صداقات أخوية في زمن كورونا
الأكاديمي مروان سوداح
حسن محمد البخ، جاري، شاب ممتلئ بالحيوية، وَسيم وبَهي الطّلعة، طيّب القلب ومليح المَعشر. لا يُحدِّثُ أحدًا، ولا يَتَحَدّث لأحدٍ إلا إذا طُلب منه ذلك. صَمُوت وبشوش وبهيّ الطلعة وبسيط بساطة أهل القرية وسكان الصحراء، لكنه يحمل الأسرار المهنية والحياتية المِلاح والكثيرة في جعبته، فهي تُسهّل عليه وعلى غيره يومياتهم في هذه الحياة الصعبة والممتلئة بالكدر. لقد منحه الله موهبةً لإسعاد غيره بخاصةٍ لاستقامة شخصيته، والتزامه الديني وسلوكياته الحميدة. حَسن هو الحَسن الأحسن الذي تعرّفتُ عليه في "زمن كورنا"، وأدركت أنني أصبت الصداقة معه، فهو حامل للمشاق في سهول الحياة وجبالها الشاقة، وينطبق عليه المَثل القائل "جَمل المَحَامل الثقيلة".
تعرّفتُ عليه خلال حظر التجوال الرسمي في شوارع مُدننا وقُرانا، فتنقلنا داخل بيوتاتنا التزامًا منّا بالتعليمات الحكومية، لننمي معرفتنا ببعضنا البعض، فتعمقت، إلى أن انتقلنا بتسارع إلى مرحلة الأخوّة والتضامن والعطاء في كل صغيرة وكبيرة. أحيانًا كورونا تَضعف أمام هذه الصداقات التي تولّدها المحن، ويحملُ الأشخاص المقاتِلِين للصِعاب، والمذللين للعقبات، والقادرين على منح السعادة لجوارهم نُبلها وقِيمها العالية، لإقناع "المتشائمين المَبدئيين" أمثالي، بأن في الحياة ما هو أحسن من هذا التراب الزائل والمادة العَفنة التي نتمسك بها، إنها الصداقة الروحية التي تمنح السعادة لنا وللآخرين، وتكثّر الخير في الأخيار، بل وتكتسب الجُدُد إلى جادة الصواب وحقول الأزهار.
مِثال حَسن يؤكد لنا ما قرأتهُ عن أن هناك أناسًا يتمتعون بالحُسن في التعامل والعقل والأحاسيس، ينحتون في أعماقنا مشاعر رائعة، يُخلّدون فينا ذكرى لا تُمحَى، نتلهّف إلى رؤياهم، ولنا الفخر بحُبّهم، ولنا الشّرف بصُحبتهم، فليَحفظهم الله وليُسدد خطاهم، وليُدم بيننا الحب فيه.. كَم هي جميلةٌ محطاتُ العُمر، والأجمَل مِن ذلك عندما نلتقي بِمَن يسير معنا في طريقِ واحد. قَد نَجِد الكثير مِن الصُدَف في حياتِنا، إِمّا أَن تجلِبَ لنا الفرح أو الحُزن، ولَكن صدفَتي مَرّت، وكانت مِن أَجمَل الصُدف وإن كانت في زمن كورونا أو بسببها، نسبيًا.
في الحقيقة، لقد خفّف الأخ "حسن" عن كاهليّ الكثير من الأثقال الجِسام، التي لو بقيت ماثلة أمامي ومتربعةً على زوايا رأسي الأربع، لكانت قد اندلعت شَررًا فِي كياني يُدمّرُ بيتي وأركاني ووجودي حتى، فيا لله ما أحسن هذا المواطن المصري الحَسن، الذي "ينطبق اسمه على جِسمهِ" بكل الآيات الجميلة والمفردات الجاذبة والباعثة على الراحة والطمأنينة في النفس والعقل والنوايا.
كثيرون ينسجون صداقات عن طريق العَالَم الافتراضي، الذي يمنح الجميع القُدرة على انتقاء الأفراد، لكن هذا الأمر ليس بواقعي، فالمسافات البعيدة التي تُفرّقُ بين الناس تجعل من الصعب الغوص في كيانهم ومعرفتهم حق المعرفة. لذلك، يكون التعارف المباشر خير وسيلة للوثوق بالآخر، وخير آلية لضمان صَديق صَدوق ومُخلص وتتجسد فيه مثاليات التعامل، ومحبة الآخرين والرغبة في إفادتهم مثل "هذا الحَسن". فمع حَسَن تزدهر العلاقات وتكثر الأحاديث وتتشعب الحكايات، وتتعمق الصداقة لتغزو كل مجال، عدا السياسة وأصحابها، فهي ليست لنا، بل لغيرنا كما يراها صديقي المصري البهي حفظه الله وأدامه لخدمة البشر في الأردن ومصر وكل عالمنا العربي.