نادية حلمى تكتب :-هل يمكن أن تحمل الصين ملف مصر خلال ترأسها لجلسة "مجلس الأمن الدولى القادم" لحل أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا؟
وكيف يمكن أن يكون حل إشكالية سد النهضة الأثيوبى "إختبار حقيقى بين واشنطن وبكين لإدارة علاقاتهما المستقبلية بشكل إيجابى" ينعكس على المجتمع الدولى إيجابياً كأول تعاون حقيقى مثمر بين الطرفين؟
بدائل وخيارات عملية أحملها للجانبين الصينى الرسمى والرئيس "شى جين بينغ" وقيادات الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، والإدارة الأمريكية وصناع القرار فى واشنطن لحل أزمة سد النهضة العالقة بين مصر وأثيوبيا
للدكتورة/ نادية حلمى
أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والإقتصاد/ جامعة بنى سويف- الخبيرة المصرية فى الشئون السياسة الصينية والآسيوية، والعلاقات الصينية - الإسرائيلية، محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط/ جامعة لوند بالسويد- مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا
- عضو ملتقى الخبراء والباحثين العرب فى الشئون الصينية
- العناصر الرئيسية
- أولاً: التخوف الأمريكى من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى
- ثانياً: كيف يمكن أن تستفيد مصر من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة؟
- ثالثاً: بدائل دولية أخرى يمكن أن تقدمها الصين لمصر خلال فترة ترأسها القادمة لمجلس الأمن الدولى لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا
- رابعاً: مقترحات عملية أخرى "على المدى الطويل" أقدمها للجانب الصينى الرسمى - للإستفادة من عمق العلاقات الصينية الأثيوبية - لوضع الصين حلول عملية للجانب الأثيوبى بشأن أزمة "سد النهضة" بين مصر وأثيوبيا
- خامساً: هل يمكن أن تتعاون الصين والولايات المتحدة الأمريكية سوياً مع مصر لإقناع الجانب الأثيوبى بوجهة النظر المصرية - السودانيةبشأن أزمة "سد النهضة" بين مصر وأثيوبيا؟..... بالنظر لعمق العلاقة المزدوجة والثنائية بين أثيوبيا والصين وواشنطن
ربما جاء هذا العنوان محل إستفهام للعديدين ممن يتساءلون عن (أبرز الملفات التى يمكن أن يحملها الجانب الصينى خلال فترة ترأسه للجلسة القادمة فى مجلس الأمن الدولى)، وكخبيرة فى الشأن السياسى الصينى - ومقربة فى الوقت ذاته من كافة الأطراف الرسمية فى بكين - فكنت ومازلت كأكاديمية شابة مصرية أحمل للجانب الصينى الرسمى بإستمرار كافة التخوفات المصرية والعربية من الصين، ولا سيما فى ملفات عديدة ندرسها سوياً، كملفات:(سد النهضة الأثيوبى ودور الشركات الصينية والدولية به، وملف العلاقة بين مسلمى الإيغور والدولة الصينية، وملف الدور الإيرانى فى المنطقة والتخوفات الخليجية من التقارب الصينى - الإيرانى وملفات حساسة أخرى).
وتأتى أهمية (ترأس الصين لمجلس الأمن هذا الشهر بالنسبة للأمن القومى لمصر) لأهمية الإستفادة منه على الجانب المصرى (بضرورة عودة مصر ولجوئها إلى مجلس الأمن الدولى عبر تقديم مذكرة رسمية دولية، تطلب مصر فيها مساعدة الصين بصفتها "رئيس دورة الإنعقاد الحالى لمجلس الأمن" ومعها حليفتها روسيا، قبل أن تبدأ أثيوبيا عملية تعلية "الممر الأوسط" الذى يؤدى فى النهاية إلى التخزين للمرة الثانية للصيف المقبل فى حدود 13 مليار متر مكعب، ليصل المجموع إلى 18 مليار متر مكعب وهو ما يؤثر سلبياً على دولتى المصب "مصر والسودان").
وفى حال عدم التوصل – حتى هذه اللحظة - لإتفاق كلى شامل لحل أزمة سد النهضة بين مصر وأثيوبيا من خلال وساطة الإتحاد الأفريقى، يبقى لدى مصر المسار الأهم فى ذلك الإطار، وهو "مسار مجلس الأمن الدولى الذى تترأس الصين دورته الحالية"، ذلك أنه "ليس أمام مصر فى هذه الحالة إلا أن تتجه لمجلس الأمن الدولى الذى ترأسه الصين فى دورته المقبلة لوضع أزمة سد النهضة على أجندة الصين"، والصين وفق إعتقادى وفهمى لهم تتفهم تماماً الجانب المصرى، والذى يمكنه أن يطلب من الصين خلال ترأسها لدورة مجلس الأمن القادمة، أن "يعين مجلس الأمن الدولى بإشراف صينى مجموعة من الخبراء تقوم بوضع مسودة إتفاق للتوافق عليها"، ولمن يخشى من عامل الوقت، بإعتبار أن "فترة الملء الثانى للخزان الأثيوبى سيكون فى شهر يوليو القادم لعام 2021"، ولكنى أعتقد وفقاً لقراءتى وفهمى للمشهد العام "أنه مازال هناك متسع من الوقت لدى مصر والصين للتوافق حول شروط وإمكانيات الحل فى ظل تفهم الصين لرغبة مصر فى حل تلك الإشكالية بين مصر وأثيوبيا".
ولعل طلب مصر لجهود الوساطة الصينية، هو ما يتوافق تماماً مع ما طالبت به دراسة صدرت أخيراً عن (مجموعة الأزمات الدولية) ووجهتها للدول الثلاث المعنية "مصر، السودان، أثيوبيا" بشأن قضية سد النهضة، بعد فشل جهود الوساطة الأمريكية، وتأكيد تلك الدراسة بضرورة "طلب الدعم من طرف ثالث موثوق لدى كافة الأطراف، كشريك متفق عليه للخروج من المأزق الراهن".
وهنا يأتى "التخوف الأمريكى من ترأس الصين لمجلس الأمن فى دورة إنعقاده القادم"، والذى ترجمه عدداً من محلليها وخبرائها الدوليين، بتخوفهم من دور الصين فى ترأس مجلس الأمن الدولى، وإستخدام الصين مجلس الأمن الدولى كـــ "أداة سياسية لتمرير سياستها ومصالحها وأجندتها الدولية"، مؤكدين بأن "الدول التى تتولى الرئاسة، تتولى صياغة جدول الأعمال الرسمى للمجلس، بما يعكس أولوياتها الوطنية، وهو بالقطع ما ستفعله الصين وفقاً لتأكيداتهم".
ولمن لا يفهم الصين خاصةً لزملائى المختصين بالشأن الصينى، فإسمحوا لى أن أنقل لكم بعناية فائقة بأن "الصين تهتم وبشدة بكل ما يكتب ويقال عنها حتى لو كان بشكل سلبى أو فكاهى ساخر، على غرار الفيديو السلبى الفكاهى لمجموعة من الفتيات المصريات"، والذى تم نشره منذ أقل من يومين من تاريخ كتابتى لهذا المقال غير المعتاد بالنسبة لكم، والذى يسخر من الصاروخ الصينى وفيروس كورونا الصينى ودور الصين السلبى فى العالم. فلمن لا يعلم، فإن "الصين تهتم إهتماماً كبيراً بدراسة وقياس كافة توجهات الرأى العام المصرى والعربى والإسلامى، ومراكز بكين البحثية والفكرية تبحث وتدرس على الدوام كيفية سد أى فجوة وإزالة أى فهم لسوء بينها وبين مواطنينا سواء فى مصر والعالمين العربى والإسلامى".
وفى الوقت ذاته، تولى الصين أهمية كبيرة للدور المصرى عالمياً وإقليمياً ومركزية المحور المصرى وجغرافيتها فى (مبادرة الحزام والطريق الصينية)، لذا، جاءت تقارير مراكز الفكر والأبحاث الصينية منذ فترة قصيرة للغاية كى تثبت أن "مصر قد أثبتت بالفعل دورها عالمياً ومحورية تأثيرها فى صناعة القرار العالمى وإقتصاد العالم بشكل عملى"، ولقد أثبتت التقارير الفكرية والبحثية الصينية ذلك، بالتأكيد على "أن جنوح السفينة "إيفر جيفن" فى قناة السويس، وتعطل هذا الممر الحيوى المصرى العالمى، قد أثبت مركزية الدور المصرى ومحوريته فى الشرق الأوسط والسياسة الدولية فضلاً عن أهمية دور مصر فى إحتفاظ أى دولة بمكانتها فى هذا النظام الدولى كالصين".
ولمن يفهمنى بشكل خاطئ، فأنا أيضاً أقع وعلى الدوام فريسة غضب المحيطين بى من الصين، فمنذ سنوات طويلة يتم ربطى بالصين – وربما كان الجميع فعلاً محق فى ذلك لقربى الشديد للصين والذى لا ولم أنكره لحظة – والذى كان من أهم نتائجه هى وصول العديد من الدعوات الرسمية والأكاديمية الدولية لى لتوضيح وجهة نظر الصين حول كل شئ، ومشاركتى فى مؤتمر "جامعة هارفارد" الذى شارك به السيد/ يانغ جيتشى – رئيس مكتب العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، للحديث عن "مستقبل وإشكاليات العلاقات الأمريكية - الصينية وإنعكاساتها دولياً".
مع العلم، أن "جامعة هارفارد" هى الجامعة الأولى بالولايات المتحدة الأمريكية والعالم، والتى نشرت كتابى الدولى الهام بالإنجليزية، والذى تمت دعوتى فى مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد لتأليفه، حول: "تأثير مراكز الفكر الإسرائيلية والأقليات اليهودية فى الصين على الأمن القومى العربى"، ونشرته ووضعته فى مكتبتها الدولية، ونفس الأمر فعلته أبرز الجامعات الأمريكية الأخرى والعالمية المرموقة، ومؤتمر "جامعة هارفارد" هو المؤتمر الذى شارك به السيد/ يانغ جيتشى – رئيس مكتب العلاقات الخارجية بالحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، والذى شارك أيضاً مع السيد/ وانغ يى وزير خارجية الصين فى "مباحثات ألاسكا"نهاية شهر مارس الماضى مع وزير الخارجية الأمريكى "أنتونى بلينكن"لوضع "الملامح العامة للعلاقات بين الصين وواشنطن"، ودعوتى القادمة للمشاركة فى "مؤتمرات لعدد من الدبلوماسيين الصينيين فى سفارة الصين فى واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية لبحث وحل إشكاليات العلاقة بين الصين والجانب الأمريكى".
لذلك فليس مستغرباً أيضاً "ترأسى وإختيارى لرئاسة مؤتمر دولى هام الشهر القادم لبحث عدد من "إشكاليات العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية والعالم"، أوجه فيه الدعوة "رسمياً" لأبرز الشخصيات الدولية والأممية للإستماع والمشاركة – وحتى لا تتوهون معى فى تفاصيله- فسأكتب بشكل منفرد عنه وعن "نتائج المفاوضات والمؤتمرات الرسمية والفعلية والأكاديمية بين واشنطن وبكين بإعتبارى مشاركة فعلية فيها، وليس مجرد محللة للمشهد من بعيد كزملائى الباحثين الآخرين فى الشأنين الصينى والأمريكى".
وأعلم تماماً، أننى ربما إخترت مقدمة طويلة شخصية لمقالى للتحدث فيها عن نفسى وعن دورى وعن حضورى وكافة مشاركاتى الدولية – ولكن كان لابد أن أبدأ بها حتى يتفهم الجميع وجهة نظر الصين وكيف تعمل مراكزها الفكرية والبحثية، بل والأهم لكم: الفهم التام لدورى كأكاديمية مصرية ومشاركتى بين واشنطن وبكين فى عدة ملفات شتى أحضرها وأستمع لها دولياً عبر برامج التواصل الحية – وبناءاً عليه، فأرجو أن يتسع صدر الجميع لفهم المغزى العميق من وراء كتابتى لهذا المقال التحليلى القصير وتحليل وفهم ما أرمى إليه من وراءه كمواطنة مصرية أولاً قبل أن أكون أى شيئاً آخر؟
- ولتفهم وجهة نظرى لكتابتى لهذا المقال التحليلى الهام، الذى أدعوكم جميعاً لقراءته وفهمه، فلتفهموا جميعاً وجهة نظرى، خلال العناصر التالية:
- أولاً: التخوف الأمريكى من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى
من خلال متابعتى المستمرة والدقيقة – كخبيرة فى الشأن السياسى الصينى - لكافة التحليلات الأمريكية بشقيها (الرسمى والأكاديمى) حول (فترة رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى)، لاحظت(مدى التخوف الأمريكى من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى).
وكان واحد من أبرز التحليلات الشاملة الطرح والتى أطلعت عليها الباحثة، هو تحليل الخبيرة الأمريكية فى الأمن القومى "مورغان لورين فينا"، عبر موقع "مجلةناشيونال إنترست الأمريكية"، بتأكيدها على "ضرورة منع الصين من إستغلال مجلس الأمن الدولى عندما تتولى الرئاسة الدورية له هذا الشهر".مع توجيه الباحثة "مورغان فينا" لرسالة شديدة اللهجة التحذيرية إلى الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين فى مجلس الأمن الدولى، بقولها: "لا تدعوا الصين تختطف المجلس، ويجب على الولايات المتحدة والدول االخمس دائمة العضوية حماية نزاهة المجلس وفضح خداع الصين"، مع تأكيد الباحثة الأمريكية "فينا" فى نهاية مقالها، بأن: "الأمم المتحدة ومجلس الأمن هدف سهل لبكين لتحقيق أقصى قدر من النفوذ".
ويأتى التخوف الأمريكى تحديداً من سياسية وإستراتيجية الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين، والذى بات يتبنى عملياً (رؤية إستراتيجية دولية للصين على المستويين المتوسط والطويل)، فعلى المستوى المتوسط، يسعى الحزب الشيوعى الصينى لتطوير الصين لتصبح (دولة متقدِمة متوسطة المستوى بحلول عام 2035)، وعلى المستوى الطويل، يسعى الحزب الشيوعى الصينى لتحويل الصين إلى (قوة عظمى بنفس مستوى الولايات المتحدة الأمريكية بل وأكثر تفوقاً عليها وذلك بحلول عام 2050). لذلك تحولت شكل العلاقة الحالية إلى ما يشبه (التنافس الإستراتيجى)بين الطرفين الأمريكى والصينى.
كما يمكن فهم التخوف الأمريكى أيضاً من الصعود الصينى، من خلال تقرير "فرقة العمل الصينية التابعة لمجلس النواب الأمريكى" – والذى أطلعت عليه الباحثة المصرية منذ عدة أشهر– وتأكيدهم على أنه "يتعين على الحكومة الأمريكية والكونغرس الإلتزام بسياسة طويلة الأمد من الحزبين الديمقراطى والجمهورى لإنهاء سيطرة الحزب الشيوعى على الصين".
كما كشفت "تقارير سرية أمريكية" أخرى تم الإفصاح عنها مؤخراً من خلال "دراسة سرية أعدها مركز أبحاث الكونغرس الأمريكى"، عن "إنتهاج ودراسة إدارة الرئيس الأمريكى "بايدن" خططاً لتجريد الرئيس الصينى "شى جين بينغ" إعلامياً بالأساسمن لقب "الرئيس شى"، وهو اللقب الذى تستخدمه – من بين ألقاب عديدة يحملها كالأمين العام للحزب الشيوعى العام ورئيس المؤسسة العسكرية الصينية وغيرها - الحكومات والمؤسسات الإعلامية الغربية الناطقة باللغة الإنجليزية.
كما يأتى التخوف الأمريكى الأبرز من الصين، وذلك بحسب (نظام القياس الذى تحدد من خلاله وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية أفضل معيار للمقارنة بين الإقتصادات الوطنية فى العالم) بصعود الصين لتصبح أكبر إقتصاد فى العالم، حيث أصبحث الصينفعلياً الآن بمثابة "ورشة التصنيع الرئيسية فى العالم"، والشريك التجارى الأول لمعظم الإقتصادات الرئيسية، وأيضاً المحرك الأول لنمو الإقتصاد العالمى. ومن هنا، يمثل (صعود الصين التحدى العالمى الأكثر تعقيداً الذى يواجه صناع القرار فى واشنطن)، فهى الخصم الأكثر شراسة الذى يواجه الولايات المتحدة.
كما أنه وعلى الجانب الآخر، فتكمن وجهة نظرى هنا بأن الصين دولة مؤثرة ولها نفوذ دولى عميق، لذلك أتوقع أنه مع طول أمد وفترة الصراع بينها وبين الولايات المتحدة، فسوف يتعين على أمريكا مستقبلاً أن تجد سبلاً لــــ "التعايش السلمى" مع الصين، بدلاً من حالة التنافس والصراع المتبادل بينهما الآن.
- ثانياً: كيف يمكن أن تستفيد مصر من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة؟
يمثل ملف سد النهضة (أزمة حقيقية فى إدارة الملف المصرى لعلاقاته الدولية إقليمياً وعالمياً)، حيث أعلنت أثيوبيا عدة مرات (فشل المفاوضات) ثم تبعها تصريحات من الخارجية الأثيوبية نفسها – وعلى خلاف الحقيقة - بإعلان أن المفاوضات فشلت من الجانب المصرى، ونجد هنا أن (كثرة الأطراف الفاعلة فى ملف سد النهضة يعقد الملف ويحتم على مصر بناء التحالفات وآليات الضغط على الممولين)، وأن يكون لكافة تلك الأطراف دور فى جهود الوساطة والحل مع الجانب الأثيوبى بحيث (لا يضر ملء السد الأثيوبى بحصة مصر المائية ضرراً كبيراً).
ولمحاولة حل تلك الإشكالية، قام الرئيس(عبد الفتاح السيسى) بعدد كبير من الزيارات للدول الأفريقية، وعقد أكثر من (120 إجتماعاً مع قادة ومسؤولين أفارقة خلال زيارتهم لمصر أو على هامش المؤتمرات التى شارك فيها)، ويعتبر ذلك (مؤشراً هاماً فى التحول الجذرى فى سياسات مصر تجاه أفريقيا من خلال تكثيف الزيارات والإجتماعات رفيعة المستوى) حيث مثلت تلك السياسة أثراً فى (إستعادة مصر دور الحضور داخل عضوية منظمة الإتحاد الأفريقى)، هذا المدخل كان له تداعياته فيما يتعلق بـــ (أهمية الشق القانونى وجهود الوساطة والتفاوض الدولى فيما يتعلق بإدارة مصر لعلاقاتها مع القوى الإقليمية والكبرى والشركات الدولية العاملة فى سد النهضة) مقابل إصرار وتعنت الحكومة الإثيوبية تجاه مصر والسودان.
وقد إستغلت إثيوبيا إنشغال مصر مرتين، (المرة الأولى) خلال (إنشغال مصر بأحداث ثورة 30 يونيو) حيث قام رئيس الوزراء الإثيوبى السابق (ديسالين) بوضع حجر الأساس فى 2 أبريل 2011، بعد أن تم تحديد موقعين فى منتصف 2010 لدراستهم قبل وقوع الإختيار النهائى على نفس الموقع، و(المرة الثانية) حينما أخذت أثيوبيا عدة تحركات سريعة من أجل (إبرام عقود أثيوبية مع الشركات وجمع الممولين والمتبرعين وحصلت عليه شركة إيطالية بقيمة 4.5 مليار دولار)، وقابل ذلك وجود تخبط شديد وإرتباك فى إدارة السياسات المصرية تجاه الموضوع فى بادئ الأمر، وعدم إعطاء الأمر وزنه الحقيقى والمناسب حيئذ، مما تسبب لاحقاً فى العديد من التداعيات السلبية على سياسات مصر وعلاقاتها الخارجية.
وتعتبر أهم الفواعل حول ملف سد النهضة هى (القوى الدولية والإقليمية التى لها إستثمارات داخل إثيوبيا، مثل بعض الشركات الأمريكية نفسها وشركات أخرى دولية متعددة الجنسية وإستثمارات دولية من جانب الصين وإسرائيل وتركيا وقطر ودول أوروبية عديدة وبعض الدول الخليجية) بالإضافة إلى العديد من الدول والقوى الدولية والإقليمية الأخرى، وتلعب تلك القوى دوراً كبيراً فى (تشكيل وصناعة القرار الإثيوبى)، حيث أن (بعض تلك الإستثمارات الدولية والأجنبية فى سد النهضة الأثيوبى ليست ذات عائد إقتصادى فقط، فالبعد السياسى والأمنى يلعبان دوراً كبيراً فى توجيه الإستثمار وتحديد أطره وأشكاله الفنية التى تؤثر فى ديموغرافية المنطقة والأمن القومى لعدة دول بالمنطقة) وذلك نظراً لأهمية (منطقة القرن الأفريقى وشرق أفريقيا التى تعد دولة "أثيوبيا" مدخل هام لها) فى الدخول إلى عمق القارة الأفريقية والتحكم فى مساراتها المستقبلية وعمق علاقاتها.
- وللإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن تستفيد مصر من رئاسة الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة؟
كباحثة متخصصة فى الشأن السياسى الصينى، لا يمكننى أن أنكر أبداً دور الشركات الصينية العاملة فى أثيوبيا وسد النهضة الأثيوبى، فضلاً عن دور قوى إقليمية ودولية أخرى عديدة، من بينها دول عربية شقيقة وإن كان ذلك ليس موضوعنا الآن لعدم تشتيت التركيز، وعند دراستى المتعمقة لبيان(خريطة الإستثمار داخل مشروعات السد الأثيوبى)، كان ذلك قادراً على توضيح (حجم التأثير فى صناعة القرار الإثيوبى من قبل كل دولة تستثمر فى مشروعاته)، تبين لى أهمية الجانب الصينى فى التأثير على "صناعة القرار الأثيوبى" خاصةً أن فشل جهود الوساطة الأمريكية أظهر أن الخلاف وصل طريقاً مسدوداً، لذلك كان لابد له من إشراك أطراف أخرى مؤثرة على القرار الأثيوبى وفى مقدمتها الصين.
ونظراً لبعد المنطقة وخبرائنا وباحثينا عن مراكز الفكر والأبحاث الصينية المؤثرة فى صناعة القرار الصينى، ولاسيما (مراكز الفكر البيئية الصينية المهتمة بدراسة آثار التغيرات المناخية والطبيعية على العالم، والتى تدخل دراسة أزمة سد النهضة ضمن حدودها البحثية لصانع القررار فى الصين)، فإن وجهة نظرهم تكمن فى "أن بكين يمكنها إستخدام خبرتها فى بناء السدود وإدارة آثار السدود الضخمة لمساعدة الدول الثلاث "مصر، السودان، أثيوبيا" على التوصل إلى إتفاق مرضى لكافة الأطراف".
وعلى مستوى (جهود الوساطة الدولية)، يمكن ملاحظة أنه على جانب (الإتحاد الأوروبى)، فلقد تميز بحضور باهت وخطوات مترددة فى هذه أزمة سد النهضة، بل وتوارى، مرة أخرى، أمام مبادرة الوساطة الأمريكية التى فشلت تقريباً فى التقريب بين وجهات نظر القاهرة وأديس أبابا.
لذلك، فإنه لا يجب للمجتمع الدولى ترك البلدين (مصر وأثيوبيا) فى الوضع الراهن لحالهما، وإلا سيكون لذلك عواقب على الإستقرار الأمنى فى المنطقة وأفريقيا ككل والعالم، وبات يتعين على القوى الإقليمية والدولية ممارسة جهود حقيقية للضغط على أثيوبيا وتعبئة الدول الحليفة (لمصر). مع الأخذ بعين الإعتبار كما رأينا فى السابق، أنه رغم أن الولايات المتحدة والأوروبيون، وكذلك دول الخليج وغيرهم يرتبطون جميعاً بعلاقات جيدة مع البلدين (مصر وأثيوبيا)، ولكن، من الواضح أنهم "غير مستعدين للإنحياز إلى أى من أطراف الصراع لصالح الآخر من أجل إنجاز وتحقيق مصالحهم".
ومن هنا، يكمن الحل من وجهة نظرى للجانب الرسمى الصينى بأهمية لعب دور مؤثر ومساندة الجانب المصرى والسودانى خلال (فترة ترأس الصين القادمة لمجلس الأمن الدولى)، من خلال الإستفادة من (العلاقات الإيجابية الصينية الروسية فى مجلس الأمن الدولى، فضلاً عن دور الوساطة الأمريكى الفعلى بين مصر وأثيوبيا مما يعنى رغبة وترحيب الجانب الأمريكى فى وضع أطر وبدائل أخرى لحل إشكالية السد الأثيوبى)، لذلك (يمكن لمصر أن تنسق مواقفها مع الصين وبالأخص خلال فترة ترأسها لمجلس الأمن الدولى، لرفع الأمر دولياً للصين كما ذكرت، للتأثير على أثيوبيا إيجابياً لصالح مصر والسودان الشقيقة، ولا أعتقد أن الصين سيكون لديها مانع للعب دور ما فى الوساطة بين مصر وأثيوبيا لصالح الطرفين)، بالنظر كما قلت لعلاقة الصداقة بين الصين وأثيوبيا ومصر، ونفس الأمر أيضاً ينطبق على الجانب الأمريكى فى علاقته بمصر وأثيوبيا بشكل إيجابى.
وتكمن وجهة نظرى المقدمة إلى الصينيين بـــ (تقديم مبادرة تعترف بشكل أساسى بدور أثيوبيا وحقوقها فى التنمية وتوليد الطاقة، ولكن أيضاً الأخذ بعين الإعتبار العواقب السلبية على مصر وإدارة ملف العلاقة بشكل عملى وإيجابى مرضى بين الجانبين).
- ثالثاً: بدائل دولية أخرى يمكن أن تقدمها الصين لمصر خلال فترة ترأسها القادمة لمجلس الأمن الدولى لحل إشكالية الأزمة المثارة بين مصر وأثيوبيا
تعد مباحثات سد النهضة بين القاهرة وأديس أبابا من أكثر المباحثات المعقدة عالمياً أمام تشبث مصر بـــ "حقوقها التاريخية المشروعة وفقاً للقانون الدولى" وأثيوبيا بــــــ "طموحاتها فى التنمية وتوليد الطاقة وفقاً لوجهة نظرها"، غير أن هناك خيارات وبدائل أخرى تتطلب قدراً من الشجاعة بتقديم تنازلات متبادلة كما يرى خبراء المياه حول العالم.
وأهم البدائل والخيارات التى يمكن أن تحملها الصين لأثيوبيا فى مجلس الأمن، وأعتبرها تقع ضمن منطقة "حلول الوسط" الممكنة، هى أن (تتفاوض الصين لإقناع أثيوبيا على أن يتم ملء السد تدريجياً فى موسم الأمطار، مع أخذ التداعيات على السكان فى مصب النهر بمصر والسودان بعين الإعتبار). بعد ذلك، "يمكن تشغيل السد على المدى الطويل وفقاً لآلية تأخذ فى الإعتبار إحتياجات توليد الطاقة وتدابير الحماية المناسبة لمصر والسودان خلال فترات الجفاف".
ويجب على الجانب الصينى عند لعب دور لجهود الوساطة بين مصر وأثيوبيا، أن يسعى إلى "تضمين أى إتفاق يحدث بين مصر وأديس أبابا لأكبر قدر ممكن من التفاصيل التى تغطى جميع الإحتمالات الممكنة فى المستقبل، بما فيها دراسة كافة التقلبات المتعلقة بالتغيير المناخى الذى قد يفسد الحسابات المستقبلية لأثيوبيا نفسها"، والمتعلقة بإحتمالية وجود هبوط أرضى أو سقوط جزئى لجزء من سد النهضة يؤثر على دول الجوار وفى مقدمتها السودان، إضافةً إلى (إمكانية تفاوض الصين لإقناع أثيوبيا من أجل حصول الجانبين المصرى والسودانى على طاقة كهربائية رخيصة من أثيوبيا).
وعلى جهود الوساطة الصينية، فيجب أن تعمل الصين هنا من أجل (بناء الثقة بين الأطراف المتفاوضة وإظهار حسن النية وصولاً إلى تحقيق المنفعة المشتركة من خلال صيغة توازن ما بين الطموحات الأثيوبية والحقوق التاريخية لمصر والحيلولة دون الصدام)، وهو البديل الذى أثبتت الخبرة الدولية أنه الخيار الأكثر نجاحاً والأفضل من حيث النتائج، إذا ما صدقت الإرادة السياسية للأطراف المتفاوضة، والأهم قوة وصدق الطرف (القائم بالوساطة) وهو الصين، ورغبته صدقاً فى القيام بهذا الدور، وهو الأمر الذى ربما قد أجده مع الجانب الصينى مقارنةً بأى أطراف أخرى، نظراً لمصالح الصين المشتركة فى مشروعات التنمية بين مصر وأثيوبيا عبر (مبادرة الحزام والطريق الصينية).
وهنا نجد، أنه بالنظر لتمتع بكين بعلاقات قوية مع القاهرة وأديس أبابا، فضلاً عن مشاركتها فى بناء وتمويل مشروعات التنمية الإقتصادية الكبرى فى البلدين، وهى بالفعل مهتمة بتجنب التصعيد بين مصر وأثيوبيا، لذلك، نجد أن (الوساطة الصينية ربما تساعد فى إعادة بناء الثقة المتضائلة بين القاهرة وأديس أبابا). وهو تقريباً نفس الإتجاه الذى عبر عنه وزير الخارجية الصينى (وانغ يى) خلال سؤاله عنه فى مؤتمر صحفى سابق، بتأكيده على وجهة نظر الصين فى "ضرورة الحوار لإيجاد حل مقبول لجميع الأطراف فى أقرب وقت ممكن"، مع تأكيد "وانغ يى" فى الوقت ذاته فى "أن بلاده مستعدة للعب دوراً بناءً فى هذا الملف بين مصر وأثيوبيا".
- رابعاً: مقترحات عملية أخرى "على المدى الطويل" أقدمها للجانب الصينى الرسمى - للإستفادة من عمق العلاقات الصينية الأثيوبية - لوضع الصين حلول عملية للجانب الأثيوبى بشأن أزمة "سد النهضة" بين مصر وأثيوبيا
إن التعامل مع ملف سد النهضة مع الجانب الأثيوبى، يجب أن يكون وفقاً لإستراتيجية طويلة المدى، جوهرها خلق (صيغة توافقية تجمع دول حوض النيل وتراعى مصالح الجميع)لذلك يجب
أن يتم التحرك السياسى المصرى السريع والمكثف للتفاوض مع أثيوبيا إقليمياً ودولياً – ويمكن أن يتم ذلك عبر الصين – من أجل "إطالة زمن المفاوضات وتضييق البدائل المتاحة لدى الجانب الأثيوبى".
وإقترح الجانب الصينى بالفعل فى السابق، تعظيم الفائدة المصرية من مبادرة الحزام والطريق لتقوية علاقات مصر بأفريقيا وأثيوبيا على الأخص هن طريق الصين، وذلك عبر (إنشاء خط سكة حديد بالصحراء الغربية يربط مصر بشمال السودان إلى الدول الأفريقية الحبيسة كتشاد، وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا). ويمكن أن يمتد هذا الخط إلى بتسوانا، أو قد يتكامل مع الخط المزمع التوسّع فيه من كينيا إلى رواندا، وبوروندى، وجنوب السودان.
كما إقترحت الصين أيضاً منذ سنتين تقريباً، بأن (يُطرح مشروع إقليمى من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية فى إطار مشروع أوسع لربط القارة الأفريقية بخطوط سكك حديدية يتكامل فيها طموح القوى الأفريقية مع الجانب المصرى)، خاصة أنها تطرح نفسها كمحور لتلاقى خطوط السكك الحديدية لغرب أفريقيا مع وسط أفريقيا، ومن ثم تستفيد الدول الحبيسة أيضاً كأثيوبيا وتنمو حركة التبادل التجارى بينها. فالدول الأفريقية التى تشملها المبادرة لا تزيد على عشر دول يشملها الطريق البحرى "طريق الحرير" وتحرم الدول الحبيسة، مثل (أثيوبيا) من الإنضمام إلى المبادرة بشقها البحرى.
لذلك، فنصيحتى المقدمة للجانب المصرى، هى ضرورة "الإصرار لبحث كافة تلك الخيارات والبدائل الصينية مع بكين وترجمتها عملياً من أجل الصالح المصرى". وأقدم هنا بعض البدائل والمقترحات – والتى قدمتها فعلياً وعملياً منذ سنة تقريباً للجانب الصينى وقمت بنشرها – وأعيد التأكيد عليها مرة أخرى، من أجل وضع "رؤية عملية طويلة المدى مع الصين لحل كافة إشكاليات العلاقة بين مصر وأثيوبيا".
- وللإجابة عن سؤال: كيف يمكن أن تساعدنا الصين عملياً وعلى المدى الطويل فى مواجهة بناء أزمة سد النهضة فى أثيوبيا؟ (مقترحات عملية مقدمة لصانع القرار الصينى)
1- إنشاء الصين لــ (محطات ضخمة لمعالجة المياه وإستخدامها أكثر من مرة، وإنشاء محطات لتحلية مياه البحر فى مصر، وتدريب خبرائنا على تكنولوجيا ومهارات سقوط المطر بطريقة إصطناعية)، وهى ما يعرف بتكنولوجيا (الإستمطار الصناعى).
2- إستقدام خبراء من الصين لمساعدتنا فى (إعادة تدوير المياه من خلال محطات معالجة المياه المتطورة)، حتى نستخدم المياه أكثر من مرة، بمعنى تعظيم المتاح.
3- إمداد الصين للجانب المصرى بتكنولوجيا متقدمة لــ (إعادة إستخدام مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى والصرف الصناعى) مرات أخرى.
4- يجب على الصين أن (تقف مع مصر وتتوسط لإنجاح مبادرتها وإقتراحها على الجانب الأثيوبى بإطلاق 40 مليار متر مكعب من المياه كل عام، وإطلاق المزيد من المياه عندما يكون سد أسوان أقل من 165 متراً فوق مستوى سطح البحر)، ودعت مصر(طرفاً رابعاً) فى المناقشات بين الدول الثلاث (مصر، السودان، أثيوبيا)، والإقتراح المتفق عليه هو أن دولة الوساطة هى الصين، بالنظر للعلاقات الوثيقة بين الصين ومصر.
.
5- تعرض الصين تقديم خبراتها من الفنيين والمتخصيين في الرى والزراعة والهندسة للمساعدة فى (تشييد السد والإتفاق على التعديلات اللازمة نحو ضمان عدم تأثير السد على الحصة المائية لمصر والسودان) مع ضمان الإستفادة الإثيوبية منه فى الوقت ذاته.
6- تقوم الصين بدور الوساطة مع أثيوبيا من أجل (الإتفاق على تخصيص أراضى لمصر للزراعة بإثيوبيا وكذلك فى جنوب السودان)، ضماناً لإستفادة مصر مائياً وغذائياً من بناء سد النهضة الأثيوبى.
7- على الجانب الصينى، من خلال شركاته العاملة فى سد النهضة الأثيوبى (تقديم دراسات وافية ودقيقة لمصر حول جدوى السدود الأثيوبية على نهر النيل)، ومدى تأثير تلك السدود الأثيوبية فى حالة إنشائها على منطقة البحيرات العظمى والهضبة الإثيوبية.
8- على الجانب الصينى التوسط والمساعدة فى (تقديم التسهيلات الخاصة بعملية الإستثمار للشركات المصرية فى أثيوبيا)، مثل: شركات (المقاولون العرب والسويدى) وغيرها، وتقديم الدعم الفنى لها للتواجد بصورة أكثر فاعلية في أثيوبيا.
9- ينبغى أن يكون هناك (تعاون إستخباراتى ثلاثى بين الصين ومصر وأثيوبيا، خاصةً مع التواجد الكثيف للصينيين فى أثيوبيا الذى يقدر بأكثر من ٦٠ ألف مواطن وعامل صينى فى أثيوبيا)، من أجل حل عدد من القضايا المشتركة بين مصر وأثيوبيا، مثل: (الإرهاب والأمن والقرصنة، وملفات الحركات المسلحة) فى الصومال، وأوغندا، وغرب أفريقيا.
10- إن توفير الصين لعنصر (التدريب الإستخباراتى والعسكرى للقيادات الأثيوبية الأمنية - سواء فى الصين أو داخل أديس أبابا - يمكنه أن يرسى بعض التفاهمات لدى الجانب الأثيوبى) حول القضايا المصرية المصيرية.
11- على الجانب الصينى التوسط لدى أثيوبيا من أجل (شرح الموقف القانونى بالطريقة المثلى حول مخاوف مصر من بناء سد النهضة، وضرورة إنجاز التفاوض حول المواد المختلف عليها فى اتفاقية عنتيبى للمياه بين مصر ودول مياه النيل)، بما يحفظ الحقوق المصرية فى مياه النيل وعدم المساس بحصتها التاريخية حتى ينتهى الجانب المصرى من عملية تنظيم إستغلال مياه النهر من خلال تلك الإتفاقية.
12- قانونياً،إن التحكيم يجب أن يكون الطرفين المصرى والأثيوبى موافقين عليه وعلى الإلتزام بنتائجه وإلا فاللجوء إليه لن يجدى، ومن هنا (يمكن للصين أن تضطلع بهذا الدور لإقناع الجانب الأثيوبى بالموافقة على اللجوء للتحكيم).
13- وعملياً،وكحل واقعى لحل الأزمة بين مصر وأثيوبيا، فإنه (يمكن للصين أن تقدم مشروع للربط الكهربائى بحيث يسمح بتصريف كهرباء سد النهضة بين البلدان الثلاث "مصر- السودان- أثيوبيا" أو تصديرها عبر الشبكة المصرية للإقليم أو لأوروبا)، ويتم بالتوازى ربطاً بالسكك الحديدية وبطريق برى يقود لخروج أثيوبيا كدولة حبيسة من عزلتها الجغرافية وصولاً إلى البحر المتوسط، والإستفادة من الموانئ المصرية.
14- ضمان الصين من خلال (ممارسة الضغط على أثيوبيا - بتدفق ما لا يقل عن 40 مليار متر مكعب من مياه السد سنوياً إلى مصر)، كضمان وحيد ملزم حتى إذا ما إكتمل بناء السد فى مراحله الأخيرة.
15- قد تضغط الصين على أثيوبيا من أجل أن تقبل بــ (إطالة فترة ملء خزان سد النهضة من سبع إلى عشر سنوات)، مع الحفاظ على مستوى المياه بسد أسوان فى مصر عند 165 متراً فوق سطح الأرض.
16- على الصين أن تسعى لــ (التوسط لحل نقاط الإختلاف بين الدولتين المصرية والأثيوبية حول مدة ملء السد)، حيث ترى مصر أنها (يجب ألا تقل عن سبع سنوات، ويكون الملء موسم الفيضانات فقط)، فى حين تريد أثيوبيا ملء بحيرة السد خلال ثلاث سنوات، وإستمرار الملء طوال العام.
17- قد تقترح الصين على أثيوبيا أن (تساهم مصر بحصة فعلية فى بناء سد النهضة، والحصول على الكهرباء مقابلها لسد العجز فى الشبكة الكهربائية لدى الجانب المصرى).
18- على الجانب الصينى أن يتدخل لـــ (إجبار أثيوبيا على الموافقة على مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة والتى رفضتها من قبل)، وأصرت على قصر التفاوض على مرحلة الملء وقواعد التشغيل أثناء مرحلة الملء، بما يخالف (المادة الخامسة من نص إتفاق إعلان المبادئ) الموقع فى 23 مارس 2015، كما يتعارض مع الأعراف المتبعة دولياً للتعاون فى بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة.
19- أن الصين بإمكانها أن تلعب دوراً سياسياً خطيراً لــ (الحد من النفوذ الأمريكى عند التدخل والوساطة مع أثيوبيا بعيداً عن طلب الوساطة الأمريكية من مصر لحل النزاع مع أثيوبيا)، مع تذكير الصين للجانب المصرى بأن (واشنطن هى الدولة التى هندست السد والذى كان ضمن أربع سدود أخرى، بهدف تضييق الخناق على مصر مائياً).
20- على الصين أن (تتدخل لحل الخلاف الأساسى بين مصر وأثيوبيا ووضع شروط توافقية حوله، والذى يدور بالأساس حول حجم المياه التى يجب تمريرها). فى حين تقترح مصر تمرير 40 مليار متر مكعب فى حالة الفيضان، وأعلى من ذلك فى حالة الجفاف، يعنى ذلك ملء الخزان فى سبع سنوات وأكثر، تتمسك أثيوبيا بنسبة تتراوح بين 30-35 مليار متر مكعب فى حالات الفيضان والجفاف، أى ملؤه فى خمس سنوات
21- وسياسياً،على الصين أن تعى وتفهم أنه (لا يمكن الفصل بين أهمية المشروع من الناحية القومية والسياسة الداخلية ودور القوى والأطراف الدولية والإقليمية كواشنطن وإسرائيل وغيرها، وبين أهمية المشروع فى سعى أثيوبيا للنفوذ الإقليمى)، فهو يمتاز بطابعه الجيوسياسى، فمن خلاله يمكن التحكم فى صناعة القرار فى شرق أفريقيا، ويمكن فهمه فى إطار سعى السياسة الأثيوبية للتأثير الإقليمى والقارى.
22- على الصين أن تبحث على المدى الطويل (عمل دراسات فنية بشأن إمكانية إنهيار السد مثلاً، مما يشكل دماراً للسودان كدولة صديقة للصين، ويؤدى إلى غياب السلم والإستقرار فى السودان والمنطقة المحيطة به مما يعرض الإستثمارات الصينية فى تلك المنطقة للخطر)... فالأزمة بين مصر وأثيوبيا مهددة للإستقرار الإقليمى بما ينعكس بالتالى على (الأمن الدولى).
23- مبدئياً،قد يكون النهج الصينى للتدخل فى جهود الوساطة مع أثيوبيا هو (التذكير بمبدأ قبول السد كمشروع تنموى ذى طابع إقليمى، وفى الوقت ذاته حق مصر والسودان فى عدم تعرضهما للضرر فى حقوقهما المائية). وعملياً، تتقبل مصر تحمل بعض الضرر على أن يكون قابلاً للسيطرة عليه.
24- على الصين التدخل لــ (إجبار الجانب الأثيوبى على الإعلان صراحةً أمام مصر والمجتمع الدولى لتبادل المعلومات حول معدلات تدفق النهر، والمواصفات الفنية للسد، أو رؤية أثيوبيا فى إدارة سد النهضة فى سنوات الوفرة أو سنوات الندرة).
25- وأخيراً،يجب على الصين أن (تنسق أكثر مع السودان الذى يبدو أنه لم يتعافَ بعد من سياسات نظام البشير المخلوع لصالح مصر، ولتحقيق السلام الإقليمى فى كافة الدول الأفريقية لإنجاح مبادرتها العالمية للحزام والطريق).
- خامساً: هل يمكن أن تتعاون الصين والولايات المتحدة الأمريكية سوياً مع مصر لإقناع الجانب الأثيوبى بوجهة النظر المصرية - السودانية بشأن أزمة "سد النهضة" بين مصر وأثيوبيا؟..... بالنظر لعمق العلاقة المزدوجة والثنائية بين أثيوبيا والصين وواشنطن
يجب أن يدرك صانع القرار والمفاوض المصرى عند ترجيح كفة الوساطة الأمريكية أم الصينية، بأن أمامه (ثلاث سيناريوهات) للتعامل مع أزمة سد النهضة، وهى:
أ)السيناريو الأول: إحتواء مصر ذلك الحذر الأمريكى تجاه التعاون الصينى فى المنطقة.
ب)السيناريو الثانى: أو أن يتخير الجانب المصرى "البقاء على الحياد" دون أن تكون مصر طرفاً فى التصعيد بين الجانبين الصينى والأمريكى.
ت)السيناريو الثالث: يمكن أن يعتبر صانع القرار المصرى ذلك "فرصة لتقييم التعاون الصينى مع دول القارة الأفريقية، وعلى رأسها أثيوبيا"كدروس تستحق الدراسة.
وهنا، ربما كانت وجهة نظرى والتى أرجو أن يتفهمها الجانب الأمريكى جيداً، هى أن (تطور العلاقات الدولية فى كل فترة زمنية يؤثر تأثيراً كبيراً على فهم وتحليل هذه السياسات)، لذلك يفترض أن كل منظور أو آلية جديدة لإدارة العلاقات بين الدول ولاسيما المتنافسة منها، يبرز كرد فعل للإنتقادات التى توجه للمنظور الذى ساد من قبله فى فترة سابقة، وفى ظل أوضاع دولية مختلفة تطورت على نحو أبرز هذه الإنتقادات، أو التحديات، أو التساؤلات حول مدى إطلاقه، ومدى إستمرار صلاحيته لوصف وتفسير الأوضاع الدولية المتطورة والراهنة، ومن ثم يتبلور (بديل جديد يتحقق حوله قدر من الإتفاق يرقى به إلى مرتبة المنظور السائد والسياسة المتفق عليها لإدارة عملية السياسات الخارجية بين الدول).
ولفهم مغزى ما أرمى إليه وتحليله بشكل عملى دقيق - فأنا أطبق ذلك كأكاديمية مصرية معروفة لدى الجانبين الأمريكى والصينى ولدى المجتمع الدولى أيضاً – عبر إجابة التساؤلين الآتيين، وهما:
1- هل الظرف الراهن يوجب إحراز تعاون من نوع ما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بالنظر لعلاقتهما الجيدة بأثيوبيا لممارسة ضغط عليها – أو قل إقناع أثيوبيا بالحل ووجهة النظر المصرية السودانية تحت إشراف ونتائج تعاون مثمر للقوتين العظميتن فى العالم الصين والولايات المتحدة الأمريكية؟
2- وهل يمكن أن يكون حل إشكالية سد النهضة الأثيوبى إختبار حقيقى بين واشنطن وبكين لإدارة علاقاتهما المستقبلية بشكل إيجابى، ينعكس على المجتمع الدولى إيجابياً كأول تعاون حقيقى مثمر بين الطرفين؟
ولحديثى عن "إمكانية التعاون بين الصين وأمريكا لصالح مصر فى موضوع أزمة سد النهضة مع أثيوبيا" أهمية كبيرة بالنسبة للصين، حيث تبدى الصين دوماً رغبة فى تسوية الصراع مع الولايات المتحدة عبر (الحوار والتفاهمات الثنائية، وتحاول أن تتجنب الدخول فى حالة إستقطاب إستراتيجى)، مع الإعتراف التام بأن حالة التنافس بين الطرفين ستظل قائمة.
لذا، فمن وجهة نظرى أنه "إذا كانت واشنطن جادة بالفعل فى مساعى السلام والتفاوض والوساطة بين مصر وأثيوبيا بشأن سد النهضة، فلما لا يتم إشراك الجانب الصينى فى هذا الأمر، بالنظر لإستثمارات الصين وقدرتها الفائقة فى التأثير على صناعة القرار الأثيوبى حول إيجاد بدائل أخرى لحل تلك الإشكاليات المتعلقة بين مصر وأثيوبيا والسودان؟"، وهذه هى وجهة نظرى أن أتمنى أن يستمع لها الجانب الأمريكى بصوت العقل بعيداً عن العاطفة والسياسة وأعتقد كذلك أن الصين ترحب بهذا الدور الإيجابى لصالح إيجاد حلول عملية ترضى كافة الأطراف بالتعاون أيضاً مع الجانب الأمريكى لخلق مناخ من (التعددية السياسية الإيجابية فى المجتمع الدولية لحل أزماته)، لأن إستقرار المجتمع الدولى وحل أزماته العالقة بين أطرافه يصب فى صالح التنمية وتطوير المجتمع الدولى سلمياً. وأرجو أن تكون رسالتى قد وصلت وفهمها الجميع.