مهارات جديدة ... لنستعد!
د. مرام أبو النادي
لنعود بالذاكرة إلى ثمانينات القرن العشرين؛ حين كان للتغيرات المتسارعة التي شهدتها المجتمعات في الاقتصاد و التكنولوجيا و التي أثّرت على طبيعة أماكن العمل ومتطلباتها بشكل كبير؛ وبالتالي أثّرت على المتطلبات التي يجب على النظام التعليمي تلبيتها لإعداد الطلاب لسوق العمل. تلك الأحداث كانت قد سوّغت لانطلاق مبادرات كانت تسعى إلى تضمين جملة من المهارات الجديدة، و التي تحتم علينا كأفراد بل و تلزمنا باكتسابها؛ لتمكّننا من التسلح بأدوات تجعلناقادرين على حصد النجاح ، التميّز، و اليسر في حياتنا و عملنا.
نحن نتحدث عن مهارات القرن الحادي و العشرين، و هي مجموعة من المهارات والمقدرات والسلوكات الحياتية التي يحتاجها المعلمون والتربويون وأصحاب الأعمال والأكاديميون والمؤسسات الحكومية وغيرهم لتحقيق النجاح في مجتمعات وأماكن العمل في القرن الحادي والعشرين، حيث تعتبر هذه المهارات جزءًا من حركة دولية متنامية تركز على المهارات التي يجب على الطلاب إتقانها ليتمكنوا من النجاح في مجتمع رقمي سريع التطور؛ إذن فإن عملية اكتساب الطلبة لتلك المهارات في التعليم (المدرسي و الجامعي)و من ثمّ تطبيقها في الحياة والعمل، هو السبب الرئيس في المناداة بهذه المهارات في جميع التخصصات بواسطة منظمة الشراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين التي أُنشئت من خلال شراكة بين قسم التربية بالولايات المتحدة الأمريكية، ومجموعة من المؤسسات التجارية، مثل: ميكروسوفت، والرابطة القومية للتربية، وقد أصبحت هذه الشراكة الآن من أهم قيادات تنمية وتعليم مهارات القرن الحادي والعشرين، وقد ذكرت منظمة الشراكة من أجل مهارات القرن الحادي والعشرين، ومنظمة التقويم والتدريس لمهارات القرن الحادي والعشرين أن امتلاك الطالب لمهارات القرن الحادي والعشرين تساعد الطالب على التكيف مع العالم المتغير من حوله وهي: مهارات التفكير الناقد وحل المشكلة أو ما يُعرف بتفكير الخبير، ومهارات الابتكار والإبداع، ومهارات التعاون والعمل في فريق والقيادة، ومهارات ثقافة الاتصالات والمعلومات والإعلام، ومهارات الثقافة الرقمية وتقنية المعلومات والاتصال، ومهارات المهنة والتعلم المعتمد على الذات، ومهارات فهم الثقافات المتعددة.. مهارات عديدة محددة من قبل الشراكة، ولكل مهارة تفصيلاتها الإجرائية الدقيقة، و يمكننا القول إن مهارات القرن الحادي و العشرين الغزيرة و الجديدة، ليست السماء التي تنهمر بالعطايا على الطلبة؛ بل هي السماء التي تغدق على كل من آمن بضرورتها في هذه الحياة ( فهي للمعلمين و الطلبة، وللموظفين في الشركات و أصحاب الشركات...) ، هي لكل من يريد أن يكون جاهزا لأي تغيرات مستقبلية دون قلق؛ بل بفكر مستنير و حلول مدروسة لأي مشكلة وفقا لعمليات عقلية نقدية، لكل من يريد أن يقدم مشاريعه الإبداعية، وهو يتفهم البيئة التي يحيا بها؛ بل و متفهم للثقافات المتعددة و يحترمها، وقادر وقابل للمساءلة الذاتية قبل المجتمعية .
لكن لمن يبحث في الكثير من الدراسات العربية و الغربية، سيجد نتيجة مشتركة خلصت إليها الدراسات وهي: أن مستوى تضمين مهارات القرن الحادي والعشرين لم يصل إلى المستوى المطلوب، وأن المناهج الحالية تُعاني قصوراً واضحاً في إعداد المتعلمين للحياة والعمل في القرن الحادي والعشرين، وقصوراً في تناولها لمهارات هذا القرن، وأغفلت دورها البارز في إعداد المتعلم إعداداً علمياً متميزاً لمواجهة تحديات هذا القرن، كما أشارت إلى ضرورة الاهتمام بمهارات القرن الحادي والعشرين وتضمينها في مناهج التعليم العام...أعتقد أن الفجوة بتزايد في ظل التعلم الإلكتروني، فكيف يمكننا كتربويين - في العملية التعليمية -على تمكين طلبتنا من هذه المهارات إن كان تركيز المعلمين فقط على المهارات التقليدية ( الحساب، القراءة، والكتابة ) هذا إن تم إتقانها فعليا عن بعد ؟؟
دولتنا كدولة من دول العالم الثالث، تبنّت المشروع النهضوي و التنموي لكافة القطاعات، و يعتبر قطاع التعليم من أهمها؛ لكن المسألة في غاية الحساسية لا سيما في هذا الوقت تحديدا لسببين :
الأول: لأنني أعتقد أن مهارات القرن الحادي و العشرين التي ذكرتها آنفا ليست إكسسوارا أو شكلا من أشكال الرفاهية، فنحن لسنا بصدد السؤال عمن يميل إليها أو يميل عنها، أو من يرغب بها و لا يرغبها، بل هي متطلب أساسي للتكيف مع واقع و مستقبل قريب لا يقوم إلا باكتسابها و تطبيقها. وأن يتم تضمينها بالخطط التعليمية ( كي لا يخسر الطالب المهارات التقليدية و مهارات القرن الحادي و العشرين في آن واحد ) بسبب التعلم عن بعد و الذي يمكننا استثماره في تعزيز الكثير من مهارات القرن الحادي و العشرين المتعلقة بالحوسبة و الاتصال و الإعلام...
الثاني: أنني أعتقد أن المستقبل القريب والأزمات المستقبلية، ستضطرنا إلى مبادرات جديدة تحمل مهارات أكثر تقدما مما تم عرضه هنا.. هي دعوة للتفكير بالآتي وهو ليس بالبعيد ..