كورونا تقيد حق الإنسان بالحركة والتنقل

خبراء: الوقاية من الوباء تنشئ شرعيّةً لتدابير استثنائية.
فرض فيروس كورونا المستجد، حصارًا استثنائيًا على حقِّ الإنسان في الحركة والتنقل طيلة 265 يومًا من العام 2020 وما زالت الى حد ما مستمرة، بَيدَ أنَّ هذا القيد كان وقائيًا؛ للحد من تفشي هذا الفيروس الذي أثر على كثير من مفاصل الحياة العادية، كما يؤكد خبراء.
وبالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يُصادف في العاشر من كانون الاول كلِّ عام، فقد عزل الفيروس الدول عن بعضها بعد أن سارعت كل منها الى إغلاق حدودها خشية انتقال الوباء، وتمَّ حظر التَّجول على السُّكان لمدد متفاوتة قبل انحسار هذه القيود رغم استمرارها لكن بشكل أخف.
59 يومًا فقط مرَّت طبيعية في بدايات هذا العام، لتبدأ بعدها إجراءات استثنائية في دول العالم أجمع، لم يكن الأردن استثناء من بينها، فتمَّ فرض قيود على حق حرية الحركة والتنقل، لمواجهة فيروس كورونا الذي بدأ بالانتشار مع نهايات العام الماضي من مدينة ووهان الصينية. الخبيرة في القانون الدكتورة نهلا المومني قالت لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إنَّ الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في هذا العام تزامن مع حالة طوارئ شملت العالم بأسره، مبينة أنَّ حالة الطوارئ هذه صاحبها تقييد بعض الحقوق، وفي مقدمتها حرية التنقل وفي أحيان أخرى تعطيل هذه الحرية تمامًا.
ولفتت إلى انَّ هذه المعطيات تجعلنا نقف مطولًا أمام حقيقة أنّ ربط البعض بين فكرة انتفاء الحقوق والحريات خلال فترة إنفاذ قانون الدفاع هو توصيف لا يعكس الحالة القانونية والفلسفة العميقة لهذا القانون، والذي تأتي شرعيته ابتداء من وجود حالة استثنائية تُهدد أصلا ممارسة الأفراد للحقوق وتمتعهم بها.
وأوضحت أن القيود والإجراءات المعمول بها تهدف الى تجاوز هذه الحالة على أمل العودة إلى الوضع القانوني الطبيعي ليغدو الأفراد قادرين على التمتع بحرياتهم وحقوقهم كاملة، مشيرة الى أن الانطلاق من هذه الفلسفة في النظرة إلى قانون يراه البعض سالبًا للحقوق، تجعل منه قانونًا يهدف كباقي التشريعات إلى صون الحقوق والحريات وتنظيمها، والتنظيم هنا قد يأخذ ابعادًا أوسع وقد يصل الأمر الى تعطيل بعض الحقوق مثل الحقِّ في التنقل أو غيره. وأكدت المومني أنَّ هذه الرؤية التي تنطلق منها هذه الإجراءات هي بالنتيجة رؤية حقوقية؛ فصون حقوق الانسان يستدعي أحيانا اتخاذ هذه الإجراءات، وما نشهده اليوم من انتشار وباء عالمي يهدد الحق في الصِّحة وهو الأمر الذي يعني بالضرورة أن تهديد هذه الحقوق يقتضي مثل هذه الإجراءات. وأشارت إلى أنَّ هذه فلسفة حالات الطوارئ وما يستتبعها من تطبيق تشريعات أو اجراءات خاصة تمّ تأصيلها وتقنينها بموجب الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وفي مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي أكدّ في المادة الرابعة على أنّه "في حالات الطوارئ المعلن عنها رسميًا يجوز للدول أن تتخذ في أضيق الحدود تدابير قد تؤدي إلى عدم تقيد الدولة بالتزاماتها المفروضة عليها بموجب هذا العهد فيما يتعلق بالحقوق الواردة فيه". وأشارت إلى أنَّ قانون الدفاع الذي يطبق لأول مرة في الأردن وما تبعه من بعض الإجراءات مثل تقييد حرية التنقل يستدعي نظرةً حقوقيةً شموليةً بعيدا عن الأحكام المسبقة أو الأفكار المنمَّطة بأنه قانون ينسف فكرة الحقوق والحريات؛ فالتشريعات عموما وابتداءً، الأصل فيها أنّها أداة ملزمة لحماية الحقوق والحريات في الحالات الطبيعية أو الاستثنائية منها، ويبقى الإيمان بحقوق الإنسان ومدى تجذر ثقافتها لدى الأنظمة والشعوب هو الفيصل في تطبيق التشريعات والتعامل معها. ويعتبر الخبير القانوني الدكتور سيف الجنيدي أن انتشار جائحة كورونا سبب واقعيّ وقانونيّ لفرض حالة الطوارئ وفقاً للمعايير الدوليّة لحقوق الإنسان والمبادئ الدستوريّة على حدٍ سواء، ويُنشئ هذا الاعتبار شرعيّةً استثنائيّةً لقرارات وإجراءات السّلطة التنفيذيّة مقيّدةً موضوعيّاً وزمانيّاً بمدى تناسبها مع الحالة القائمة المُبرّرة لقيامها، واستهدافها تحقيق المصلحة العامّة. ونوه إلى أنَّ الفلسفة الحقوقيّة لإعلان حالة الطوارئ تفترض باعتبارها مِكْنَةً قانونيّة حماية حقوق الإنسان في ظل ظروف مؤقتة طارئة وصولاً إلى العودة للوضع القانونيّ الطبيعيّ، وضمان حماية الشرعيّة الدستوريّة خلال فترة إعلان حالة الظروف الاستثنائيّة من خلال إرساء ضوابط معياريّة خاصّة. وأضاف، وباعتبار هذا الإعلان مِكْنَةً قانونيّة فإنها ذات وسائل تنظيميّةٍ للحقوق في إطارها الاجتماعيّ؛ بهدف حماية حقوق الإنسان في ظل ظروف مؤقتة طارئة وصولاً إلى العودة للوضع القانونيّ الطبيعيّ، مبينا أنَّ أوامر الدفاع الخاصّة بالحقّ في الإقامة والتنقل، كانت ضمن إصدار الحكومة 3 أومر دفاع ذات أثرٍ على الحقّ في الإقامة والتّنقل، وتمثلّت بأمر الدّفاع الثاني، والثالث، والثاني عشر. وقال، إنَّ الحكومة انتهجت في أمر الدّفاع الثاني الحبس كعقوبةٍ أصيلةٍ ووحيدة، بينما تباين النّهج في أوامر الدّفاع المُتعاقبة، حيث أخذ أمر الدّفاع الثّالث بمبدأ التّخيير بين الحبس والغرامة، ليعود أمر الدّفاع الثاني عشر ليُلغي عقوبة الحبس المُقرّرة في أمريّ الدّفاع الثاني والثالث، ويستبدلها بالغرامة حتى في حالة التّكرار. وأكد أنَّ فرض قيود وتعطيل الحق في الإقامة والتنقل يتوافق تمامًا مع فلسفة هذا الحق في الدستور الأردنيّ، والمعايير الدوليّة لحقوق الإنسان، حيث انّ التباعد الاجتماعيّ والحد من التّنقل هو الاشتراط الصحيّ الأساسي لمنع الإصابة بفيروس كورونا. وصاغ العالم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 بعد ما حدث من أفعال آذت الإنسان، وحمل 30 مادة تفصِّل حقوق الأفراد وحرياتهم التي لا حق لأحد في حرمانهم منها، ومن بينها أنَّ جميع الناس يولدون أحرارا ومتساوون في الكرامة والحقوق. كما حمل الإعلان حقا يقول إنَّ لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر

-(بترا)