الجازية بطلة إلياذة العرب
بقلم / سارة السهيل
المرأة بين سحر الجمال والحب و الفداء والقتال وصنع الرجال، تصنع اسطورة يخلدها التاريخ وتبقي رمزا للبطولة الإنسانية كما هو الحال مع " الجازية الهلالية " التي نسجت حياتها اساطير من القوة وفنون الادارة والحكم والانتماء للقبيلة حتى لقبت بانها امرأة بألف رجل، وحملت سيرتها صفحات التاريخ الشعبي العربي والانساني لتلهم الشعراء ومبدعي القصص والرواية والمسرح والدراما حتى اليوم.
كشفت السيرة الهلالية التي تعد إلياذة العرب، بطولات عديدة لشخصياتها، تتصدرها بطولة الاميرة الجازية التي ترسخت صورتها في العقل الجمعي الشعبي بوصفها امرأة صنعت تاريخ الرجال رغم نشأتها في مجتمع قبلي بكل دلالات المرأة فيه، ومع ذلك فقد حصدت ثلث مشورة قومها لتسهم في صنع القرار السياسي والاقتصادي والحربي.
رمز الفداء
جسدت الجازية، وأخت السطان حسن بن سرحان احدى بطون قبيلة دريد الهلالية، رمزا للقيادة العربية النسائية، فلم يمنعها جمالها وانوثتها من دخول معركة البقاء والحفاظ على حياة قبيلتها خلال تغريبة قومها بني هلال بعد ما اصابهم الجفاف و المجاعة في صحراء نجد ففروا الى تونس عام 442 هجرية.
حيث تركت الجازية زوجها شكر الهاشمي صاحب مكة، و أنجبت منه ابنها محمد، وهجرت رغد العيش والاستقرار انتصارا لقبيلتها، فسافرت معها الى تونس لحاجتهم إلى مشورتها وحكمتها وحسن تدبيرها وقدراتها على ادارة الأزمات.
نوربارق هو اسمها الحقيقي، اما الجازية فهو لقبها، ويعرف في اللغة العربية بمعنى الجزاء او المكافأة، وفي السيرةالهلالية تحظى المرأة بالتعظيم والمساندة من أهلها تقديرا لجميل صنيعها وهو ما تناسب مع المعنى الأسطوري لجازية الهلالية.
وتجمع مصادر التاريخ ان ذكاء وقدرات الجازية كان معترفا بها من الجميع، خاصة في قدرتها على تقويم الرجال في حياتهم اليومية ودفعهم لنفعهم لمجتمعهم، ولذلك لقبت بصانعة الرجال .
ففي تقييمها للرجال تقول الجازية " الشاعرة " مخاطبة أخاها السّلطان حسن الهلالي:
ثلاثة من الرجال يا هلال يستاهلوا البكا
وعليهم تنقّ العين يغرد نحيبها
الأول من يعرّض راسه للبلا ويطفي نار سامر لهيبها
والثاني منهم إليّ يفرح للخاطر إليا لفي في سنين الشدة والشحايح
منين الرجال شربه من القربة يكيدها
والثالث منهم خفيف النّفس فصيح اللّسان اللّي ياخذ حقّه وحقّ من يريدها
وباقيهم يا هلال غير بصّ على العمى جيّابات ذراري
حرازّات نسا كثّارات
رموز وكّلات مثاريد عصيدها
لا يستاهلوا لا حزن ولا بكا.
الجازية الداهية
تنافس البطلان ابو زيد، وذياب على حبها، حين جاءا يسألانها من تحب منهما أكثر؟ فانشدت قولها : أبو زيد عينيه وذياب حواجبي .... وايش زينة العينين إلا الحواجب
وهذه الأنشودة تكشف حقيقة ما كانت تتمتع به الجازية من دهاء انثوي وظفته في خدمة قبيلتها ومعاركهم خلال رحلة تغريبهم، حيث كانت طوال الوقت تلعب على وتر التوفيق بين البطلين المتنافسين لتمسك بخيوط اللعبة السياسية والقتالية في يدها.
وعندما طال أمد الحروب بين الهلاليين والزناتى حاكم تونس وفارسها، اقترح أبو زيد مصالحة الزناتى: "ومن أبى عن الصلح يسأل الجازية"!.. استشاطت الجازية غضبا وقالت:
يا بنى العربان ذليتم عن حرب الزناتى!
ودعت النسوة وقالت "دونكن والخيل" وطلبت من أبى زيد النزول عن فرسته "الخضرا" حتى تركبها وتقاتل الزناتى:
أنا أورد خليفة أقص الموارد
أنا بنت سرحان الأمير بلا خفا
أخى حسن سلطان ع القوم سايد
يا عذارى شدوا الخيل واركبوا
على سوابق أصيلات فرايد
فلما أصبح الصباح دقت طبول الحرب التى طال أمدها
هكذا كانت المرأة في بني هلال قيادية وفاعلا اساسيا في مختلف اوجه الحياة، كانت قيادة اسطورية، و نتمنى ان تتحول المرأة العربية في زماننا الى جازيات معاصرات
فأين الجازية في عصر الهبوط في كل النواحي