هل تصبح معارف المرء التعليمية ومهاراته "عملة" متداولة في المستقبل؟

 

 لندن-بي بي س

كثيرا ما يدور الحديث عن ضرورة مواصلة الإنسان التعليم ما دام حياً لضمان نجاحه واكتساب المهارات الإبداعية والتكيّف والتحلي بالذكاء الوجداني في عالم تتلاحق فيه التطورات التكنولوجية دون هوادة. وكثيرا ما نجد صعوبة وسط خضم من الخيارات التعليمية المتعددة مع عدم توافر الإرشاد الكافي لاختيار المناسب منها. فماذا لو وجدت طريقة لتقييم مختلف الدراسات الجامعية والتدريبات والخيارات الوظيفية ككم قياسي ورسم خريطة لكيفية مساهمتها في ما تكتسبه من مهارات وما يتوافر أمامك من فرص؟

هذا هو الهدف الذي تسعى إليه شركة "ليرنينغ إيكونومي" في واشنطن باعتبارها شركة لا تهدف إلى تحقيق ربح، وتعمل على إيجاد وسيلة تتيح تبادل آمن للبيانات المتعلقة بالمهارات والدراسة والعمل باستخدام تقنية "البلوك تشين" التي اعتمدت عليها العملة الرقمية #بيتكوين.

تيسر تلك الوسيلة المهمات الإدارية من خلال مقارنة المؤهلات، وكذلك، والأهم، تتبع المشوار التعليمي للفرد من الحضانة إلى التقاعد. وقد تمنح البيانات القائمين على التعليم صورة جلية للمسار التعليمي ككل بما يرشد المتعلم إلى ما يناسبه بشكل شخصي، دراسيا وعمليا.

تبدو تلك المهمة جمّة بالنسبة لشركة لم تبدأ إلا قبل أقل من عامين وتعتمد على متطوعين وعلى دعم مالي من اثنين من مؤسسيها، وهما كريس بيوريفوي، المدير التنفيذي لليرنينغ إيكونومي، و جاكسون سميث، مسؤول التقنيات بها.

ورغم ذلك أثارت الشركة اهتمام هيئة التعليم العالي بولاية كولورادو الأميركية ومجلس المدارس العامة بمقاطعة بروارد بفلوريدا، ويخدم ربع مليون طالب، وقد تعاقدتا على تجربة تقنية ليرنينغ إيكونومي. وخلال الشهر الماضي أعلنتا عن اعتزامهما تجربة تقنية الشركة وهو ما سيُترجم إلى واقع بنهاية الصيف المقبل.

ويعتقد سميث أن النظام الذي ابتكرته الشركة قد يتطور ليصبح داعما لاقتصاد عالمي يعتمد على المهارات كعملة جديدة ويدفع الطلاب للمشاركة في أنشطة تعليمية مقابل موافقتهم على إعطاء بياناتهم. ويقول سميث: "نقول باستمرار إن المعرفة ستصبح المعيار الجديد للقيمة إذ ما استطعنا تقييمها... وتأسيس اقتصاد قائم عليها". ويعتقد سميث أنه يلزم أولا توحيد خطوط الإنتاج التعليمي. فرغم حرص المعاهد والأشغال والحكومات على قياس تطور المهارات لديها إلا أنها تفتقر إلى تبادل البيانات في ما بينها، ما يؤدي إلى تشرذمها. ولو جمعت كل المعلومات في بوتقة واحدة فستكون كنزاً حقيقيا - ولكن لن يخلو الأمر من مخاوف كبيرة تتعلق بالخصوصية. هنا تسعى ليرنينغ إيكونومي لإيجاد وسيلة لتبادل البيانات والمعلومات في شكل آمن وسري ضمن قاعدة بيانات عامة.

تتيح تقنية البلوك تشين ذلك، وهي عبارة عن نظام عالي التقنية للمعاملات اختُرع ليخدم عملة بيتكوين الرقمية، إذ يمكن من خلال التقنية تبادل السجلات عبر شبكة ضخمة، بينما يلزم أن تقر الشبكة بأكملها أي تغييرات بدلا من الاعتماد على سلطة مركزية واحدة. وتخضع السجلات عبر تشفير قوي يحول دون التلاعب بها ويوفر السرّية للمستخدمين.

ويقول سميث: "تعمل التقنية على توحيد روافد التعليم في بؤرة واحدة، وبالجمع بها بمسار واحد تتحقق فائدة كبرى". وبحسب مقترحات ليرنينغ إيكونومي، سيكون لدى كل مستخدم "حافظته" الخاصة لجمع مقتنياتها التعليمية والتي ستشمل، بعد انضمام الهيئات والمنظمات، المؤهلات الدراسية والجامعية، والسجلات الوظيفية، والتدريبات التي تم اجتيازها على الإنترنت، والورش، وحتى اللغات التي يتعلمها المستخدم عبر تطبيقات مثل دوولينغو. ولن يقوم المستخدم بتحميل البيانات بنفسه بل سيعتمد على اشتراك الجهات المحتفظة بالسجلات في المنظومة، ولكن المستخدم وحده يمكنه الاطلاع الكامل على سجله وله وحده حق المشاركة به من عدمه. وتتمثل القيمة الحقيقية للمنظومة فيما ستوفره من جمع كلي للبيانات، إذ سيمكن من خلال منظومة ليرنينغ إيكونومي استقراء أنماط عامة (دون تحديد أشخاص) وتحليلها للخروج بـ"خريطة مهارات" تبين التطور التعليمي وتفيد الجهات التعليمية والإدارية وجهات العمل لمعرفة مواطن القوة والنهج الأفضل والنقائص في الخريطة. والأهم يمكن استغلال البيانات لتحديد مسارات تأهيلية ووظيفية بقياس مساهمة عناصر التعليم المختلفة والخبرة في المهارة والتطور الوظيفي.

ويقول سميث إن ليرنينغ إيكونومي باشرت لتوها مشروعا مشتركا مع الذراع البحثي لألفابيت لخلق واجهة ذكاء اصطناعي تستخدم البيانات لتقديم النصح للمتعلم. ويضيف: "يمكّن ذلك المستخدم من الاستفادة بالذكاء الاصطناعي لتحديد أهداف التعليم والاختيار بين سبل مختلفة لتحقيق هدفه".