هل "كورونا" موجود بالفعل؟!
وُوجهت بهذا السؤال أكثر من مرة، من أناس التقيتهم بالصدفة وآخرين أعرفهم. ولا شك أن سؤالاً كهذا، يستدعي إجابة من نوع بيت الشعر الشهير للمتنبي: وليس يصح في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
ولكن قبل المسارعة إلى مط الشفاه استغرابا من تساؤل كهذا وإلقاء اللوم على السائلين، لا بأس من وقفة مع جملة من المعطيات ذات العلاقة.
ليس لدى الناس كلهم، ولا لدى غالبيتهم، من المعارف ما يؤهلهم للإستقراء والمقارنة والاستنتاج. وهم غير ملامين، فلكل اختصاصه ومجالات اهتمامه، ولا يمكن للإنسان أن يكون ملماً بكل شيء. ومن الناس من لم يعتد التدقيق فيما يسمع، خاصة وأن من طبائع النفس البشرية الميل إلى الأخبار الغريبة، التي لا تخضع للمنطق. كما يستصعب الإنسان عادة ما استقر عليه من أنماط تفكير، مهما بدت سطحية بمعايير المنطق الأبلج. وهناك أيضاً ميل لاشعوري في النفس البشرية باتجاه الهروب من مواجهة الحقيقة، سواء تعلق الأمر بقضية سياسية أو أزمة اقتصادية أو مشكلة وبائية، إلى التبرير والبحث عن متهم وكفى الله العقل عناء التبصّر والتفكّر والتدبّر.
ولربما نلتمس أعذاراً لبعض ما يقال بخصوص كورونا، مهما بدا غريبا. فقد استصحب الفيروس منذ ظهوره في كانون أول 2019 وحتى اللحظة، عاصفة من الجدل على مستوى الإعلام والطب، لم تهدأ حتى اللحظة، دأبت وسائل الإعلام على نشر تفاصيلها عبر أثير الفضاء المفتوح. فالرئيس الأميركي، أصر منذ البداية وكرر أكثر مرة في خطابات علنية، أن الصين مسقط رأس الفيروس وبالتالي فإن جنسيته صينية.
من جانبها، ردت الصين في حينه بأن الفيروس دخلها بواسطة جنود أميركيين قَدِموا إلى مدينة ووهان للمشاركة في عرض عسكري. وقد استند رد الصين هذا، على ما يبدو منطقاً على قدر من الوجاهة يتقبلها العقل، وفحواه أن الفيروس منتج أميركي لوقف النمو الاقتصادي الصيني المتسارع. وهناك دراسات اميركية ترى أن اقتصاد الصين اذا استمر في نموه المتصاعد على هذا النحو، فسوف يفوق الاقتصاد الأميركي في نهاية العشرية الحالية من القرن الحادي والعشرين، على أبعد تقدير.
ووجد القائلون بأن الفيروس لا يمكن أن يكون من إنتاج الطبيعة دليلا فاقعا في تصريح الدكتور أنتوني فاوتشي، مستشار ترامب للأمراض المعدية، عام 2017. وقد حذر آنذاك، من احتمال تفشي فيروسٍ معدٍ داعياً إلى الاستعداد لذلك.
كما اكتسبت وجهة نظر هؤلاء زخماً اضافياً، من توقيع الرئيس الأميركي لمرسوم كيرز يوم 27 آذار 2020. ويقضي هذا المرسوم بتوفير 6,2 تريليون دولار للمتضررين من الفيروس. وتؤكد مصادر أميركية منها تقارير صحفية، أن دراسة احتمال انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، بدأت في 24 كانون الثاني 2019، أي قبل حوالي 12 شهرا من ظهوره في كانون الأول 2019. فماذا يعني ذلك؟!
وعلى صعيد أهل الاختصاص، فإن المتابع لا بد يلحظ حجم الجدل المتواصل بين الأطباء على المستوى الدولي، من دون التوصل إلى القول الفصل حتى اليوم. ومن بين هؤلاء، من يقدم آراء تعزز وجهة النظر القائلة بأن الفيروس لا يمكن أن يكون قد تطور بشكل طبيعي. هنا، نورد باختصار آراء المختصين والعلماء.
منذ البداية وضع علم الطب، ثلاث فرضيات للتعامل مع الفيروس، أولها، حدوث طفرات على فيروس سارس الذي انتشر عام 2003، وثانيها، أنه نتيجة خطأ مخبري حصل في مدينة ووهان الصينية، وثالثها، أن الفيروس نتيجة تلاعب بشري.
على أرضية هذه الفرضيات، استعر الجدل في البداية حول إمكانية انتقال الفيروس من الخفاش إلى الإنسان، حيث انتشرت على المستوى العالمي مزاعم تؤشر صوب الخفافيش الصينية، وعلى وجه التحديد في مدينة ووهان. لكن العلم، لم يقدم حتى اللحظة دليلا قاطعا على أن الفيروس انتقل من الخفاش إلى الإنسان، لا بل توصل علماء هونغ كونغ إلى استحالة هذا الإنتقالي. وأكدت ذلك أيضاً دراسة أجرتها جامعة كامبردج. أما العالِم الفرنسي المتوج بجائزة نوبل للطب، لوك مونتينيه، فقد استبعد خروج الفيروس من سوق بيع الحيوانات في مدينة ووهان الصينية، مرجحا ان الفيروس خرج من مختبر طبي صيني.
العلماء الروس بدورهم، أكدوا أن الفيروس وباء مُصَنَّع. أما نظراؤهم الأميركيون، فقد أثاروا ضجة داخل بلادهم وخارجها بتأكيدهم أن الفيروس بحاجة إلى حدوث طفرات تستغرق 800 عام كي يكون كما هو عليه الآن، وبالذات على صعيد دفاعاته ضد مناعة الإنسان.
ومما يُلهب تساؤلات الشك الاستنكاري، تلك الحقيقة العلمية المعروفة بخصوص إنجازات الطب الحديث في التعديل الجيني للفيروسات. ففي الولايات المتحدة، قطعوا شوطا كبيرا في استخدام الفيروسات المعدَّلة جينياً في معالجة بعض أنواع السرطان.
أما بالنسبة لنا في الأردن، وبغض النظر عن الجدل المتواصل، وهل كورونا وباء أنتجه بشر ام فيروس طبيعي، فمن العبث إنكار الشمس وهي في رابعة النهار. وفي الأحوال كلها، فلا دور لنا في البحث العلمي لإيجاد لقاح مضاد. وعلينا انتظار ما تنتجه مختبرات المتقدمين علميا، لاستيراده واستخدامه. كما أن النظام الصحي في بلادنا لا يتحمل اعدادا كبيرة من الاصابات، وخاصة إذا ارتفعت معدلات الحالات الحرجة. ولا نظن ان مواطننا بغافل عن استعدادات تجار الأوبئة لمد أيديهم في جيب المواطن مستغلين الظرف، حيث أعلنت مستشفيات خاصة أسعارا فوق طاقة غالبية الأردنيين، في ظروفهم الصعبة قبل كورونا أصلا.
الإصابات بدأت تتعدى الألف وتقترب احياناً من الألفين يومياً، وقد ترتفع إلى بضعة آلاف.
وعليه، لا خيار سوى الالتزام بإجراءات الوقاية، وهي سهلة وميسرة. فما الذي يمنع الكثيرين منا، كما نرى في الأسواق والاماكن العامة، من ارتداء الكمامات وتحاشي التجمعات قدر الإمكان وتطبيق التباعد الجسدي والتقيد بتعليمات الصحة والسلامة العامة؟!
ومن المضحك المبكي، أن يبحث البعض منا عن دليل على النهار في ساعات الظهيرة!
عزيزنا المواطن، لا تكُن كمن ينتحر بإطلاق النار على دماغه مباشرة وليس على قدميه. وتذكّر ان فيروس كورونا ليس شرطي سير لتعانده!!!