د. عبدالله الطوالبة يكتب: لهذه الأسباب يُقاطع المقاطعون !

الأنباط -د. عبدالله الطوالبة
لا بد أن هناك من لا يزال يتذكر تدني المشاركة في انتخابات 2016، إذ توقف باروميترها عند نسبة 37% لم يتخطاها. أما الانتخابات المزمع اجراؤها في العاشر من تشرين الثاني المقبل، فالمؤشرات  تنبيء بأن نصيبها من المقاطعة واللإبالية، سيكون مفاجئا حتى بالمقارنة مع سابقتها. فبحسب استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية لشهر تموز الماضي، أكد 61%من المستطلعة آراؤهم عدم ثقتهم بالمترشحين في دوائرهم. وقال 59% انهم لن يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، فيما لم تتجاوز نسبة الراغبين بالمشاركة 25%. بالإضافة إلى ذلك، نسمع مسؤولاً يمثل جهة معنية، يجهر بالقول إن الإنتخابات ستُجرى بمن حضر ولو بنسبة 2%. هنا، ثمة إقرار بأن الانتخابات مطلوبة بذاتها، واعتراف بتبلور مقاطعة قد لا تكون مسبوقة. والذي نراه أن النِّسب المومأ إليها قبل قليل، قريبة كثيرا إلى الحقيقة، على ما نسمع ونلمس.
وعليه، من المنطقي ان يقفز إلى المقدمة سؤال عن أسباب فقدان المواطن الثقة بالعملية الإنتخاببة ومخرجاتها، وهو ما يعني تلاشي الرهان على مجلس النواب لإحداث أي تغيير إيجابي يُعتد به على أي صعيد كان.
في التقديم للإجابة، نشير إلى أن سجلات الحياة النيابية، منذ مرحلة الانتداب البريطاني وحتى المجلس الحادي عشر (1989)، تحتفظ بمواقف وانجازات مقدّرة في سياقاتها التاريخية، في التشريع وفي الرقابة على أداء الحكومات ومحاسبتها، وفي السياسة، وفي الإدارة والاقتصاد. الأمثلة كثيرة لا يتسع لها مقال، لكننا نستحضر تشكيل أول وآخر حكومة برلمانية في تاريخ الأردن عام 1956. ونستذكر إسقاط حكومة سمير الرفاعي الجد عام 1963، على يد مجلس النواب آنذاك، وتحمُّله تبعات قراره متمثلة بالحل!
وأعتقد أن مجلس النواب الحادي عشر، بأدائه العام وبشخوص أعضائه، ما يزال يحظى باحترام وتقدير كبيرين.
أما بداية الإنحدار في مستوى العملية الانتخابية وفي أداء مجالس النواب، فيمكن ربطها ب"الصوت الواحد"، منذ عام 1993. مذّاك، طفت على السطح الانقسامات المجتمعية على أرضية الانتخابات النيابية، وبخاصة على صعيد العشائر، وحتى داخل الأسر. وأصبح القاموس المجتمعي يتداول تعابير من نمط، "المال السياسي"و "شراء الأصوات"و "مرشحو الحشوات" و "نائب الخدمات".  
ولا شك أن بيئة انتخابية كهذه، لا يمكن أن توفر أجواء مناسبة لتكتلات انتخابية على أسس حزبية برامجية، بقدر ما تفرز تكتلات عشائرية أو مناطقية لتحقيق مصالح ضيقة. ولا يتوقع ان تتعدى المخرجات مجالس هزيلة ضعيفة، غير مؤهلة لتحقيق إنجازات فارقة. ومن المتوقع في هذه الأجواء، كما هو حاصل فعلا، أن تتوسع ظاهرة تطويع ارادة أعداد من الناخبين بالمال من قِبَل مرشحين أشباه أميين ثقافيا وسياسيا. بالنسبة لهؤلاء،  النيابة فرصة لتعزيز مصالحهم الاقتصادية والمالية، وهو ما يشكل مدخلا للفساد. 
لقد بات واضحا للعيان سعي "ممثلي الشعب" في تحقيق مكاسب وامتيازات خاصة معروفة للرأي العام. ولم يعد ممكنا إخفاء التلاقي تحت القبة بين النيابة من جهة، والمال والتجارة والمقاولات وعطاءاتها من جهة ثانية. 
ولم يعُد المواطن يتفاجأ بضعف مواقف النواب، كما تكشف خلال ازمة اضراب المعلمين. كما لم يعد يثير استغرابه تمرير قوانين بما يرضي الحكومة ويناسبها، ناهيك بالجعجعة و"اللعلعة" وعند التصويت تحصل الحكومات على "ثقة ونص"! 
وعلى صعيد القضايا والتحديات المؤرقة للغالبية العظمى من المواطنين، وعلى راسها الفقر والبطالة والغلاء وارتفاع الرسوم، فلم تُحدث مجالس النواب اختراقا يُذكر للصالح العام. 
وفي الآونة الأخيرة، جاء الاعتراف الصريح بالصوت والصورة لمسؤولين، منهم من لا يزال على رأس عمله، بتزوير الانتخابات اكثر من مرة ليُسقط ما تبقى للعملية الإنتخابية من مصداقية. 
لقد تضافرت هذه الاسباب وغيرها مجتمعة، لتُطيح بزخم هذه العملية وتُصعف الثقة بمخرجاتها إلى درجات غير مسبوفة. 
ان مجلس النواب في اي بلد في العالم، هو افراز واقع بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.  ونعتقد ان من اكبر التحديات التي تواجه الحياة السياسية والنياببة في الأردن اليوم، إنما يتمثل في فقدان غالبية المواطنين الثقة بمجلس النواب. فلا يمكن بمعايير الحاضر، استساغة وجود مجلس نواب لا يمثل نبض الشارع وألوان الطيف السياسي، بحدود مقبولة على الأقل. ويستحيل في عصر الفضاء المفتوح، ان يثق الناس بمجلس نيابي يرون بالأدلة الملموسة، ان خدمة المصلحة العامة ليست أولويته! 
فما جدوى وجود مجلس نواب تشعر الغالبية أنه لا يمثلها، ولا يعمل لمصلحتها؟!
قد تكون الخطوة الأولى على طريق ألف ميل الحل، إخراج  العملية الانتخابية من إطار المصالح والانتماءات العصبية والجهوية الضيقة، لتتحول إلى حوار وطني شامل يتمحور حول برامج سياسية ورؤى عصرية بمستوى التحديات. ولكن كيف؟! 
هذا هو السؤال.