجالات مختلفة.

فلقد أبدت الصين مرونةً فى علاقتها بدول أفريقيا وعلى رأسها دول حوض النيل خارج حدود بكين الجغرافية، وإستطاعت الصين أن تستفيد من الخلفية التاريخية لأفريقيا والتجارب السابقة لها مع المستعمرين الإنجليز والفرنسيين وغيرهم، الأمر الذى وضعت ملامحه مراكز الفكر الصينية، والتى رسمت بعناية فائقة آليات ومسارات تحرك العمق الصينى من أجل الولوج والتغلغل الصينى إلى العمق الأفريقى والتواصل مع المجتمعات الأفريقية المحلية، والتركيز على الجانب الإقتصادى وحيازة ثقة دول أفريقيا وحوض النيل عن طريق المشاريع الإجتماعية الصينية عبر مبادرة الحزام والطريق لخلق فرص عمل جديدة لتشغيل الأيدى العاملة الأفريقية خاصةً فى دول حوض النيل، وأثبتت الصين أن توجهها نحو دول حوض النيل وأفريقيا عموماً كان خياراً إستراتيجياً لما تحمله القارة السمراء من إستثمارات واعدة وموارد هائلة.

وتبعاً لتقرير مطول للموقع الصينى المعروف (ساوث تشاينا مورنينغ بوست)، فإن معظم البصمات الصناعية والتجارية والإستثمارية المتنامية فى أفريقيا ودول حوض النيل، تمت صناعتها فى الصين، كما تكشف علاقة الصين ببعض الدول الأفريقية عن مدى التفاعل الكبير بين بكين والقارة العجوز، وفى القلب منه دول حوض النيل، وهو ما تجسده العلاقة الخاصة بين الصين مع كلاً من (الكونغو وأثيوبيا) بصورة خاصة، مع ما للصين من تأثير خاص على دولة الكونغو بإعتبارها الرئيس لدورة الإنعقاد الحالى للإتحاد الأفريقى، وبما تملكه دولة الكونغو من أدوات ضغط على الجانب الأثيوبى ودول حوض النيل الأخرى لتقريب وجهات النظر والرضوخ عملياً للشروط المصرية فيما يتعلق بشروط تشغيل وملء الخزان الخاص بسد النهضة.

كما أشارت مراكز الفكر والأبحاث الصينية إلى أن حجم الإستثمارات الصينية فى دولتى (الكونغو وأثيوبيا) الأكثر أهمية إستراتيجية للأمن القومى المصرى فى الوقت الحالى بسبب أزمة سد النهضة الأثيوبى قد فاق ما كان عليه فى السابق بمراحل عديدة، وعند مقارنة (التواجد والنفوذ الصينى بالأمريكى فى دول حوض النيل)، نجد أن رؤية وتحليل مراكز الفكر الصينية القريبة من مراكز صناعة القرار فى الصين، تؤكد فى تناولها لتلك المقارنة، بأن بكين لا تهدف من وراء هذا التواجد فى دول حوض النيل لأى مكاسب سياسية مقارنةً بما عليه الحال والوضع بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك نفس ما ذهبت إليه التحليلات الحكومية الأمريكية الأكثر مصداقية ذاتها، فوفقاً لدراسة أجراها مؤخراً (مكتب المحاسبة الحكومى الأمريكى)، فإن أهداف أمريكا من تواجدها الدائم فى منطقة دول حوض النيل، هى: (بناء الديمقراطية، تعزيز التنمية، دعم التجارة، تعزيز الأمن)، أما بكين فعلى النقيض من ذلك، حيث تؤكد رسالتها على (إقامة علاقات أوثق) مع الدول الأفريقية، وتشمل أدوات الصين لتحقيق ذلك، من خلال: (السعى إلى المنفعة المتبادلة، عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للبلدان الأفريقية).

ومن وجهة النظر العربية، وكما صرح منذ فترة وزير خارجية الصومال، بأن "دور الصين المتعاظم حالياً فى دول حوض النيل والقارة الأفريقية، ما هو إلا نتيجة طبيعية لتراجع الدور العربى فى أفريقيا"، مع تأكيده بأن "القلق الأمريكى والأوروبى من الصين يأتى فى إطار كسر الصين للمستعمرات الأوروبية فى أفريقيا والتى يعتبرها الغرب أسواقاً تاريخية له".

وهنا، نجد أن الأمر اللافت للنظر فى المشهد الأثيوبى، هو الدعم الذى تتلقاه هذه الدولة من قوى إقليمية وعالمية عديدة، وهو ما يعلنه دوماً التليفزيون الرسمى الأثيوبى، بأن أثيوبيا وعدة قوى إقليمية وعالمية قاموا بتوقيع إتفاقيات لتمويل بناء (سد النهضة) بهدف دعم مشاريع تنموية مختلفة فى أثيوبيا، وإنشاء مشروعات مشتركة بين حكومة أثيوبيا وحكومات العالم، ومعظم أوجه التعاون الأثيوبى مع الدول المستثمرة فى سد النهضة يأتى بالأساس فى مجال البنية التحتية.

وبتحليل النظرة الإستراتيجية لدول حوض النيل الأفريقية، نجد أن الصين ليست وحدها فى تنامى نفوذها عبر دعم علاقاتها الثنائية والجماعية مع دول القارة الأفريقية، فدول أخرى كتركيا وإيران وماليزيا أيضاً وغيرها قد نحت نفس المنحى والتوجه الصينى نحو دول حوض النيل، لكن تظل الصين هى الأنجح حتى الآن فى إدارة سياساتها تجاه دول حوض النيل الأكثر عمقاً وتأثيراً إستراتيجياً بالنسبة للقارة الأفريقية.

والأمر الذى حللته مراكز الدراسات والأبحاث الأفريقية فى بكين بشكل جيد، ووجهت إليه أنظار صانع القرار الصينى هو (أهمية العمق والمجال المجتمعى لضمان سيطرة بكين على دول حوض النيل)، لذلك نجد سعى الصين لبسط سيطرتها ميدانياً عن طريق المال الصينى الذى يضخ فى المشاريع الأهلية وبقوة لكسب الولاءات فى المناطق التى تغزوها إقتصادياً فى حوض النيل والقرن الأفريقى فى شرق أفريقيا. حيث نجد مساهمة الصين فى بناء أكثر من ٦٠ مدرسة فى مناطق ريفية نائية بدول حوض النيل والقرن الأفريقى وأثيوبيا كمركز هام لتلك المنطقة الشرقية من أفريقيا، كما ساهمت الصين فى مجال المواصلات وتطويرها بمساعدات هائلة فى البنية التحتية وغيرها، فكانت تلك واحدة من أكثر السياسات الصينية الناجحة، والتى قدمتها الصين لدول حوض النيل والقرن الأفريقى وشرق أفريقيا وأثيوبيا فى القلب منه كما ذكرت، كنظير لتمددها الإقتصادى فى القارة السمراء.

وبتوجيهات بحثية مدروسة فى بكين، رسمت مراكزها البحثية خريطة التواجد الصينى فى أفريقيا، بالنظر إلى تحليل ودراسة معلومة خطيرة باتت تدركها القيادات الصينية جيداً فى الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، وهى بأن "أكثر من ٦٠% من أراضى العالم الغير مزروعة موجود بأفريقيا ودول حوض النيل بالأخص فى القلب منه،
وبالنظر لكون الصين دولة ذات كثافة سكانية عالية ولديها متطلبات إستراتيجية كثيرة وهى فى طور التحول أيضاً إلى قوة عظمى بين الكبار، لذلك باتت الصين تحاول دوماً الإقتراب من هذه الثورة الغير مستغلة فى منطقة حوض النيل بالأساس، والتى تعرف الصين جيداً كيف تستغلها عن طريق (العامل البشرى) التى تتميز به والإمكانيات المادية المتوفرة به. فبالإضافة لمجال الزراعة فى حدود (دول حوض النيل) التى تعد الأكثر أهمية للصين، لا تستطيع الصين تجاهل (ملف الطاقة) الذى يمثل لها أزمة دائمة بسبب كثرة إستهلاكها للطاقة، فالبترول الأفريقى ضمن منطقة الشرق الأفريقى وحوض النيل، يقع فى نصب أعين الصين دائماً لتأمين إحتياجاتها من الطاقة التى تنفق الكثير والكثير فى إستيرادها من أجل تأمين إحتياجاتها المتزايدة، إذ تعتبر الصين ثانى أكبر الدول المستهلكة للطاقة فى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، فتواجد شركات البترول الصينية فى دول حوض النيل الأفريقية، وشرق أفريقيا والقرن الأفريقى، بات واضحاً جداً، بل ودخلت الصين فى منافسات حادة مع نظيرتها الأمريكية للسيطرة على أكبر قدر من مصادر البترول فى تلك المنطقة، وخير مثال على ذلك، هو تواجد الشركات الصينية فى السودان جنوباً وشمالاً، وإستثماراتها فى هذا المجال التى بلغت قرابة الأربعة مليارات دولار، بل إن هذا الأمر بات مدعوماً سياسياً بعد أن عينت الصين فى السنوات الماضية (مبعوثاً خاصاً بها لشئون دارفور)، مما يفسر أهمية الملف الأفريقى لدولة كالصين، كذلك الأمر فى الجارة (تشاد)، فقد إحتكرت الصين ولمدة ٩٩ عاماً (النفط التشادى) بعد أن أنشأت بكين مصفاة للنفط تعمل بواقع ٦٠% لصالح الجانب الصينى مقابل ٤٠% للجانب التشادى. ونفس الحال بالنسبة للإهتمام الصينى العميق بالإستثمار فى مجال النفظ فى (دولة جنوب السودان).

وفى هذا السياق، تبرز أهمية (دولة جنوب السودان) تحديداً كدولة ذات أهمية كبرى لمصر فى (قضية سد النهضة وحوض النيل)، وكانت زيارة الرئيس المصرى (عبد الفتاح السيسى) إلى جنوب السودان نهاية العام الماضى، كزيارة ذات أهمية ملموسة وكبيرة، فى ضوء (وقوف ودعم دولة جنوب السودان مع مصر ضد أثيوبيا فى موضوع أزمة سد النهضة الأثيوبى)، وهو ما حللته بإهتمام مراكز الفكر الصينية، وإعتبرت أن توجيه الإستثمارات المصرية وجهود رجال الأعمال المصريين لجزء من إستثماراتهم نحو الدولة الوليدة فى جنوب السودان لهو أمر مهم يصب فى العمق الإستراتيجى لمصر حمايةً لمواردها المائية.

ولدعم (علاقات الصين بدول حوض النيل)، فقد قدمت الصين لأفريقيا، وفى مقدمة دوله بالطبع (دول حوض النيل) قرضاً بلغت قيمته أكثر من ٢٠ مليار دولار على شكل (قروض ميسرة لتطوير البنى التحتية الزراعية والصناعية) خلال لقاءات مؤتمرات منتديات التعاون الأفريقى الصينى خاصةً منتدى بكين "فوكاك" للتعاون الصينى الأفريقى فى سبتمبر ٢٠١٩، كما تخطت قيمة الإستثمارات الصينية المباشرة إلى دول حوض النيل الإستراتيجية مليارات الدولارات، وأصبحت الصين ثانى أكبر سوق للصين فى مجال المقاولات، وفى هذا المجال بلغت قيمة عقود المقاولات للشركات الصينية في أفريقيا أكثر من ١٢٧ مليار دولار حتى نهاية عام ٢٠١٨، وفى سنة ٢٠٢٠، بلغت قيمة الأعمال الصينية المنجزة فى دول حوض النيل خلال الأرباع الثلاثة الأولى أكثر من ٢٠ مليار دولار بزيادة قدرها ٥٠% مقارنةً بالأعوام السابقة، وبلغت مساهمة الصين فى القطاع الزراعى لدول حوض النيل ومشروعات الطاقة وتوليد الكهرباء والسدود عدة مليارات، وإرتفع عدد الشركات الصينية الزراعية لدى دول حوض النيل، وإستثمرت الصين بشكل مباشر فى هذا المجال، وبعد أن كان عدد المصانع والمؤسسات الصينية فى دول حوض النيل الأفريقية عام ٢٠٠٥ نحو ٧٠٠ شركة صينية، قفز عددها عام إلى أكثر من ثلاث آلاف شركة ومؤسسة صينية تعمل في جميع المجالات تقريباً بدول حوض النيل.

وتحرص الصين على دعم تواجدها فى مناطق الصراع والنفوذ العالمى، وبالطبع تقع منطقة (القرن الأفريقى وحوض النيل)، والذى تقع به أثيوبيا فى قلب مناطق الصراع التى لا تغيب الصين عنها مطلقاً، بحكم التنافس الإقليمى والدولى والأمريكى الشديد فى تلك المنطقة.

وجاء توجيه مراكز الفكر الصينية لصناع القرار فى بكين بضرورة تبنى الصين سياسة الشراكة الإستراتيجية مع دول حوض النيل الأفريقية، بغض النظر عن ماهية أنظمة الحكم الموجودة فى السلطة فى تلك البلدان، وهو الأمر الذى جعل الصين تلقى قبولاً عند كافة دول حوض النيل الأكثر أهمية للأمن القومى المصرى، بغض الصين النظر عن المطالب الدولية السياسية الأمريكية والدولية فى الموضوعات الشائكة لها، مثل: ملفات (حقوق الإنسان، الديمقراطية، الحصار الإقتصادى لبعض الدول الأفريقية)، وغيرها.

وفى ذات الإتجاه، يوضح تحليل إقتصادى صادر فى شهر إبريل ٢٠٢٠ عن (مؤسسة إنفستوبيديا الدولية) Investopedia المتخصصة فى الاقتصاد، أنه فى غضون السنوات الخمس الأخيرة، باتت الصين ضمن أكبر الإقتصاديات إستثماراً فى دول حوض النيل الأفريقية ومنطقة شرق أفريقيا، خاصةً عبر الدعم المالى لتلك الدول. ويضيف التحليل أن الثروات المعدنية والطاقة والنفط هى أكثر المحاور الأساسية لإستثمارات الصين فى كثير من الدول الإفريقية، مع وجود إستثمارات صينية أخرى فى مجال (الأغذية، البنية التحتية، بناء الموانئ، النقل). ونلاحظ أيضاً أن إستثمارات الصين تتمتع بميزة تنافسية عند تقديم العطاءات والمناقصات، فالحكومة الصينية تدعم الشركات الصينية وتقدم إعانات مالية للبلدان الأفريقية نظير ترسية العقود على شركاتها.

وتأتى الخطة الصينية فى توسيع نفوذها الجيوسياسى فى دول حوض النيل، كدول نامية فى حاجة للتكنولوجيا الصينية، ويمكن التدليل على ذلك من خلال تكثيف الصين لإستثماراتها في البنية التحتية فى دول حوض النيل، والذى تقدمه الصين من خلال (صندوق التنمية الصينى الأفريقى).

وبالنظر لإستثمارات الجانب المصرى فى دول منطقة منابع حوض النيل، نجد أنه فى الوقت الحالى تأتى الخطة المصرية بالإستثمار المصرى فى (دول حوض النيل)، والتى تقع ضمن دول المنبع لحوض النيل، من أجل الضغط على أثيوبيا فى موضوع (أزمة سد النهضة)، فقد بلغ حجم الإستثمارات المصرية فى (دول حوض النيل) أكثر من ١٢ مليار دولار، منها ٨ مليارات دولار فى السودان والباقى موزعاً على دول أخرى، وتتركز غالبية الإستثمارات المصرية فى مشروعات البنية التحتية فى دول حوض النيل، والتى تعمل على المدى الطويل كسلاح للضغط على الجانب الأثيوبى للإستجابة للشروط المصرية فى أزمة سد النهضة، وطريقة ملء الخزان، وعدم التأثير سلبياً على حصة مصر كدولة مصب من مياه النيل.

وهنا نجد أن مصر أكبر سوق أفريقية من حيث إجمالى الناتج المحلى الإجمالى، وتعد أيضاً فى الوقت ذاته أكبر سوق إستهلاكية فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كما نجد أن الإستثمارات المصرية فى أفريقيا خاصةً دول حوض النيل لها أبعاد إقتصادية وسياسية مهمة جداً، بالنظر لما تمثله أفريقيا من بعد إستراتيجى وأمنى خطير يؤثر على العمق الإستراتيجى والقومى لمصر.

لذلك، يبقى الإقتراح الأهم، بالنظر لتنافس القوى الإقليمية والعالمية للدخول إلى عمق الأمن القومى المصرى عبر التغلغل فى دول منطقة منابع حوض النيل الأفريقية، لذلك، يمكن للصين أن تكون داعم قوى لمصر عبر تسهيل إستثماراتها وفتح قنوات دائمة مع الدول الأفريقية لضمان التواجد المصرى فى عمق حدوده المائية الهامة فى حوض النيل، وهو ما يتأتى بتحالف مصر مع قوة ذات نفوذ إستراتيجى وعلاقات وثيقة مع تلك الدول كالصين.

وأخيراً، يمكننا الإشارة والتأكيد بأن العلاقات المصرية - الإفريقية، وبالأخص مع دول حوض النيل الأفريقية، تحتاج إلى مراجعة فى عدد من المحاور، أهمها: (تغير المفهوم العام لهذه العلاقات، والتى كانت تعتمد أيام الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر" على الدعم والمساندة لحركات التحرر الوطنى)، فى حين تغيرت أولويات الدول الأفريقية لحوض النيل الآن، وبدأت تركز على الجوانب الإقتصادية والتنموية، وبناء دول حديثة، وهذا كله يتطلب من مصر الإستثمار فى (الموارد الطبيعية، المعادن، الصناعات التحويلية)، وبالنظر لضخامة حجم الإستثمارات الصينية فى تلك البلدان عبر (مبادرة الحزام والطريق الصينية)، فإن الصين من خلال شراكتها الإستراتيجية مع مصر يمكنها أن تكون شريكتها لدول حوض النيل، بالنظر لحجم التنافس الدولى والإقليمى القوى على منطقة حوض النيل، وبسبب تلك العلاقات الصينية الوثيقة مع تلك الدول الأكثر أهمية للأمن المائى والقومى لمصر، فهنا، يمكن للجانبين المصرى والصينى الإتفاق سوياً على وضع خطة عمل مقترحة قصيرة وطويلة الأجل، يمكن للصين من خلالها مساعدة مصر ومساندة مشروعاتها التنموية فى دول حوض النيل، والتى تمس عمق الأمن القومى المصرى.