لماذا تقاطعون.. وما البديل إذن؟
بكر الأمير
دعوات مقاطعة الانتخابات النيابية عشوائية وغير منظمة، فلا إطار يجمعها او تكتل واضح يتبنى وجهة نظرها، فالواقع يقول أن الفعاليات الوطنية أعلنت موقفها وأكدت ضرورة المشاركة، والأحزاب السياسية قدمت مرشحيها، والقوى الحزبية أعلنت قوائمها الانتخابية، وكذا المكونات العشائرية هي الأخرى منخرطة وقد أجرت اجتماعاتها وقدمت مرشحيها.
جميع دعوات المقاطعة للانتخابات النيابية لن تجدي نفعا، ولن تغير شيئا في المشهد الوطني، الاستحقاق الدستوري سيعقد بموعده، والهيئة المستقلة للانتخاب تشد الخطى استعدادا لليوم الموعود، والدولة تحشد امكاناتها لدعم العملية الانتخابية وضمان نجاحها، والزيادة الكبيرة بأعداد المترشحين قد تساهم بارتفاع معدلات المشاركة على الرغم من تخوفات البعض من الوضع الوبائي جراء جائحة كورونا.
المقاطعة حينما تكون منظمة، وتعبر عن موقف سياسي تتبناه الاحزاب السياسية أو القوى الوطنية، قد تكون مجدية، وحينها لن يكفي الاعلان عنها فقط، فهذا موقف بحاجة إلى ترجمة على أرض الواقع، وبرنامج عمل يحشد الرأي العام حوله، ويتطلب أيضا توظيف جميع الأدوات لاقناع المجتمع بان المشاركة تساهم باستمرار الواقع الراهن ولا تقدم حلا يساعد في علاجه ، وهذا ما لم يحدث.
بعد هذه المعطيات، هل هذا أمر واقع ولا مناص منه؟ ولا بديل آخر عن المشاركة ؟ هذا سؤال برسم الاجابة لمن يتبنون خيار المقاطعة، فهم الأجدر بالاجابة عليه إذا نظرنا إلى الأمور من الزاوية الأخرى. إن كنا صادقين مع أنفسنا ونريد الخير لهذا الوطن، فإن كل الخيارات تؤكد أن رحلة الاصلاح تبدأ بالذهاب إلى صندوق الاقتراع، فعدم الرضى عن الواقع قد يدفعنا إلى مركز الاقتراع دفعا، حتى لو لم نكن راضين عن القانون الذي ستجري بموجبه الانتخابات.
بعد إعلان النتائج وتشكيل مجلس النواب سيعود فريق كبير من أصحاب دعوات المقاطعة إلى سالف عهدهم؛ والمتمثل بتأجيج حالة فقدان الثقة العامة التي نعيشها، وإذكاء المناخ الشعبي الساخط على مجلس النواب وأدائه الضعيف .. وسيقولون للناس وقتها: "إن هذا المجلس لا يعبر عنكم وهو فاقد للأهلية التي تمكنه من القيام بواجباته ومسؤولياته"، ما أسهل الكلام! فهو بلا "جمرك" كما يقولون، وليس عليه ضريبة أيضا، وإذ خلا من التجريح والإساءة وخطاب الكراهية؛ فهو أيضا حرية تعبير مكفولة بالدستور، وحق أصيل من حقوق المواطن تكفله الدولة. ما المطلوب إذن يا سادة؟ وماذا تريدون؟
الشعبوية التي تتعمق في المجتمع ويحصد أصحابها شعبية على ظهور الناس، ونرى أصواتهم تعلو ويقدمون أنفسهم كقادة للرأي العام، في الحقيقة هم لا يقدمون حلولا أو حتى خيارات تؤدي إلى حلول، وإنما هذه هي بضاعتهم: إعلاء صوت الانتقاد السلبي، وزرع اليأس في نفوس الناس، والنتجية حتما، حالة من السلبية المفرطة ورضى ضمني بالواقع البائس، وتكريس لحالة الاحباط السائدة في الشارع.
ثمة فريق ممن يؤيدون مقاطعة الانتخابات، وحجتهم أن قانون الانتخاب هو السبب وراء فقدان الثقة بالمجالس النيابية، إذ هوالجسر الذي عبر من خلاله أصحاب المصالح ورؤوس الأموال، ليصبحوا ممثلين عن الشعب ويتبئوا مسؤولية ليسوا أهلا لها، وهذا صحيح ولكن العلاج قطعا لن يكون باللجوء إلى خيار المقاطعة.
ضمن قوائم المترشحين التي أعلنت عنها الهيئة المستقلة للانتخاب، شخصيات لها وزنها السياسي ومواقفها المشرفة ولديها الوعي وتمتلك الكفاءة، إلى جانب القوى السياسية والحزبية المشاركة أيضا، هؤلاء من نعول عليهم إن حازوا ثقة الناخبين، بإيجاد تحالفات تحت القبة والضغط باتجاه فتح قانون الانتخاب من جديد، وتطويره بالشكل الذي يفرز نوابا جديرين بثقة المواطن الأردني، يعيد للمؤسسة التشريعية ألقها الذي فقدته منذ عقود، وينعش الحياة السياسية والبرلمانية من جديد.
إذا كان عدم الذهاب إلى صندوق الاقتراع؛ يساهم بتغير الواقع إلى الأفضل! فعلينا جميعا أن نقاطع الانتخابات، وإذا لم يكن، فقدموا لنا يا أصحاب دعوات المقاطعة ماذا لديكم وما هو البديل؟