إلهام علييف.. مسيحيون وكنائس


الأكاديمي مروان سوداح
 كمسيحي أُردني، من عائلة مسيحية ضاربةِ جذورها في أرض السيد المسيح عليه السلام، ومن أصول مسيحية من منطقة مآرب وسد مأرب في اليمن الشقيق الملتصق بقلبي، وكناشط وكاتب مسيحي منذ سنوات طويلة، أهتم على صعيد خاص بالمسيحية والمسيحيين، وأُخصص حيزًا كبيرًا من أوقاتي للعناية بهذا الجانب ولملاحقة الأخبار عنه، ومعرفة أحوال ووقائع المؤمنين اليومية أتباع مختلف الأديان والنِّحل والمِلل الدينية، وفي مقدمتهم أخواني المسلمون، إذ أنني أرى أهمية أن تُصان مقدساتهم وعقائدهم، بعيدًا عن أي تعصب أيًّا كان، وفي رعاية رؤساء البلدان التي يَحيون في ربوعها ويعيشون في حماية قادتها وشعوبها. فاحترام الآخر كائنًا مَن كان، هو علامة فارقة في حياتنا، تؤكد تحضّر الإنسان وتفوّقه العقلي، والعكس بالعكس.
 كتبتُ ونشرتُ كمًا كبيرًا من الدراسات والمقالات عن المسيحية والإسلام في وسائل الإعلام العامة والوطنية والأجنبية، وفي المعهد الملكي للدراسات الدينية الذي أسسه ويترأسه سيدي الكريم، صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله، حيث اشتغلت على عناوين عدة هامة في هذا المجال، وجَهدت لحلحلة مُعضلات محدَدَة، وقرأت محاضرات وازنة من ترتيب هذا المعهد الراقي وذلك على جماهير غفيرة وجهات متعددة في وطننا، وكتبت دراسة في عنوان متميز بجوهر ديني ودنيوي – تاريخي عميق الجذور ومُتشعّب للغاية. إضافة لنشاطي على امتداد سنوات وسنوات في الصحافات المسيحية في الأردن وخارجه وروسيا، كما وأصدرتُ شخصيًا نشرة مسيحية خاصة عملتُ على تأسيسها، وجَمع موادها، وتقديم المعلومات ذات الصِّلة باهتماماتي الدينية للقارئ، زد على ذلك أعمالي في المطبوعات الورقية والإعلام المتعدد، حيث تخصّصت بالأديان والمتدينين.
 فيما يتصل بالدول الحليفة والصديقة، فأنا أنشغل بلا توقف بمتابعة أنهار الأخبار المتدفقة منها وعنها، لا سيّما بقضايا الأديان والمتدينين في فيافيها، ومن هذه الدول جمهورية أذربيجان الشقيقة، التي تَعني لي الكثير، إذ أنها احتلت سِلمًا حيزًا وسيعًا في قلبي وأعمالي واهتماماتي خلال كل سِني عمري. لم أنقطع منذ بلوغي الـ12 سنة من سنوات حَيوتي عن متابعة شؤون وشجون هذه الدولة من خلال وسائل الإعلام فيها باللغتين العربية والروسية.  
 في الواقع، لم أقرأ يومًا أن أذربيجان عاقبت مواطنًا مؤمنًا من مواطنيها لسبب إيماني، كَون هذه الدولة تمتاز بتعدد اللغات والأديان التي ترعرعت تاريخيًا في ترابها ورسخت في عقول ومشاعر أذرييها. وبالتالي، تُعتبر الدولة بمواطنيها وإرثها الحضاري والديني لوحة فسيفسائية مترامية الأطراف والمساحات، جميلة ومتناغمة وبديعة بمظهرها وزاهية ألوانها ومُختالة بِبُنيانها، وهي صورة جميلة برسمٍ بديع وجاذبة للإنسانية يؤشر صوب هِممٍ عالية كأكتاف الجبال الشماء، القائمة على ركائز أذرية يُصلّب مَقامها ويؤكدها الرئيس إلهام علييف، ومن قَبله الرئيس المرحوم حيدر علييف. أذربيجان هي أرض الكرامة الأبية المندفعة أبدًا نحو تعميق وتأكيد حق المساواة والتعايش السلمي الواعي في كل مجال لشعبها، الذي ضمنه الإيمان الديني، وحرية الوصول إلى المُعتقد المناسب لكل مَن يسعى إليه ويَسلك سبيلًا قويمًا إليه.
 البعض من المسيحيين والمسلمين العرب انتقدني على خلفية الحرب في أذربيجان، إذ أن هؤلاء يَعتقدون أن المواجهة الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا إنما هي دينية الجوهر والمَظهر والأهداف، بغية تسييد دين على آخر، وجماعة بشرية على أخرى! في الواقع المُعاش، تبدو هذه الأفكار نسخة سوداء من ترهاتِ وفبركات الحرب الإعلامية التي شنتها وما زالت يرفان تشنها على أذربيجان لتحويل انتباه العالمين المسيحي والإسلامي عن حقيقة هذه الحرب، في محاولات لطمس وشطب قرارات منظمة الأمم المتحدة التي طالبت أرمينيا سويًا مع المجتمع الدولي والمنظمات الأممية بالجلاء عن كامل أراضي أذربيجان المُحتلة، وضرورة أن تحترم يرفان المواقع والأبنية الدينية والمؤمنين من مختلف الأديان والمعتقدات. لكن هذه الرسالة الإنسانية - العالمية لم تلقَ للآن أية آذان صاغية في يرفان التي استمرت بقرع إما طبول الحرب المباشرة، أو صرخات تطالب باستعادة الكنائس الألبانية التي لا تمت بصِلةٍ لأرمينيا والأرمن تاريخيًا، إنما هي عَمائر أذربيجانية مُقامة على أرض ذات سيادة أذربيجانية، وتتبع دينيًا للإدارات الدينية المسيحية في باكو، ويقوم الرئيس علييف بمتابعة حمايتها وصيانتها وتخصيص الأموال لإبقائها على نمطها ومنوالها القديم، وصامدة بوجه الأغراب والأشرار والقوى المناهضة لرسالات السماحة السماوية.
*متخصص بشؤون أذربيجان.