ما وراء مشروع قانون "تعزيز القيم الجمهورية" الفرنسي
تم التصويت مؤخراً في الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون "تعزيز القيم الجمهورية" بأغلبية كبيرة، حيث صوّت 347 نائباً لصالح القانون، مقابل 151 ضده، بعد نقاشات طويلة جرت على مدى أسبوعين بين النواب.
وشهد القانون جدلاً في داخل مجلس النواب وخارجه، واعتبره أحزاب الاشتراكيين واليسار الراديكاليأنه قانون لوصم المسلمينومقيد للحريات، بعكس الهدف المرجو منه، والذي أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون ووزير داخليته جيرالد درامانان لـ"محاربة أعداء الجمهورية".
وقد تم إلغاء عبارات من القانون كان ماكرون قد استخدمها في خطاباته حين دعا إلى "محاربة الانعزالية الإسلامية"، وحمل بدل ذلك اسم "مشروع قانون تعزيز القيم الجمهورية".فمن الواضح بأن الرئيس الفرنسي يريد أن يخفف من حالة الاحتقان التي تبعت خطابه عن الإسلام تحديدا، وقوله بأن "على فرنسا "التصدي إلى الانعزالية الإسلامية"، الساعية إلى "إقامة نظام موازٍ" و"إنكار الجمهورية"، مما أثار ردود فعل غاضبة من داخل فرنسا، ومن أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي.
ولتخفيف حالة الاحتقان هذه، أكد الرئيس على أن القانون "لا يستهدف ديانة بعينها، بل يستهدف جميع المجموعات، التي تشجع على عدم احترام مبادئ الدولة العلمانية".
ويشمل القانون إطارا "لمعالجة الكراهية عبر الانترنت وحماية الموظفين الرسميين من التهديدات والعنف والاشراف المشدد على الجمعيات ودور العبادة. وسيكون تمويل دور العبادة وإدارتها تحت المراقبة مع آلية تحول دون سيطرة المتطرفين عليها.
وينص القانون كذلك على مبدأ حياد العاملين في المرافق العامة من موظفين في مطارات باريس او شركة السكك الحديد الوطنية. وسيكون ارتياد المدرسة إلزاميا اعتبارا من سن الثالثة لتجنب التسرب المدرسي لأسباب دينية." ويمنع القانون تعدد الزوجات وشهادات العذريةً والزواج بالإكراه.
وقد شهد هذا القانون حالة جدل كبيرة في فرنسا، إذ يرى جان لوك ميلانشون زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري أن القانون "عديم الفائدة" وأنه يستهدف المسلمين فقط وهو بذلك لا يحقق وحدة وطن يعيش فيه قرابة ٦ ملايين مسلم وهو يخلق نزاعات بيننا وبينهم.
أما زعيمة حزب اليمين المتطرف مارين لو بن، فقد اعتبرت أن نص القانون يشكل "تقهقرا سياسيا" امام "التطرف الإسلامي" الذي يزداد انتشاراً " وأنه ليس صارماً بما يكفي.
وبالرغم من حالة الجدل هذه تم التصويت على هذا القانون من قبل الأغلبية في الجمعية الوطنية.
لا شك بأن خطة ماكرون والتي تأتي ضمن القانون هذا كان لها أهداف سياسية انتخابية، فمن المتوقع أن تكون المنافسة على الرئاسة بعد انتهاء ولاية ماكرون الحالية بينه وبين زعيمة حزب التجمع الوطني، مارين لو بن ، بعد ضعف الأحزاب الأخرى والتي كانت تتناوب على السلطة في فرنسا وأهمها الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريون.
فقد اتهم مؤيدو حزب اليمين المتطرف والأحزاب اليمينية الأخرى، ماكرون بالتراخي بالأمور الأمنية مما سمح للعديد من الإسلاميين من نشر أفكار بعيدة كما يقولون عن قيم الجمهورية، وهو بهذه الخطة يحاول كسب آراء هذه الفئة من الناس ليثبت لهم أنه قادر على مواجهة "الفكر المتطرف في فرنسا " وبنفس الوقت حاول ماكرون أن لا يكسب عداء المسلمين، الذين أيضا اتهموا خطته باستهدافهم بشكل عام وليس فقط المتطرفين، وفي هذا السياق تم تغيير اسم القانون حتى لا يبدو بانه يستهدف دين بعينه بل كل الحركات المتطرفه.
مما لا شك فيه أن ماكرون ليس في أفضل حالاته بما يتعلق بشعبيته عند الفرنسيين، حيث فقد الكثير من هذه الشعبية في أيلول من عام 2017 عندما صدر قانون العمل. واستمرت شعبية الرئيس في التدهور عندما تم فرض مزيد من ضرائب القيمة المضافة على السيارات التي تستخدم الديزل والتي أقرت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2018، وهو ما زاد من الاحتجاجات الشعبية في البلاد ليفجر ما عرف باسم "احتجاجات السترات الصفراء".
فهل سينجح ماكرون باستعادة جزء من شعبيته من خلال هذا القانون، وسيساعده هذا في معركته الانتخابية المقبلة، أم انه على العكس سيفقد عدداً مهماً من مؤيديه ولن يحظى على رضى اليمين المتطرف واليسار وأغلبية المسلمين؟