الوزير ليس قديسا.. كتبت إخلاص القاضي


بالله عليكم.. هل يعد الانسان نفسه بوزارة منذ الطفولة، فيعلّب حياته ويغلق عليها، بالمفتاح، فلا يسافر، ولا يسهر، ولا يذهب للسياحة، ولا يغني اذا طاب له ذلك، ولا يدندن، ولا يشترك في فيلم تثقيفي، له رسالة، أو حتى كوميدي؟

هل يسجن المرء نفسه بجدية داخل نفسه، فلا يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي ما يجول بخاطره، ولا ينتقد الحكومات، ولا يلتقط صورا مع زوجته أو اصدقائه أو اهله او مع الفنانين في الافراح والاماكن العامة، ولا يعبر ببساطة عن هواجسه وقضاياه؟

هل يتواعد كل منا مع نفسه، فيعدها، بأن يصبح وزيرا يوما ما، فيأسر حياته خوفا ورعبا وترقبا وضيقا وهلعا، من الناس ومراقبتهم، من أحدهم التقط له صورة في أحد المطاعم، أو المقاهي، يحتسي الشاي و يأخذ (نفس ارجيلة، مثلا يعني)، أو أن له مزاجا بتدخين السيجار الفاخر، فيحسب عليه لدى توزيره بتاريخ ارستقراطي، ولا يشعر مع الفقراء، وقد يكون دخنها( ضيافة)، ولم يدفع ثمنها اصلا !.
ايجب أن( يتحوصل) هذا الواعد نفسه بوزاره، بانتظار توزيره، فيقبع ببيته، لا مستقبلا ولا مودعا؟، أو أن لا يمارس هواية يحبها، كالركض، أو ركوب الدراجة الهوائية، أو سباق السيارات، أو السباحة، وهل سيسبح بثيابه، مثلا، وهل له أي ذنب بأن أحد ( الباباراتزي) التقط له صورة بالخفاء، ليستخدمها عند الطلب، ربما كيدا، أو ابتزازا، أو ( لؤما)، أو مقايضة، أو جميع ما ذكر؟، وحتى لو قام هو بنشر صوره في رحلته السياحية على منصته الخاصة بالتواصل الاجتماعي، فهذا يعني انه يمارس حريته في ابلاغ الناس بمكانه وبنشاطه، وبأنه لا يقوم بذلك بالخفاء بل يشهره، حبا بمتابعيه ومشاركة لهم بفرحه، فلا تؤخذ القصة اكثر من هذا المحمل.
لماذا يتم التطرق لحياة الوزير/ة الخاصة، بمجرد التسمية؟ لماذا ( نبحبش) على صوره وصور زوجته واولاده وبيته، وحاكورته ( عند اللزوم) ، لماذا نحاكمه على حياته العادية التي نعيشها جميعا في حياتنا، فنغضب، ونفرح، ونرقص، ونلبس في المناسبات والافراح اجمل الثياب وارقاها وربما كانت تكشف عن اجزاء من اجسادنا في إطار حرية الاختيار والخيار وطريقة العيش، (فللناس فيما يعشقون مذاهب)، لماذا نحولهم لمحاكمات علنية اجتماعية ظالمة، انظروا ماذا كان يفعل في سفره، اسمعوا ماذا غنى على الهواء مباشرة، لا تنخدعوا به فلديه الكثير من المشاكل العائلية، فكيف سيؤتمن على وطن، وغير ذلك مما وصلنا عبر الواتساب من فيديوهات ومنشورات واقاويل ومقارنات بين ما يتحدث به الوزير قبل التوزير، وما قد يتحدث به بعده.

من المعيب حقا اختراق خصوصية الناس بشكل عام، والوزراء منهم بطبيعة الحال، فلكل منا حياته الخاصة التي تعج بالصالح والطالح، كلنا خطاؤون، كلنا عشنا تجارب سواء اكانت ايجابية ام سلبية، فلماذا، نعد على الوزير تصرفاته الشخصية ونسقطها على ادائه، حتى قبل أن نختبر الاداء، ولهذا حديث آخر، وطبعا نحن من المفترض أن نحاسب الوزراء والحكومة برمتها على تقصيرها في الاداء العام، وليس على مظهر الوزراء والوان ربطات اعناقهم، واشكالهم، ولغة اجسادهم، إلا في سياق المحاسبة والمتابعة لكل ما من شأنه المس بحقوق الناس ومعيشتهم، والتقصير بابتكار الحلول التي تحدث فرقا في حياة الناس، فلا يعنيني أن " فرق الوزير شعره على اليمين او على اليسار" ، أو حلقه " على الصفر"، ما يعنيني، كما يعني كل الناس، أن يبدأ ولو من الصفر بتدرج متصاعد ليقوم بالواجبات الموكولة اليه بكل أمانة واخلاص، وما دون ذلك من محاسبة على تاريخه السابق العادي، ليس إلا التنمر بعينه، طالما لم يرتكب جرما موصوفا، او تجرأ للتعدي على الوطن وقيادته وشعبه.
حاسبوهم على ادائهم الحكومي، لا على حياتهم الخاصة، فعلى الباغي تدور الدوائر، وكل من يتعرض للناس ولاعراضها وحياتها وتفاصيلها سيأتي عليه اليوم الذي سيتجرع به من ذات الكأس سواء نال شرف الوزارة أو ظل في عداد المستوزرين.
جميل ان نحسب خطواتنا وأن نحفظ خطوط العودة، وأن نتمتع بسير عطرة، لكن الأجمل أن نكون على طبيعتنا دائما، فلا نبقى اسرى قرار التوزير فنمشي نحدث انفسنا خوفا من المراقبة والتصيد.
حكومتنا الجديدة، حكومة الاردن الأغلى.. سنحاسبكم على أدائكم، وعلى مدى قوة التغيير التي تملكون؛ لا شأن لنا مطلقا بحياتكم الخاصة...مطلقا.
سنحاسبكم اذا ما استمرت مديونية الاردن بالتصاعد، شأنها شأن نسب الفقر والبطالة وتفشي الفساد..لن نرحمكم، وهذا حقنا في وطن يسكن فينا قبل أن نسكن فيه.
وقبل الوزارة وفي غضونها وبعدها، كن على طبيعتك، ( وامشي عدل يحتار عدوك فيك)..