لُقاحات صينية روسية للعالمين العربي والثالثي
يلينا نيدوغينا
على خلفية تكديس واشنطن وعواصم غربية للقاحات على أرفف مخازنها الموصدة بأقفال فولاذية، كما في الأخبار الأخيرة الفاضِحة، حذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من احتكار المطاعيم وحصر غالبيتها في دول كبرى بأسلوب وممارسة التطعيم "أنا أولاً" وغيري للجحيم، وهو ما قد يُفضي إلى انهيار أخلاقي وإنساني كارثي لأنظمة سياسية غربية، "عريقة!" في استعمارها التاريخي عسكريًا ودمويًا وإقتصاديًا "للعالم القديم"، الذي أنتج الحضارة وأبدع الثقافة والإخاء وقدّمها مجانًا للبشرية.
بجريرة النهم الرأسمالي وأخلاقياته المُتداعية الداعمة لإقتصادات الحروب والكوارث يتم، كما يبدو، رسم خريطة لٍ "عالم جديد"، تتمثل خيوطها العريضة في إعادة التاريخ إلى الوراء وإعادة سيادة "الغرب" الأرضي على الشرق برمته، من خلال التعميق المُبرمج للفَقر والفَاقة في العالم الثالث، ومضاعفة حالات الموت الكوروني، وإفشال جهود الحكومات الفقيرة لإنقاذ حيوات شعوبها التي لن تجد مَن تلجأ إليه؛ برغم عَصا الاحتكارات العابرة للقارات الغليظة المرفوعة بوجه الفقراء؛ سوى صين شي جين بينغ و روسيا فلاديمير بوتين، لتتلقى منهما مليارات اللُقاحات مجانًا، أو بقليل من المال، وربِما يتيسّر لديها بين حين وحين.
في تصريحاته المدوية، لفت مدير المعهد القومي الأمريكي للحساسية والأمراض المُعدِية أنتوني فاوتشي، في حديثه لصحيفة "واشنطن بوست"، إلى أننا: "نعيش في مجتمع عالمي.. إذا كنّا نريد حقًا استكشاف الطريق إلى إعادة الحياة الطبيعية، فيجب علينا حل المشكلات على المستوى العالمي." جاء ذلك فور تبنّي الإدارة الأخيرة للولايات المتحدة نهج ("أمريكا أولاً" للقاحات)، حتى أن الرئيس السابق دونالد ترامب، جَهَدَ في محاولاته منع الكونغرس من الموافقة على منح(4) مليارات دولار أمريكي للتحالف العالمي للقاحات والتحصين. وعلى الرغم من أن إدارة بايدن الجديدة قد أعلنت عزمها للانضمام إلى مبادرة كوفاكس التي تقودها منظمة الصحة العالمية، إلا أنه من الصعب على المحافظين في الولايات المتحدة قبول تدابير لزيادة المساعدات للوباء العالمي، وهذا بدوره سيؤدي لموت عدد ضخم من مواطني البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وعلى أسطح جُزر أُقيانوسيا والمحيطات الكبرى.
في أخبار مقلقة، أنه ووفقًا لبيانات جامعة ديوك، شرعت واشنطن والعواصم الغنية الأخرى بتخزين عدد فلكي من لقاحات مضادة لكورونا، في وقت فرغت فيه جميع رفوف اللقاحات في العالم. في مواجهة هذا التحدي والسياسة الجائرة، التي لم تقبلها حتى وسائل الإعلام الأمريكية، نشرت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية مقالةً في السادس من الشهر الجاري، كشفت في سطورها عن أن هذه الخطوة قد تمدّد تفشي كورونا "إلى آجال غير مُسَمّاة"، ولا تستطيع الولايات المتحدة ذاتها الهروب منها وحدها، إذ يقول المنطق أن عليها وعلى حلفائها التبرع باللقاحات الزائدة المُخزّنة للبلدان الأخرى المُنخفِضة الدخل. في جانب متصل، يرى غالبية المختصين أنه قبل أن تحقق أمريكا مناعة القطيع، ليس من السهل نشر فكرة توفير اللقاحات للجمهور. ومع ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية في توفير اللقاحات للدول النامية وتلك المنخفضة الدخل لتحقيق "مناعة القطيع العالمية"، وليس المناعة الأمريكية دون غيرها، فأمريكا ليست الوحيدة في هذا العالم التي تنشد البقاء على قيد الحياة.
وفي الجانب الآخر، فبمواجهة الفردواية والأنانيّة الأمريكية سارعت الصين لتُعلن لكل الأنام أن لقاحها "كورونافاك" صار الأول ضمن 16 لقاحًا مختلفًا يتم تطويرها على مراحل على جبهة المواجهة الصينية للقضاء على كورونا. وأضافت الفضائية الصينية(CGTN) الناطقة بالعربية، أنه وبعد أن تلقت اللقاحات مجموعات كبيرة من الصينيين في30 مقاطعة للبلاد، منذ يوليو المنصرم، بدأت بكين بتصدير الجاهز منها لشعوب العالم بأسعار عادلة ومعقولة، أو على شكل هِبات وأثمان مُتاحة للأفقر من طالبيها الأجانب، وهكذا أيضاً أمر الرئيس بوتين بتوفير اللقاحات الروسية الفعّالة والشهيرة الأربع لشعوب العالم، رغبةً من بكين وموسكو بالحفاظ على هِبة الحياة المقدسة وكرامة كل إنسان، ولأجل أن يَحيا في آمان وسلام على كوكبنا الصغير هذا.
*إعلامية وكاتبة أردنية روسية ورئيسة تحرير جريدة الملحق الروسي سابقاً.