استئناف المغرب لعلاقته مع إسرائيل، استمرار للدفاع عن الثوابت الفلسطينية

تتباين المصطلحات وفقا لسياقاتها الدلالية. نحن اليوم، بخصوص الحالة المغربية، بصدد سياق سياسي ينصرف إلى استئناف المملكة المغربية لعلاقتها مع إسرائيل وليس تطبيعها.

قد ينطبق مصطلح التطبيع على دول شرق أوسطية خاضت حروبا مع إسرائيل بسبب اغتصاب أراض أو نزاع حدودي. غير أن الأمر بالنسبة للمغرب له خصوصية وميزة فريدة تتمثل في البعد الإنساني لهذه العلاقة التي لم تنقطع مع إسرائيل، والتي يشكل فيها بما يقارب مليون إسرائيلي من أصول مغربية حجر الزاوية.

المكانة المتميزة التي يكنها الملك محمد السادس لليهود المغاربة، تجد مرجعيتها في حقوق المواطنة الكاملة التي يكفلها ويضمنها الدستور لهذا المكون الاجتماعي المغربي، الذي يشكل أحد روافد الهوية المغربية. وهذه الخصوصية في العلاقات لا نجدها إطلاقا بمنطقة الشرق الأوسط لسبب واحد هو انقطاع أواصر المواطنة.

نستحضر بالمناسبة، التقليد الذي يعود إلى ألف عام من التعايش السلمي والتسامح في المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، وهذا أقوى دليل لما رفض جلالة الملك الراحل محمد الخامس تسليم مواطنين مغاربة من ذوي العقيدة اليهودية إلى سلطات فيشي، التي كانت تحتل التراب الفرنسي، مصرحا أن لديه مواطنين مغاربة وليس يهود.

وفي سنة 2019، زار المغرب أكثر من 70.000 مغربي من أصول يهودية في مناسبات عائلية وأخرى دينية، وظلت الوشائج متواصلة، خاصة مع أولئك الذين يتولون مناصب سامية بإسرائيل. من هذا المنطلق يمكن أن نستوعب الدور التاريخي للمغرب في الدفع بعملية السلام بالشرق الأوسط بفضل امتلاكه تلك القنوات الطبيعية للتواصل، والخصوصية المتميزة المتمثلة في البعد الإنساني للعلاقات المغربية الإسرائيلية.

وكما أكد الملك محمد السادس لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، أبو مازن، في مناسبتين، الأولى كانت بتاريخ 10 كانون الأول 2020، والثانية من خلال رسالة وجهها جلالته، بصفته رئيس لجنة القدس، يوم 23 من الشهر الجاري، على ثبات الموقف المغربي الداعم للقضية الفلسطينية وحقوقه المشروعة وخاصة، التشبث بالمفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، سبيلا وحيدا للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع.مشدد على أن جهود المغرب لترسيخ مغربية الصحراء لن تكون على حساب القضية الفلسطينية وحقوقه المشروعة، وليس ثمة أية مقايضة، وأن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه المشروعة، وأنه سيواصل انخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط.

لهذا ظل المغرب يوظف علاقاته مع إسرائيل للتأكيد على حقوق فلسطين، التي كانت السلطة الفلسطينية نفسها توافق عليها في التسعينيات انطلاقا من مبادرة فاس1981 بالمغرب.

يتأكد دور المغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية أيضا، من خلال روح التجرد في المقاربة الدفاعية، لأنه ليس للمغرب أرض بمنطقة الشرق الأوسط اغتصبتها إسرائيل ويتطلع لاسترجاعها، كما ليس له حدود متنازع عليها مع إسرائيل يريد ترسيمها، وبالتالي ليس له مصلحة خاصة بالمنطقة، سوى مصلحة الشعب الفلسطيني في نيل حقوقه المشروعة التي لن تسقط بالتقادم.

وبناء عليه، كان للمغرب مقاربة ثابتة للسلام في الشرق الأوسط، إذ كان يتحدث عن السلام كرؤية مستقبلية، في سياق إقليمي شرق أوسطي كان يتحسس من كلمة "السلام" حينها ويعتبرها طابو ومن المحرمات، ورغم ذلك لم يالو المغرب جهدا في توظيف علاقته مع اليهود المغاربة وتسخيرها خاصة مع المسؤولين منهم لخدمة السلام والقضية الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني.

وفي هذا السياق، فإن الأمر لا يعدو كونه استئناف للعلاقات المغربية –الإسرائيلية، إذ كان للمغرب مكتب اتصال في تل أبيب ومكتب إسرائيلي في الرباط من 1994 إلى 2002. هذه العلاقات كانت عاملا محفزا لإنجاز عدد من المشاريع ذات البعد الاجتماعي والتعليمي والعمراني التي أشرف عليها بيات مال القدس.

وباعتبار العاهل المغربي رئيس لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، حرص من جانبه على صيانة الهوية الإسلامية للقدس الشريف وحماية المسجد الأقصى. بالإضافة إلى هذا، هناك سياق مغربي خاص ومتميز يتمثل في تلك الروابط الدينية والقانونية التي تربط الملك محمد السادس مع اليهود والمسلمين المغاربة فوق التراب المغربي.

فالمغرب هو البلد الوحيد الذي يعتبر دستوره الرافد العبري أحد الروافد الهوية المغربية، أيضا يقيم بالمغرب منذ زمن طويل جالية يهودية لها معابدها ومحاكمها العبرية الخاصة بها، وأعيادها. كذا للمغرب جالية يهودية في العالم وخاصة في إسرائيل تصل إلى 700.000 من أصول مغربية يزورون المغرب بانتظام في مناسبات عائلية واحتفالات دينية.

إن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل ما هي إلا خطوة طبيعية في التاريخ المعاصر الذي يوحد المواطنين المغاربة من الديانة اليهودية مع مواطنيهم المغاربة المسلمين.

إذا هو سياق مغربي متميز له خصوصيته في علاقته مع اليهود لا يمكن أن يقارن بأي سياق عربي آخر، ويحمل رؤية برغماتية للقضية الفلسطينية، بالتالي لا يمكن فهم سلوك المغرب في استئناف علاقته مع إسرائيل إلا في هذا السياق الخاص لأن العلاقات كانت أصلا طبيعية وظلت قائمة لم تتوقف، وبالتالي فإن إسقاط مصطلح التطبيع بين المغرب وإسرائيل خارج السياق المغربي وغير ذي معنى.