قراءة قانونية بين توازن الحقوق وسيادة القانون

مكتب نبيل للقانون

 

يقول الله تعالي في كتابة الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

 

ما دفعنا الى الكتابة حول هذا الموضوع هو المناداة بعدم حبس المدين وهل هناك توازن بين الحقوق وسيادة القانون في هذا الامر ومن هنا نستعرض نص قانون التنفيذ الاردني رقم 25 لسنة 2007 وما ورد في المادة 22/أ من هذا القانون والتي نصت على ما يلي " أ . يجوز للدائن ان يطلب حبس مدينه اذا لم يسدد الدين او يعرض تسوية تتناسب ومقدرته المالية خلال مدة الاخطار على ان لا تقل الدفعة الاولى بموجب التسوية عن (25%) من المبلغ المحكوم به فاذا لم يوافق المحكوم له على هذه التسوية فللرئيس ان يأمر بدعوة الطرفين لسماع اقوالهما ويقوم بالتحقيق مع المدين حول اقتداره على دفع المبلغ ، وله سماع اقوال الدائن وبيناته على اقتدار المحكوم عليه واصدار القرار المناسب "

 

ان ما ورد في هذه المادة قد اعطى الدائن حق حبس المدين في حال التعنت عن دفع ما هو ملزم به قانونا وهنا لا بد من التوضيح مدى تعنت المدين عن دفع هذه الحقوق حيث نجد لزاما توضيح بان اي دعوى تمر بعدة مراحل حتى يتم اللجوء الى التنفيذ الجبري وهذه المراحل تتمثل في مرحلة المحاكمة أمام محكمة الدرجة الاولى والتي من الممكن ان تمتد لاشهر أو لسنوات وكذلك مرحلة المحاكمة امام محكمة الاستئناف والتي من الممكن أن تمتد ايضا لاشهر أو لسنوات والمرحلة الاخيرة هي النظر في هذه الدعوى من قبل محكمة التمييز والتي ايضا سوف تمتد لاشهر طويلة ان كانت الدعوى قابلة للنظر بها من قبل محكمة التمييز وبعد استنفاذ جميع هذه الاجراءات يتم اللجوء الى التنفيذ الجبري .

 

الا أنه وعلى الرغم من قسوة حبس المدين الا أن المشرع الاردني لم يترك هذا الامر عبثا فقد نظر بعين الرأفة الى المدين ومنحه الحق بان يعرض التسوية التي تتلائم ومقدرته المالية وهذه التسوية لا تكون نتاج يوم بل هي نتاج لاستنفاذ كافة الطرق القانونية والتي اشرنا اليها سابقا والتي تمتد لسنوات ، والتي يجب ان يكون المدين على علم بها وان يكون واضعا نفسه تحت اهبة الاستعداد وهذا يتطلب منه أن يعد العدة حتى يحين وقت التنفيذ الجبري وبالتالي يعرض التسوية خلال المدة القانونية وكذلك فإن المشرع الاردني جعل التزام المدين ابتداء بدفع (25%) من قيمة الدين ولم يلزمه بدفع الدين كاملا وهذا يدخل ايضا من باب الرأفة والحرص على المدين قبل الدائن ،،، فهل هناك اي مبرر بعد ذلك للتعنت من قبل المدين بعد كل هذه السنوات التي يسعى بها الدائن الى اقتضاء حقه هذا من ناحية.

 

ومن ناحية اخرى فهل الحبس بعد هذا التعنت هو عقوبة أم لغايات اجبار المدين على دفع الحقوق المطالب بها حيث نجد بان المشرع قد نص صراحة على ان هذه العقوبة تنقضي بحق الدائن في الاحوال التالية وفقا لنص المادة (24) من قانون التنفيذ التي نصت على ما يلي:

" ينقضي الحبس في الحالات التالية:

أ . اذا انقضى التزام المدين لاي سبب

ب. اذا رضي الدائن بأن يخلى سبيل المدين ويفقد طلبه بالحبس مرة ثانية خلال السنة نفسها .

ج. اذا صرح المدين بأموال تعود له تكفي لوفاء الدين

 

وهذا النص فيه من الحلول ما يكفي للمدين على الرغم من تعنته في عدم الوفاء بالدين /أو عدم مقدرته على الوفاء فقد جعل المشرع للدائن الحق في ان يخلي سبيل مدينه وهذا يفتح باب الحوار بين الدائن والمدين فغاية الدائن هي اقتضاء حقه وغاية المدين يفترض ان تكون الايفاء بهذا الحق للتوصل الى الحلول التي تمنع الوصول الى حبس المدين.

 

كذلك فإن المشرع الاردني لم يترك الامر مرهون بمزاجية الدائن فقد اعطي الحق للمدين بيان الاموال التي تعود له والتي تكفي للوفاء بهذا الدين دون الرجوع الى الدائن  ومن هنا نجد بان قانون التنفيذ ووفقا لما تم ذكر اعلاه قد وازن بين حقوق الاطراف وسيادة القانون وجعل الغاية الاساسية هي تأدية الامانات الى أهلها وليس الحبس لمجرد الحبس.

 

وعليه يتوجب علينا نحن القراء النظر بعين المساواة بين الحقوق والالتزامات وسيادة القانون حيث ان كل حق يقابل التزام والفيصل بينهما القانون.