عدنان أحمد يوسف يكتب:المشتقات المالية ودعوة لتشديد الرقابة عليها
المشتقات المالية ودعوة لتشديد الرقابة عليها
عدنان أحمد يوسف
رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا
رئيس جمعية مصارف البحرين
بالرغم من أن تاريخ أسواق المشتقات المالية بمفهومها الحديث يرجع إلى عقود مضت، إلا أن أسمها برز بصورة حادة خلال الأزمة العالمية 2008، حيث وجهت لها أصابع الاتهام كأحد أهم العوامل التي ساهمت في الأزمة. فماهي بالضبط المشتقات المالية، وما هي وظائفها، وكيف ساهمت في تفاقم الأزمة العالمية.
المشتقات المالية هي عقود مالية ترتبط قيمتها بقيمة الأصل الأساسي. إنها أدوات مالية معقدة تستخدم لأغراض مختلفة على نطاق واسع للمضاربة وتحقيق عوائد محتملة جيدة، بما في ذلك التحوط والوصول إلى أصول أو أسواق إضافية. أي أن المشتقات المالية هي عقود مالية تستمد قيمتها من الأصل الأساسي. وتتغير قيمة الأصل الأساسي تبعاً لظروف السوق. ويمكن تداول المشتقات من خلال التنبؤ بحركة السعر المستقبلية للأصل الأساسي.
أما أهم أنواع المشتقات المالية فهي العقود الآجلة (Future Contracts)والعقود المستقبلية خارج البورصة (Forward Contracts)وعقود الفروقات (CFD)وعقود الخيارات ( Option Contracts) وعقود المقايضة (Swap Contracts) وهناك أنواع أخرى كذلك.
وفي الأصل، كان واحد من الأغراض الرئيسية للمشتقات المالية هي المساعدة في إدارة المخاطر. فبما أن قيمة المشتقات مرتبطة بقيمة الأصل الأساسي، فإن المشتقات المالية تستخدم في المقام الأول لتحوط المخاطر. على سبيل المثال، يمكن للمستثمر شراء عقد مشتق تتحرك قيمته في الاتجاه المعاكس لقيمة الأصل الذي يمتلكه المستثمر. بهذه الطريقة، قد تعوض الأرباح في عقود المشتقات الخسائر في الأصول الأساسية.
وكثيرا ما تستخدم المشتقات لتحديد سعر الأصل الأساسي. على سبيل المثال، يمكن أن تكون الأسعار الفورية للعقود الآجلة بمثابة تقريب لسعر السلعة. كما تساهم المشتقات المالية في تعزيز كفاءة الأسواق المالية، حيث أنه باستخدام عقود المشتقات المالية، يمكن للمرء أن يكرر عائد الأصول. لذلك، تميل أسعار الأصول الأساسية والمشتقات المرتبطة بها إلى أن تكون متوازنة لتجنب فرص المراجحة.
لقد تطورت سوق المشتقات المالية كثيراً في العقود الأخيرة. بدأ تقديم المزيد والمزيد من فرص التداول ليس فقط في السوق المنظمة، ولكن أيضًا في سوق OTC. تم إنشاء عقود الفروقات التي تمنحك الفرصة للتداول في سوق العملات والأسهم والسلع باستخدام الرافعة المالية العالية. بفضلهم، أصبحت التجارة في الأسواق المالية متاحة لمجموعة أوسع، وليس فقط الأشخاص الذين لديهم رأس مال كبير.
وتعتبر المشتقات التقليدية بشكل عام (عقود الخيارات والمستقبليات) والمشتقات الائتمانية بشكل خاص ((Credit Default Swaps CDs أحد أهم أسباب حدوث الأزمات المالية في رأي الكثير من الاقتصاديين، فالأصول العينية أو المالية التي تنعقد عليها الصفقات لا يتم مبادلتها في معظم الأحيان، وإنما يتخذ من تطور أسعارها مؤشرات لتصفية عقود المشتقات بين المتعاملين وهو ما يؤدي إلى التحول من المتاجرة إلى المقامرة. كما توصف بأنها معاملات صفرية فعقود المشتقات لا تحقق أي قيمة مضافة للأصل الذي عقدت عليه، وإنما ما يربحه أحد طرفي الصفقة يخسره الطرف الآخر. ومع أن البعض يرى بأن مثل هذه الأدوات تعزز السيولة وتوزع المخاطر وتعطي المتعاملين بها بعض المزايا، إلا أنه من الواضح جداً أن أضرارها أكبر بكثير من منافعها.
وسوق المشتقات المالية سوق عملاق بكل ما تعنيه الكلمة، حيث يقدر حجم السوق بحوالي 1.2 كوادريليون دولار، أي أن قيمة المشتقات المالية تبلغ نحو 14 ضعف قيمة الناتج الإجمالي العالمي.
وبالنسبة لتوزيع هذه المشتقات فإن نحو 82 في المائة منها تمثل عقود فائدة، ونحو 11 في المائة عقود نقد أجنبي، ونحو 6 في المائة مشتقات ائتمان، والباقي عقود مشتقات أسهم وسلع وغيرها. من ناحية أخرى؛ فإن توزيع المشتقات حسب طبيعة المنتج المالي تشمل عقود المشتقات في عقود المستقبليات والعقود الآجلة بنسبة 16 في المائة، وعقود الترتيبات المتبادلة Swaps بنسبة 63 في المائة، وعقود الخيارات بنسبة 15 في المائة، ومشتقات الائتمان بنسبة 6 في المائة. وتحوز خنس بنوك أمريكية وهي بنك جي بي مورجان تشيز، وسيتي بنك، وبنك أوف أمريكا، وبنك جولدمان ساكس، وبنك إتش إس بي سي على أكثر من مجموع قيمة المشتقات.
ويمكن القول إن محدودية تعامل البنوك العربية ولا سيما البنوك الإسلامية في هذه المشتقات هي من الأسباب التي جنبها التعرض لأزمات مالية كبيرة على شاكلة ما حدث للبنوك الأمريكية والأوروبية.
ويقول أحد الباحثين إن الأزمة المالية العالمية الأخيرة أظهرت مدى القصور الذي تنطوي عليه مثل هذه العقود ومستويات المخاطر الكبيرة التي تحتويها والناجمة عن سوء إداراتها ونقص الشفافية المصاحب لها والتعقيدات المرتبطة بالمخاطر الحقيقية وراء مثل هذه العقود ومخاطر انتشار آثار هذه إثر انهيار المؤسسات العاملة في هذه العقود بين النظم المالية المختلفة، مثلما حدث مع حالة إفلاس بنك ليمان براذرز ومخاطر الإفلاس التي تعرضت لها المجموعة الأمريكية الدولية AIG عملاق التأمين في العالم، التي أثارت الكثير من الجدل عبر مختلف أنحاء العالم حول ضرورة إدخال إصلاحات هيكلية في الأسواق المالية في العالم. لذلك تتزايد النداءات بضرورة تنظيم هذه المنتجات وتشديد الرقابة عليها، وتنميط عقودها لضمان استقرار أسواق المشتقات في العالم، وضمان متانة الأسواق الأكثر استقرارًا.